«فتن الإبتلاء بالشر والخير»

  • — السبت مايو 10, 2025

خلق الله -جل وعلا- الدنيا لتكون داراً للابتلاء والاختبار، ومن ثم فإنه جعل الإنسان يتقلب فيها بين المنشط والمكره، والرخاء والشدة، والخير والشر؛ ليرى سبحانه كيف يصنع هؤلاء العباد، وكيف يطلبون مراضيه في جميع الأحوال، قال الله تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾، يقول العلامة ابن القيم –رحمه الله- في “عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين” البلاء اختبار: الغِنى والفقر والبلاء والعافية فتنة وابتلاء من الله لعبده يمتحن بها صبره وشكره. ومن مظاهر الابتلاء بالشر والخير:

أولا: الابتلاء بالشر 

من رحمة الله وبره بعباده كسرهم بأنواع المصائب والمحن لينالوا رضاءه ومحبته، وله عدة صور منها:

  • ومن أعظم ما يبتلى به المؤمن من صور الابتلاء بالشر هي المصيبة في الدين؛ فهي القاصمة والمهلكة والنهاية التي لا ربح معها، وعموما فإن مصاب الدين لا فداء له، فهو أعظم من مصيبة النفس والمال؛ لأن المال يخلفه الله تعالى، وهو فداء الأنفس، والنفس فداء الدين، والدين لا فداء له.
  • أن يبتلي الله المؤمن بفقد عزيز عليه أب، أم ، زوجة، ولد…
  • أن يبتلى المؤمن بفقد جزء من جسمه كذهاب بصره، أو سمعه، أو رجله، أو يده.
  • ابتلاء المؤمن بمرض عُضال أو فتاك، أو يُبتلى بالخوف والجوع وضيق الرزق.
  • الابتلاء بالسيئات أو المعاصي، وهذه قد تَخفى حكمته على الكثيرين إذ قد يراد به “اختبار الصدق في الإيمان”.

يشير العلامة ابن القيم –رحمه الله- في مفتاح دار السعادة إلى ثمرة الابتلاء بالشر بقوله: “ومن تدبر حكمته سبحانه، ولطفه وبرَّه بعباده وأحبابه، في كسره لهم ثم جبره بعد الانكسار، كما يكسر العبد بالذنب ويُذلُّه به ثم يجبرُه بتوبته عليه ومغفرته له، وكما يكسره بأنواع المصائب والمحن ثم يجبره بالعافية والنعمة انفتح له باب عظيم من أبواب معرفته ومحبته، وعَلِمَ أنه أرحمُ بعباده من الوالدة بولدها، وأن ذلك الكسر هو نفس رحمته به وبره ولطفه، وهو أعلم بمصلحة عبده منه..”، ويقول: ” لو لم تكن التوبة أحب إلى الله لما ابتلى بالذنب أكرم المخلوقات عليه –آدم عليه السلام- فالتوبة هي غاية كل كمال آدمي وقد كان كمال أبينا آدم –عليه السلام- بها “.

ثانيا: الابتلاء بالخير

الابتلاء بالخير هو أشد من البلاء بالشر؛ لأن القيام بحقوق الصبر أيسر من القيام بحقوق الشكر؛ فصارت المنحة أعظم البلاءين لهذا قال عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-: ” بلينا بالضراء فصبرنا، وبلينا بالسراء فلم نصبر ” وقال علي بن أبي طالب –رضي الله عنه-: ” من وُسِّع عليه في دنياه فلم يعلم أنه قد مُكر به فهو مخدوع في عقله “.

والابتلاء بالخير له صور شتى منها:

  • أن يبتلى العبد بالغنى وكثرة العرض: قال ﷺ: «فو الله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بُسطت على من كان قبلكم فتَنافِسوها كما تنافسوها وتُلهيكم كما ألهتهم» (صحيح البخاري).
  • ابتلاؤه بزينة الدنيا وزهرتها. قال ﷺ: «إني مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها» (صحيح البخاري).
  • الابتلاء بحب الرياسة والجاه، فيطلبها ويحرص عليها فيكون فيها هلاكه. لقوله ﷺ: «إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة، فنعمت المرضعة، وبئست الفاطمة» (صحيح البخاري).
  • ويدخل في هذا المظهر ابتلاء العبد بالطاعات وترك المنكرات فلا يشكر ربه على ما هداه إلى ذلك.

ونخلص إلى أن الابتلاء يكون خيراً حسنا، ويكون شراً سيئا؛ والله عز وجل يبلو عباده بالصنيع الجميل ليمتحن شكرهم، ويبلوهم بالبلوى التي يكرهونها ليمتحن صبرهم؛ وسبب هذه الابتلاءات (المحن والمنح)؛ كرغد العيش أو ضيقه، والأمن والخوف، واعتدال المناخ أو قسوته؛ كحبس الغيث والقحط، والزلازل والبراكين والفيضانات والأعاصير، وأغلى الأسعار، لعلهم يرجعون عن المعاصي فتنة منه تعالى ليبلوهم أيهم أحسن عملا، ومن يفتتن عند مواقع الفتن ومن ينجو،﴿وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ْ} فنجازيكم بأعمالكم، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾.