يقول الله جل جلاله وتقدست أسماءه ممتنا على عباده بنعمة الليل والنوم، ونعمة النهار: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67) ﴾[سورة يونس]، وقال تعالى : ﴿ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (٩) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (١٠) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (١١)﴾ [سورة النَّبَإِ].
لقد جعل الله تعالى الليل لباسا، والنوم سباتا، وجعله سكنا، وجعل النهار معاشا وحركة، وهو سبحاته يعلم ما الذي يصلح شأن عباده في الدنيا، وقد دعى -عليه الصلاة والسلام- بالبركة، لمن اغتنم هذا الوقت، في أموره عامة، سواء كانت دنيوية أو أخروية: «بورك لأمتي في بكورها».
والظاهر أن المراد بالبكور أول النهار ما كان في وقت صلاة الصبح، بعد انتشار ضوء الفجر الصادق وأداء صلاة الفجر، وينتهي عند شروق الشمس وارتفاعها وابتداء انتشار حرها، أي عند ابتداء وقت الضحى؛ فمن ضيعه بالنوم فلربما حرم رزقا كان ينتظره، لو أنه انطلق في نهاره مستيقظا، متطلعا لفضل الله تعالى، فإذا ضاع عليه ذلك، كان من أسباب سخطه وضيق صدره.
وتأتي أهمية الحرض على عدم تضييع هذا الوقت المبارك، لأنه قد يحرم الإنسان البركة والسرور، ويكون سبباً للهم، وضيق النفس، وقلق القلب، وفقدان الشعور بالحياة مع مرور الوقت؛ والأيام والليالي تمر والحياة سقيمة، يعتورها الملل، محتار لا يهنأ بعيش، ولا يفرح بطيش، يسأل نفسه لماذا حياتي هكذا؟!
إن مخالفة سنة الله الكونية، وإبطال سنة الليل وسنة النهار، النوم في أول النهار، وما بعده حتى وقت الظهيرة -وإلى العصر- يفسد القلب، وينزع البركة من العمر؛ لأنه صادم الإنسان سنة الله الكونية، وقلب الساعات قلبا، وخالف طريق السير، وصار بمواجهة السنن، فلا يلومن إلا نفسه؛ وللشيطان سعي في حرمان الإنسان من القيام بواجبه، وتحصيل بركة اليوم، فيزين سهر الليل، بشتى الأعذار، وما أكثرها!!
فالذي ينام نهاره كله يكون -غالباً- قد ضيع غنيمة الصلاة في وقتها، وغنيمة بركة أول النهار، الوقت الذي تقسم فيه الأرزاق، فيحرم ذلك في يومه؛ لنومه.
قال ابن بطال -رحمه الله-: “ما روي عنه -ﷺ-: «اللهم بارك لأمتي في بكورها» ـ لا يدل أن غير البكور لا بركة فيه، لأن كل ما فعل النبي -ﷺ-، ففيه البركة ولأمته فيه أكبر الأسوة، وإنما خص -ﷺ- البكور بالدعاء بالبركة فيه من بين سائر الأوقات ـ والله أعلم ـ لأنه وقت يقصده الناس بابتداء أعمالهم وهو وقت نشاط وقيام من دَعَة فخصه بالدعاء، لينال بركة دعوته جميع أمته.” اهـ.
وعلق العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- على هذا الحديث في شرح رياض الصالحين: “لكن وللأسف أكثرُنا اليوم ينامون في أول النهار ولا يستيقظون إلا في الضحى فيفوت عليهم أول النهار الذي فيه بركة. اهـ.
يقول بعض العلماء كلامًا لطيفًا في هذا الباب: “أول اليوم شبابه وآخر اليوم شيخوخته ومن شبَّ على شيءٍ شابَ عليه”، فإذا شبَّ الإنسان في أول اليوم على الذِّكر بقي اليوم محفوظًا، وإذا كان في خلاف ذلك؛ في الكسل أو في النوم أو في الفتور.. أو في غير ذلك من الأمور؛ فإنه يشبُّ عليها ويأتي عليه آخِر اليوم وهو كذلك.
ويقول الإمام ابن القيم -رحمه الله-: “ونوم الصبحة يمنع الرزق، لأن ذلك وقت تطلب فيه الخليقة أرزاقها، وهو وقت قسمة الأرزاق، فنومه حرمان إلا لعارض أو ضرورة، وهو مُضر جداً بالبدن لإرخائه البدن، وإفساده للعضلات التي ينبغي تحليلها بالرياضة، فيحدث تكسراً وعِيّاً وضعفاً…”.
ولهذا يعتبر أول النهار وقتٌ ثمين نفيس ينبغي على الإنسان المسلم أن يحرص على الفوز ببركته باستيقاظه في هذا الوقت لصلاة الفجر وقضاء الوقت إلى الشروق في الأذكار، ولا يُضيِّعه في النوم؛ والعادة أن ما يكون من الإنسان في أول اليوم ينسحب على بقية اليوم؛ إِنْ نشاطا فنشاط وإِنْ كسلا فكسل، ولهذا قال بعض السلف: “يومك مثل جملك إن أمسكت أوله تبعك آخره” أي إذا حفظتَ أول اليوم فإنَّ بقية اليوم يُحفظ لك.
هذا والله تعالى أعلم وأحكم.