إدارة التغيير والتحوُّل التنظيمي اصبحت سمة دائمة في مشهد إدارة الأعمال، فقد انفتحت مجالات جديدة ضخمة وظهرت تقنيات ابتكارية وضعت نماذج الأعمال التي كانت قوية في السابق تحت سيف التهديد، ولمقابلة هذه التحديات أصبحت المنظمات/الشركات أكثر تمرساً على تطبيق أفضل الممارسات في إدارة التغيير والتحوُّل التنظيمي. وأصبحت أكثر حساسية وأكثر وعياً بالدور الذي تلعبه ثقافة التغيير في هذا الصدد، وأن تكون أفضل في عملية المتابعة.
أشار المسح الذي أجرته Strategy الاستشارية بالتعاون مع مركز Katzenbach البحثي على كبار التنفيذيين حول العالم عن الثقافة وإدارة التغيير؛ أن معدل نجاح مبادرات التغيير الرئيسة هو 54% فقط؛ وهو معدل منخفض جداً. فالتكاليف تكون باهظة عندما تُخفق جهود التغيير؛ ليس من الناحية المالية فقط؛ ولكن أيضاً لما تسببه من ارتباك وضياع للفرص وإهدار الموارد و إضعاف المعنويات. عندما يرى الموظفون الذين كابدوا وبذلوا جهوداً في مبادرة تغيير صاحبها الكثير من الصخب، ويرون أن كل ذلك قد تبدد يبدأون في التهكم والسخرية.
تشير الدراسات والتجارب في مجال إدارة التغيير التتنظيمي أن هناك ثلاث عقبات رئيسة يجب التغلب عليها لإنجاح مبادرات التغيير، وهي:
العقبة الأولى هي «إعياء التغيير»، وهو الإنهاك الذي يستشري عندما يقع الأفراد تحت ضغط إجراء الكثير من التغييرات في وقت واحد. حيث اعتبر 65% من المستجيبين للمسح ان هذا مشكلة. قد تكون مبادرة التغيير التي خاضوها وسببت لهم الإعياء غير مكتملة الإعداد أو تكون سريعة أو تكون ينقصها التفكير الناضج. الإعياء مشكلة مألوفة في إدارة التغيير التنظيمي؛ خصوصاً عندما تقاد مبادرات التغيير برمتها من الإدارة العليا فقط.
العقبة الثانية هي عقبة «التخبط»، التي يجب اجتيازها لإنجاح مبادرات التغيير كما يشير إلى ذلك 48% من عينة المسح، وذلك لأن المنظمات/الشركات تفتقر للمهارات الضامنة لإمكان استدامة التغيير مع الوقت. فقد ينطلق القادة بحماس لرفع الجودة الإنتاج؛ لكن عندما تبطئ وتيرة جدول الإنتاج و تتناثر العمليات المفضية لهذا الغرض تجدهم يُصابون باليأس. وبسبب افتقارهم لوسيلة فاعلة للتعامل مع مشكلات خط الإنتاج يحكمون بأن أهدافهم كانت غير واقعية، ويلقون باللوم على تقنيات الإنتاج، أو يتهمون موظفي الخطوط الأمامية بأنهم ليسوا على مستوى تلك المهمة. أفضل طريقة لحل هذه المشكلة هي الاستثمار في التحسينات التشغيلية؛ مثل عملية التصميم و التدريب لترسيخ مناهج عملية جديدة، ولمنح الأفراد الدعم المعرفي والثقافي الذي يحتاجونه.
العقبة الرئيسة الثالثة هي أن جهود التغيير يتم تصميمها وتخطيطها وتنفيذها في العادة بواسطة الإدارة العليا، ولا تشارك المستويات الدنيا إلا بالنزر اليسير، وهذا خطأ كبير؛ لأن فيه تجاهلا للمعلومات المفيدة من لدن المستويات الدنيا؛ التي يمكن أن تكون مفيدة في عملية تصميم مبادرة التغيير، ولأنها كذلك تحد من فرص حصول الخطوط الأمامية على ملكية التغيير. وقد أشار 44% من عينة المسح بأنهم لا يفهمون التغييرات التي يُطلب منهم إجراؤها، و أشار 38% بأنهم لا يوافقون على التغييرات.
فيما يأتي عشرة مبادئ توجيهية للتغيير؛ لمساعدة التنفيذيين على الإبحار بطريقة منهجية سلسة في مياه التغيير الضحلة و الغادرة :
1. القيادة بالثقافة:
يقول Lou Gerstner الذي قاد واحدا من أكبر التغييرات في تاريخ إدارة الأعمال كرئيس تنفيذي شركة IBM؛ إن الدرس الأكثر أهمية الذي تعلَّمه من تلك التجربة كان « الثقافة هي كل شيء». يدرك رجال الأعمال والإدارة اليوم هذه الحقيقة تماماً، والدليل على ذلك أن 84% من عينة المسح أشاروا إلى أن الثقافة كانت عاملاً حاسماً في إنجاح إدارة التغيير، ويرى 64% من العينة أنها، ـأي الثقافةـ أكثر أهمية من الاستراتيجية أو من نموذج التشغيل.
2. البدء من القمة:
على الرغم من أهمية إشراك المرؤوسين في كل مراحل التغيير وفي وقت مبكر؛ إلا أن كل مبادرات إدارة التغيير بدأت من القمة بمجموعة ملتزمة و منسجمة من التنفيذيين مدعومين بقوة من الرئيس التنفيذي. هذا الانسجام لا يمكن أن يكون أمراً مفروغا منه، بل بالأحرى يجب العمل في وقت مبكر لضمان توافق الجميع حول قضية التغيير؛ وتحديداً على تنفيذها.
3. إشراك الجميع :
كثيراً ما يفشل المخططون الاستراتيجيون في الأخذ في الاعتبار المدى الذي يمكن أن يؤثر فيه الأفراد من المستوى المتوسط أو الخطوط الامامية؛ سلباً أو ايجاباً؛ على مبادرة التغيير. المسار الذي يقطعه التغيير يكون سلساً للغاية إذا تم إشراك هؤلاء الناس في مراحل مبكرة؛ وتم الحصول على مداخلاتهم في قضايا تؤثر على وظائفهم. موظفو الخطوط الأمامية هم في العادة مستودعات لمعرفة مواطن الخلل، وللقضايا التقنية واللوجستية التي تحتاج للمعالجة، وعن ردة فعل العملاء على التغيير. بالإضافة إلى ذلك فإن إشراكهم يُسهِّل الطريق على مبادرات التغيير المعقدة، في حين أن مقاومتهم تجعل من تطبيق التغيير تحديا مستمرا.
المخططون الاستراتيجيون الذين يعارضون الإشراك المبكر لعدة مستويات في الهيكل التنظيمي؛ يفعلون ذلك في العادة لاعتقادهم أن العملية ستكون أكثر كفاءة كلما كان عدد المشاركين قليلا. لكن ضمان إشراك الجميع (على الرغم من أن ذلك قد يأخذ وقتاً أطول) فيه الوقاية من «صداع» مزمن قد يسببونه فيما بعد. إشراك الجميع لا يوفر فقط مزيدا من المعلومات القيِّمة؛ ولكن أيضاً يجعلهم أكثر انخراطاً عندما يشاركون في تطوير خطة التغيير.
أدركت شركة IBM هذه الحقيقة في عام 2003م عندما تبنت مبادرة جديدة على ثقافة الشركة. فقد اجتمع الفريق القيادي بشكل مكثَّف لتطوير تعريفات واضحة للسمات الثقافية التي تحتاجها الشركة للمضي قُدماً. بعد ذلك أعلن ذلك الفريق عن إنشاء موقع إلكتروني لمدة ثلاثة أيام فقط يستطيع فيها أي فرد في الشركة كتابة ملاحظاته أو ردوده أو تقديم اقتراحات أو التعبير عن مخاوفه. بعدها استطاع ذلك الفريق إجراء تغييرات كبيرة استناداً إلى التغذية المرتجعة التي حصلوا عليها، وأوصل رسالة واضحة للمرؤوسين مفادها أن مداخلاتهم قد تم دمجها في عملية التغيير.
4. ربط الحالة العاطفية والمنطقية:
في العادة يسند قادة التغيير الرئيس الأهداف الاستراتيجية للعمل مثل « سندخل أسواقا جديدة»، أو «سننمو بمعدل 20% سنوياً خلال السنوات الثلاث القادمة». إن مثل هذه الأهداف هي أهداف رائعة، لكنها نادراً ما تربط عند المرؤوسين عاطفياً بطريقة تضمن الالتزام الأصيل منهم. طبيعة الجنس البشري أن يستجيب ويتفاعل عندما نخاطب قلبه بالإضافة إلى عقله؛ بطريقة تجعله يشعر بأنه جزء من شيء مهم.
لقد اتبعت السيدة Meg Whitman – الرئيسة التنفيذية لشركة Hewlett-Packard- وفريقها التنفيذي هذا المبدأ في جهودهم لإجراء تغيير في الشركة، فقد سعوا إلى تفعيل تواصل شخصي قوي بين الشركة وموظفيها عن طريق الرسم مباشرة في الثقافة والتقاليد التاريخية للشركة، مثلاً عن طريق القيام ببعض اللفتات الرمزية كإزالة السياج الذي كان يحيط بمواقف سيارات كبار التنفيذيين، ونقل كبار التنفيذيين إلى مكاتب صغيرة؛ استطاعت الشركة أن تعزِّز أخلاقيات أسلوبها الأصيل «طريق HP» التي ابتكرها مؤسسا هذه الشركة، والتي تعتبر جوهرية للعمل في هذه الشركة مثلها مثل أية وظيفة في الهيكل الوظيفي لها. وسردت السيدة Whitman هذه القصة في أبريل 2013م عبر مدونة على موقع LinkedIn. ان هذه الاستراتيجية تتناقض مع تلك التي كانت لسلفها الذي كان قد أعلن أنه قد آن الأوان لتتخلى الشركة عن هويتها الأساسية.
في أية شركة تواجه بيئة ذات صبغة تحد؛ فإن التواصل العاطفي المعزَّز بالحركة مثل الذي أشرنا اليه يصنع اختلافاً كبيراً.
5. تصرَّف بطريقتك بخصوص التفكير الجديد:
يبدو أن الكثير من مبادرات التغيير تفترض أن الأفراد سيبدأون في تغيير سلوكياتهم حالما يتم تعيين العناصر الرسمية مثل التوجيهات والحوافز. الأفراد الذين يعملون معاً في الفرق ذات المهام المتعددة سيباشرون بالتعاون؛ لأن الخطوط على الرسم البياني تُظهر أنهم من المفترض أن يفعلوا هذا. وستصبح اتصالات المديرين واضحة لأن لديهم تفويضا بتوصيل رسالة عن الاستراتيجية الجديدة.
مع ذلك فإن خطوط المخطط البياني وبيانا جريئا للنوايا لهما تأثير كبير. والأكثر أهمية لنجاح أي مبادرة تغيير هو ضمان أن تعكس السلوكيات اليومية للأفراد حتمية التغيير. ابدأ بتحديد السلوكيات القليلة الحيوية التي تكون أساسية في نجاح المبادرة، بعدها أجر أعمالا يومية مع هذه السلوكيات في الأمام والوسط. يجب أن يكون كبار القادة نماذج مرئية لهذه السلوكيات الجديدة منذ البدء؛ لأن الموظفين سيؤمنون بظهور تغيير فعلي فقط عندما يرون أن ذلك يحدث على مستوى القمة.
كان يعتقد قادة إحدى الشركات الصناعية الكبرى على مستوى العالم؛ الذين كانوا يسعون لإبعاد شبح الإفلاس عنهم؛ أن الشركة فقدت الصلة مع عملائها بسبب مشكلات راسخة في ثقافتها؛ فالمديرون كانوا يشتغلون بنظام طبقات مفرط فيه بدون مساءلة. كانوا ثقيلي الحركة، ويتجنبون المخاطر، وضيقي الأفق، وميالين لقضاء الوقت في التصاديق والإجراءت المكتبية. بدلاً من إجراء تحويلات جذرية وشاملة؛ قام فريق التغيير بتفويض أولئك القادة تبني ثلاث سلوكيات محددة:
- اتخاذ قرارات رئيسة واضحة في الأيام بدلاً من الأسابيع أو الشهور.
- قضاء الوقت مع قيادات الخطوط الأمامية (المشرفين)، وطلب مداخلاتهم، وإشراكهم في مناقشات صريحة.
- التأكد من أن الوظائف الوسطى والدنيا لديها تواصل مباشر مع المستفيدين.
بسبب أن هذه التحولات السلوكية محدودة وواضحة يكون تطبيقها سريعاً. يُطلب من القادة التصرف «كما لو» أن المؤسسة تفعل الأشياء بهذه الطريقة بدلاً من محاولة التفكير بطريقتهم المخالفة للطرق القديمة.
6. الإشراك ثم الإشراك:
يرتكب القادة في كثير من الأحيان خطأ تخيُّل أنهم إذا نقلوا رسالة قوية عن التغيير في بداية مبادرة التغيير فقط؛ سيفهم الأفراد ماذا عليهم أن يفعلوا. التغيير القوي والمستدام يتطلب التواصل المستمر، ليس فقط طوال الفترة التمهيدية؛ ولكن أيضاً بعد تجهيز العناصر الرئيسة للخطة. كلما كثُرت أنواع الاتصال الموظفة لهذا الغرض كانت أكثر فاعلية، وهو ما جعل إزالة السياج في شركة HP أمراً مهماً جداً: الأمور الرمزية تعزز أثر الكلمات.
شرعت إحدى دور النشر العالمية في إجراء تغيير رئيس لتصبح أكثر رقمنة في عملياتها؛ فأعدت تغييرات هيكلية بعيدة المدى. قرَّر كبار القادة إشراك الأفراد من جميع مستويات الشركة. في البدء عقدت سلسلة من الاجتماعات تم فيها إطلاع المجموعات الكبيرة على الأخبار وطُلب منهم أن يوضحوا كيف أن هذا التحول الكبير على مستوى الشركة سيؤثر عليهم. عقد التنفيذيون هذه الاجتماعات على نطاق الوظيفة بحيث يتعلَّم الأفراد منها، مثلاً بخصوص التأثير المحتمل على الموارد المالية والموارد البشرية. وفَّرت الشركة كذلك نسخة من محادثاتها عن الأداء والابتكار والتنفيذ. في النهاية تم إعداد معرض داخلي لعرض ما تفعله مختلف الفرق؛ لجعل الشركة أكثر رقمنة. هذه الجهود الاتصالية المتعددة الأوجه والمستمرة جعلت الرسالة نابضة بالحياة، منحت كل موظف فهما للتغيير وحصته في النتائج.
7. القيادة خارج الخطوط:
للتغيير فرصة أفضل في التتالي داخل الشركة عند إشراك كل من له سلطة وتأثير، وكذلك «القادة غير الرسميين» من أصحاب الخبرة و الشبكة الترابطية الواسعة والسمات الشخصية التي تولِّد الثقة.
هؤلاء القادة غير الرسميين هم بمثابة «القوات الخاصة»؛ والذين يوجدون في كل الشركات؛ فقد يكونون مشرفين يحظون باحترام كبير أو مديري مشاريع ابتكارية، أو موظفي استقبال ذوي خبرة طويلة في الشركة.
المنظمات / الشركات التي تنجح في تنفيذ تغييرات كبيرة تحدد هؤلاء الأشخاص مبكراً، وتجد وسائل لإدخالهم في العملية كمشاركين ومرشدين. هناك ثلاثة أنواع بارزة من القادة غير الرسميين:
- `بناة الفخر: وهم البارعون في تحفيز و إلهام الآخرين الفخر بأعمالهم. الذين يتأثرون بهؤلاء البناة يشعرون بالراحة في العمل ؛ ولديهم رغبة في الذهاب إلى أبعد الحدود.
- `واسطة : وهم الذين يُلجأ إليهم؛ فهم مستودعات ثقافة الشركة. إنهم القادة غير الرسميين الذين يلجأ إليهم الأفراد الذين يرغبون في معرفة ما يحدث. مثلاً؛ عندما يحاولون معرفة ما إذا كان هؤلاء الذين يقودون مبادرة التغيير سيواصلون بالفعل حتى النهاية أم لا.
- سفراء التغيير أو الثقافة: وهم الذين يعرفون بالفطرة كيفية «معايشة» التغيير الذي يجري. وتجدهم يخدمون كأنموذج وكقناة اتصال؛ فيقومون بتوصيل أهمية التغيير.
يجب تحديد القادة غير الرسميين قبل إشراكهم. وأفضل طريقة للقيام بهذا يكون عن طريق إجراء تحليل الشبكات ورسم خريطة الاتصالات ومعرفة من يجب التحدث إليه.
8. اكساب الدوافع للحلول الرسمية:
إقناع الأفراد بتغيير سلوكهم لن يكون كافياً لإنزال هذا التحوُّل على أرض الواقع ما لم تتم إعادة تصميم عناصر رسمية مثل الهيكلة وأنظمة المكافآت وأساليب التشغيل والتدريب والتطوير لدعم العملية. والشاهد أن الكثير من المنظمات / الشركات تقصِّر في هذه الناحية.
حاولت إحدى الشركات القانونية إضفاء الصفة الاحترافية على ثقافتها التي كانت تركِّز على الداخل. كانت هناك حاجة لمزيد من التطوير والتوجيه الرسمي؛ فالأنظمة الحالية كانت نتائجها متفاوتة، لذلك أنشأ فريق التغيير لجنة للتطوير، وقدمت دعوة لأفراد الطاقم ممن لديهم الخبرة والرغبة في المشاركة. كانت بهجة الفريق لا توصف عندما تطوَّع الكثير من أصحاب الخبرة وباشروا تصميم برنامج تطويري قوي.
لكن بعد البداية القوية تعثرت الجهود؛ فالأشخاص الذين كانوا متحمسين أصابهم الإحباط، والسبب عدم وجود آليات رسمية لدعم أو مكافأة المشاركين. عند ملاحظتهم هذه المشكلة تحرَّك القادة ووضعوا الآلية التي تستعين بها لجنة المكافآت؛ فتحركت عجلة التغيير.
9. إكساب الحلول غير الرسمية القوة الدافعة :
حتى بعد تجهيز العناصر الرسمية المطلوبة للتغيير فإن الثقافة الراسخة في المنظمة/الشركة يمكن أن تقوضها إذا عاد الأفراد إلى أساليب التصرف غير المقصودة والمتجذرة ، لهذا السبب من الضروري أن تعمل الحلول الرسمية وغير الرسمية معاً.
كانت إحدى الشركات التقنية الكبيرة تحاول أن تغرس في أذهان طاقمها عقلية تكون أكثر تركيزاً على العميل بعد عقد من تركيزها المحموم على تقليص التكاليف؛ فقد دلت المسوحات التي أجرتها على ارتفاع معدلات عدم رضا العملاء عن منتجات الشركة التي كانت كثيراً ما تُطرح في الأسواق وبها عيوب كبيرة. وضعت الشركة مجموعة من الإجراءات إلى جانب مقاييس لتحديد الثغرات في تطوير المنتج وفي مراقبة الجودة والعمل الجماعي في الخطوط الأمامية.
لكن إحدى الحلول الناجعة كانت متعلقة بالثقافة وكانت غير رسمية، تغيير ذلك الشعار غير الرسمي الذي كان يتحكم في عملية اتخاذ القرارات في الخطوط الأمامية؛ ذلك الشعار الذي ساد في فترة التركيز على تقليص التكاليف والذي كان «أرسل المنتج بأية وسيلة»، حيث تم استبدال شعار جديد به: «إذا لم يكن المنتج سليماً لا ترسله». تم تجنيد بناة الفخر لغرس الرسالة التي يحتاجها الجميع لمنع المنتجات المعيبة من الذهاب إلى السوق؛ حتى لو كان ذلك يعني تفكيك المنتجات للتأكد منها؛ أو حتى لو تطلب الأمر إبطاء عجلة الإنتاجية. عن طريق طلب تحمل مسئولية الجودة من الجميع وفي كل المستويات؛ وعن طريق الاحتفال ومكافأة التحسينات المُحرزة؛ كان قادة التغيير قادرين على إنشاء أخلاقيات الملكية للمنتجات وقهر الأخلاقيات القديمة السائدة «نحن فقط نفعل ما يُطلب منا».
10. التقييم و التأقلم:
المسح الذي أجرته شركة &Strategy الاستشارية بالتعاون مع مركز Katzenbach البحثي كشف النقاب عن أن الكثيرين من من يخوض غمار إجراء تحولات تفشل في قياس نجاحها قبل مواصلة الرحلة. حيث يكون القادة متلهفين لادعاء الإنجاز؛ وبالتالي لا يُخصصون الوقت لمعرفة ما الذي نجح وما الذي فشل؛ ولضبط خطواتهم القادمة بناءً على ذلك. هذا الفشل في المواصلة حتى النهاية ينجم عنه التناقض ويحرمهم من المعلومات التي تحتاجها بخصوص كيفية دعم عملية التغيير طوال دورة حياتها.
التزمت إحدى الشركات العالمية لإنتاج السلع الاستهلاكية التزاماً بعيد المدى في تقليص التكاليف. صمم القادة منصة تغيير قوية وقاموا بتطبيقها على نطاق واسع، وأشارت القياسات إلى أنهم نجحوا. لكن الشركة كانت ترغب في تأكيد فهم طبيعة ذاك الالتزام المستمر على طاقمها؛ لذلك قامت بإجراء سلسلة من الدراسات الاستقصائية لجس النبض، وأقنعت مجموعات التركيز على وصف الحالة اللازمة للتغيير والسلوكيات الجديدة المطلوبة من الجميع.
الجولة الأولى من المسوح كشفت أن هناك فقط 60% من المستجيبين كانوا يفهمون الرسالة. نتيجة لذلك طالبت الشركة القادة غير الرسميين بلعب دور أكبر في التبليغ عن مبادرة التغيير. استمرت الشركة في إجراء مثل هذه المسوح ومجموعات التركيز لقياس النتائج حتى ثبت لها أن السواد الأعظم من الطاقم قد أصبح جاهزاً للتغيير.
الدروس المستفادة:
توفر هذه المبادئ التوجيهية العشرة منصة قوية للقادة الملتزمين بإحداث تحولات مستدامة. فالعمل المطلوب في هذا الشأن يمكن أن يكون شاقاً ومُرهِقاً، لكن الحاجة لمبادرات تغيير رئيسة أصبحت أكثر إلحاحا؛ً وبالتالي يتوجب علينا جميعاً أن نجريه بالطريقة الصحيحة.
المصدر: مجلة Strategy + Business