قال أبو بَكْرٍ الصديق-رضي الله عنه-: يا رسولَ اللهِ، كيف الصَّلاحُ بعدَ هذه الآيةِ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}؟! فكلُّ سُوءٍ عَمِلْنا جُزِينا به؟!
فقال رسولُ اللهِ-ﷺ-:«غفَرَ اللهُ لك يا أبا بَكْرٍ، ألستَ تَمرَضُ؟ ألستَ تَنصَبُ؟ ألستَ تَحزَنُ؟ ألستَ تُصيبُك اللَّأْواءُ؟»، قال: بلى. قال: «فهو ما تُجزَوْنَ به».
في هذا الحديث الصحيح تسلية بالغة وإعلام بأنه لا ينال العبد شيء إلا كفر الله به عنه من خطاياه، فقول أبو بكر -رضي الله عنه-: يا رسول الله، كيف الصلاح بعد هذه الآية” بمعنى صلاح الآخرة والنجاة من عذابها، وقيل: صلاح الدنيا على وجه يؤدي إلى نجاة الآخرة، أو: كيف يتصف الإنسان بالصلاح بعد نزول قوله تعالى: {من يعمل سوءا يجز به}؟! [النساء: 123].
والمعنى: ما من ذنب يفعله الإنسان إلا ويحاسبه به الله عز وجل، والخشية هنا من أبي بكر إنما هي من عذاب الآخرة الذي سيجتمع على المسلم بما كسب من السيئات، – فذكر الحديث، أي حديث: “فكل سوء عملنا جزينا به؟!”- بمعنى: لو أن كل ذنب أخذنا الله به؛ فكيف النجاة من عذاب الله عز وجل؟، فقال رسول الله-ﷺ-: “غفر الله لك يا أبا بكر، ألست تمرض؟” فتصيبك الأوجاع والأمراض، “ألست تنصب؟” والنصب التعب والمشقة، “ألست تحزن؟” من الحزن وهو الذي يصاحب المصائب، “ألست تصيبك اللأواء؟”، وهي الشدة وضيق المعيشة، “قال: بلى” تصيبني كل هذه الأمور، قال النبي-ﷺ-: “فهو ما تجزون به”؛ أي: أن المسلم يجازى بأعماله السيئة في الدنيا بالمصائب والمحن حتى يخرج من الدنيا طاهرا من الذنوب؛ فالابتلاء في الدنيا يكفر ذنوب المسلم، ويحفظ له آخرته؛ حتى إن النبي -ﷺ- يقول: «ما يزالُ البلاءُ بالمؤمنِ والمؤمنةِ في نفسِهِ وولدِهِ ومالِهِ حتَّى يَلقى اللَّهَ وما عليْهِ خطيئةٌ» صحيح الترمذي.
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- في زاد المعاد: فإنْ أراد الله به (عبده) خيرًا طهَّره من المادة الخبيثة قبل الموافاة، فيوافيه يوم القيامة مُطَهَّرًا، فلا يحتاج إلى تطهيره بالنار فيطهره منها بما يوفقه له من التوبة النصوح، والحسنات الماحية، والمصائب المكفِّرة، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة، ويمسك عن الآخر مواد التطهير، فيلقاه يوم القيامة بمادة خبيثة، ومادة طيبة، وحكمته تعالى تأبى أن يجاوره أحد في داره بخبائِثِه، فيدخُله النار طُهْرة له، وتصفية وسَبْكًا، فإذا خلصت سبيكةُ إيمانه من الخُبث صلح حينئذٍ لجواره، ومساكنة الطيبين من عباده.
وقال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله-: الإنسان لا يخلو من خطأ ومعصية وتقصير في الواجب؛ فإذا أَراد الله بعبدهِ الخير عجَّل له العقوبة في الدُّنيا: إِما بماله، أو بأهله، أو بنفسه، أو بأحدٍ ممن يتصل به؛ لأن العقوبة تكفر السيئات، فإذا تعجّلت العقوبة وكَفَّر الله بها عن العبد، فإنه يُوافي الله وليس عليه ذنبٌّ، قد طهرته المصائب والبلايا، حتّى إِنه ليُشدَّد على الإنسان مُوته لبقاء سِيئة أو سيئتين عليه، حتى يخرج من الدُّنيا نقيًا من الذنوب، وهذه نِعمة؛ لأن عذاب الدُّنيا أهون من عذاب الآخرة.
أسأل الله -ﷻ- أن يعيننا وإياكم على طاعته، وأن يفقهنا وإياكم في دينه، وأن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا شر أنفسنا، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.