عَنْ أَبِي بُردة بن أَبي مُوسَى، أَنَّ علي بن أبي طالب، قَالَ: قَالَ لي رسول الله ﷺ: «قُلِ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي وَسَدِّدْنِي، وَاذْكُرْ بالهُدَى هِدَايَتَكَ الطَّرِيقَ، وَالسَّدَادِ سَدَادَ السَّهْمِ.» [وفي رواية]: «قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الهُدَى والسَّدادَ…» صحيح مسلم
في هذا الحَديثِ علَّم رسول الانسانية ومعلم البشرية محمد ﷺ عَلِيًّا -رَضيَ اللهُ عنه- أنْ يَدْعو اللهَ ويَسألَه الهِدايَةَ والسَّدادَ، وهو دُعاءٌ مُبارَكٌ يَتضمَّنُ أهمَّ المطالِبِ الَّتي يَطلُبُها العَبدُ، ولا يُحَصِّلُ الفلاح والسعادة إلَّا بهما، فالهُدَى: هو المَعرفةُ بالحقِّ تَفْصيلًا وإجْمالًا، والتَّوفيقُ لاتِّباعِه ظاهِرًا وباطِنًا.
والسَّدادُ: هو التوفيق والاستقامة في جميع الأُمورِ بما يكونُ صَوابًا على الحقِّ، وهو الطَّريقُ المُستَقيمُ في القَولِ والفِعلِ والاعتِقادِ.
إنَّ ربط المعاني الدِّينيَّةِ المعنويَّةِ -كالهِدايةِ وغيرِها- بالأمورِ الدُّنيويَّةِ المحسوسةِ، يَجعَلُها أوقَعَ في النَّفس وأثبَتَ وأقرب إلى الاستيعابِ؛ لأنَّها مَبْنيَّةٌ على شَيءٍ مُشاهَدٍ مَلموسٍ. ولذلك أوصاه النبي ﷺ عندَما يَدْعو بهذا الدعاء أنْ يَكونَ في ذِكرِه وخاطِرِه أنَّ المَطْلوبَ هِدايَةٌ كهِدايَةِ مَن مَشى أو سافَرَ في طَّريقٍ؛ فإنَّه لا يَنحرِفُ عنه يَمْنةً أو يَسْرةً؛ حتَّى يَسْلَمَ مِن الضَّياعِ والضَّلالِ، وبذلك يَنالُ #السلامة، ويَصِلُ إلى غايتِه سَريعًا.
وأمَرَه أنْ يكونَ ببالِه عندَما يَسألُ الله السداد أنْ يكونَ سَدادًا كسَدادِ السَّهمِ في سُرعةِ وُصولِه وإصابتهِ للهَدَفِ، فكذلك تَسألُ الله تَعالَى أنَّ ما تَنْويَه مِنَ السَّدادِ على شاكِلةِ السَّهمِ، فيكونُ في سُؤالِه طالبًا غايةُ الهدى ونهايةُ السَّدادِ.
ويستفاد من الحديثِ: أنَّ الدَّاعيَ ينبغي له أن يَهتَمَّ بدُعائهِ، ويَستحضِرَ مَعانيَ دَعواتِه في قَلبِه؛ فهذا أدْعى للقبول؛ فيثمر ذلك على الجوارح من كمال الهمّة وكثرة النشاط و الراحة و السكينة، فإن هذا هو لبّ العبادة، ومقصودها الأعظم.
اللَّهُمَّ إِنِّا نأَسْأَلُكَ الهُدَى والسَّدادَ في القول و العمل.