الإنضباط و تغيير السلوك وتغيير الإتجاهات

  • — السبت أكتوبر 18, 2014

ثقافة الولاء، والإتقان، وحب العمل، والالتزام بالمواعيد، والوفاء، وعدم التمرد، وعدم الطعن في الظهر، وعدم التناحر، والغيبة، والتحاسد والتآمر،… وغيرها من السلوكيات السائدة في المجتمعات -سواء كانت سلبية أم إيجابية- إلا أن الانضباط هو أحد أهم أبعاد الثقافة التنظيمية.

         تعريف الانضباط

يمكن القول أن الانضباط بمعناه اللفظي “الجدية والالتزام، والدقة، وحسن أداء الواجب، واحترام حقوق الآخرين، والقدرة على التمييز بين ما هو مشروع وجائز، وبين ما هو محظور وغير مباح، وهو أيضاً، الالتزام بالخطة المحددة و تطوير العادات الجيدة للعمل، كما يمكن تعريف الانضباط الوظيفي بأنه التزام الموظف بواجبات ومسؤوليات الوظيفة المكلف بها, وبمعنى آخـر وجود قواعد ولوائح محددة مسبقاً يجب على الموظف أن يلتزم بها.

         مزايا الانضباط

هناك العديد من الفوائد المتحققة نتيجة للانضباط منها مثلاً :

  • تحقيق برامج التنمية.
  • تحقيق الكفاية والفعالية وتحسن كمي ونوعي في الخدمات المقدمة.
  • توفير الكثير من الجهد والتكاليف المبذولة في ممارسة وظائف الرقابة.
  • الاستغلال الأمثل للوقت والجهد في أداء الأعمال.
  • ضمان حسن سير العمل وأنه يتم وفق القواعد والتعليمات والسياسات المرسومة لذلك..

         نتائج عدم الانضباط

وكما أن الانضباط يحقق العديد من الفوائد فعلى الوجه الآخر عدم الانضباط ينتج عنه عدة نتائج منها :

  • ضعف الإنتاجية.
  • إهدار الموارد (المادية والتقنية، والبشرية، الوقت).
  • ضعف الثقة في الإدارة ومنسوبيها.
  • زيادة التكلفة.
  • عدم إتقان العمل.
  • بيئة عمل متفككة ومحبطة.

         أنواع الانضباط

البعض يصنف الانضباط إلى نوعين ذاتي وخارجي ، كما يلي :

  • انضباط ذاتي.. وهو ينبع من داخل الفرد، فالموظف يجعل من نفسه رقيباً وضابطاً لأقواله وأفعاله، وبأن الله رقيب عليه (إن الله كان عليكم رقيباً).
  • انضباط خارجي.. ويأتي من خلال:
  • رقابة المنظمة على سلوك موظفيها.
  • مجموعة اللوائح والأنظمة التي تضبط السلوك الإداري.
  • من خارج المنظمة من أجهزة الرقابة الحكومية.

         الانضباط وحتمية التغيير

الحديث عن الانضباط يثير حتمية التغيير سواء تغيير السلوك أو تغيير الاتجاه ؛ لأن عدم الانضباط إنما يدل على وجود سلوك غير منضبط أو اتجاه غير منضبط يجب تغييره.

         التغيير

يقصد بالتغيير النواحي السلوكية المتعلقة بأحداث التغيير وقبوله، والمفهوم الصحيح للتغيير يجب أن ينطوي على شقين وهما؛ تغيير الذات وتغيير الآخرين.

  • التغيير الذاتي: وتغيير الذات عملية شاقة تتطلب توافر الاستعداد للتغيير الذاتي، وتوافر القدرة على رؤية العيوب أو نواحي القصور الشخصية، وإحداث تغيير سلوكي.
  • تغيير الآخرين: العديد من المواقف تتطلب من الرئيس أن يقوم بتغيير مرؤوسيه. وهذا يتحتم الإجابة على السؤال التالي:- لماذا يعارض البعض التغيير ؟ أو بمعنى آخر ما هي أسباب معارضة التغيير؟ .

         أسباب معارضة التغيير

هناك العديد من الأسباب تؤدي إلى معارضة البشر في مختلف المنظمات لأي تغيير منها :-

  1. يرفض الكثيرون فكرة التغيير نظراً لأنها تؤثر على نوع العلاقات الشخصية بين العاملين والتي تصل إلى حد الصداقة الشخصية في بعض الأحيان.
  2. يعارض البعض فكرة التغيير نظراً لما تضمنه من أخطار حقيقية كالنقل إلى وظائف أخرى أو التخلص من بعض الأفراد في المنظمة.
  3. عادة ما تتطلب عملية التغيير أن يكتسب الأفراد خبرات وقدرات جديدة، وهذا ليس بالأمر السهل فهو يتوقف على طبيعة ما يجب تعلمه، وعلى مدى تلائم ما يجب اكتسابه مع ما لدى الفرد من خبرات قديمة، وعلى مدى صعوبة ما يجب تعلمه، وعلى مدى توافر الدافع لدى الفرد على التعلم .
  4. أيضاً قد يعارض البعض التغيير لأنه لا يشارك في هذا التغيير.

وإجمالاً، فإنه لا يكفي مجرد العلم بأن هناك أسباب من أجلها يعارض البعض التغيير، إلا أنه لابد من التفرقة بين تغيير السلوك وتغيير الاتجاهات.

         أولا: تغيير السلوك

السلوك جزء ظاهر من أفعال الفرد يمكن للغير ملاحظته وتلمسه. وحتى يمكن تفهم كيفية تغيير الأنماط السلوكية فإنه لابد من معرفة كيف تتحدد هذه الأنماط السلوكية أولاً.

ويمكن توضيح محددات سلوك الفرد في أربعة عوامل وهي:

  1. العادات الفردية؛ وهي تلك الأنماط السلوكية التي اكتسبها الفرد مع مرور الزمن والتي تظهر في العديد من المواقف دون أي تفكير.
  2. قيم المجتمع كل مجتمع له قيمه التي يلزم أفراده بها، وسلوك الفرد يجب ألا ينحرف عن مجموع قيم المجتمع التي يعيش فيه وإلا اعتبر هذا الفرد غريباً عنه.
  3. النتائج المترتبة على السلوك: لا شك أن لكل سلوك نتائج مترتبة عليه، ويعتبر هذا العامل من العوامل الهامة المحددة للسوك الفعلي. فمثلاً كلنا يعلم النتائج المترتبة على سلوك مثل قتل فرد لفرد آخر، وهذا كله يوضح أهمية النتائج المترتبة على سلوك معين يجب أخذها في الاعتبار. والأدوات التي يمكن استخدامها لتغيير السلوك هي أدوات الإثابة والعقاب. وهذا يعني قيام الرئيس بمكافأة مرؤوسيه إذا تطابق سلوكهم الفعلي مع الأنماط السلوكية التي يضعها لهم، كما أنه يعني قيام الرئيس بمعاقبة مرؤوسيه في حالة عدم التطابق. وبرغم وضوح أدوات الإثابة والعقاب للجميع، إلا أن ذلك لا يعني إمكان نجاح كل رئيس في إحداث التغيير السلوكي المطلوب. ويرجع فشل الكثير منهم لعدم معرفتهم بالعوامل النفسية المرتبطة بالتغيير الإيجابي للسوك.

ويمكن تلخيص هذه العوامل النفسية فيما يلي :-

  • أ‌- يجب على الرئيس معرفة كيف ينظر المرؤوس إلى العقوبة أو المكافأة المعينة، والعقوبة أو المكافأة التي قد تبدو رادعة أو مغرية لفرد ما ربما لا تكون كذلك لآخر. وحتى بالنسبة للفرد نفسه فإن نظرته إلى العقوبة نفسها أو المكافأة ربما تتغير من وقت لآخر. وعلى ذلك فإن النجاح في استخدام أسلوب الثواب والعقاب يتوقف على درجة ردع العقوبة ومدى جاذبية المكافأة كما يدركها المرؤوس وليس الرئيس.
  • ب‌- يجب على الرئيس أن يدرك أهمية التكرار في تطبيق العقوبة أو منح المكافأة، نظراً لارتباط ذلك ارتباطا مباشراً بمدى إيجابية سلوك المرؤوس. وبصفة عامة فإن تكرار منح المكافأة أمر حيوي لإنجاح عملية التغيير السلوكي وعلى النقيض من ذلك، فإنه من غير المرغوب فيه تكرار تطبيق العقوبات في جميع حالات السلوك السلبي. فتكرار تطبيق العقوبات لا يؤدي أيضاً إلى دفعه إلى تعلم الوسائل الملتوية للتهرب من العقوبة بدلاً من تعلم السلوك الإيجابي، ويرى الكثيرون أنه حتى في حالة خضوع المرؤوس لعقوبة معينة، فإن الرئيس الفعال يجب أن يتبعها بمكافأة ما، إذا ما أبدى المرؤوس أية دلائل ولو قليلة نحو السلوك بطريقة إيجابية .
  • ت‌- إن التهديد بالعقوبة أو الوعد بالمكافأة لن يؤدي إلى التغيير الناجح لسلوك المرؤوس ولاسيما في الأجل الطويل. لذلك فإن فاعلية الرئيس في إحداث التغيير المطلوب يتوقف على مقدرته الفعلية، والتي هي امتداد لسلطته كرئيس، على إنزال العقوبة أو منح المكافأة.
  • ث‌- بما أن الغرض من فرض العقوبة أو منح المكافأة هو إيجاد ارتباط مباشر بين كل منهما من ناحية وبين السلوك السلبي والسلوك الإيجابي من ناحية أخرى لذلك فإنه يجب على الرئيس معاقبة مرؤوسيه بمجرد سلوكهم بطريقة سلبية وكذلك مكافأتهم بمجرد ظهور سلوك إيجابي. إن هذا التوقيت الدقيق يوضح للمرؤوس أهمية السلوك المعين وذلك لارتباطه بنتائج محددة سواء كانت إيجابية (مكافأة) أو سلبية (عقاب).
  1. الاتجاهات؛ الفرد يشعر براحة نفسية كبرى إذا ما اتفق سلوكه الفعلي مع شعوره؛ فمثلاً الشخص الذي لديه اتجاهات سلبية في تأدية واجباته فهو ولا شك يشعر براحة نفسية كبيرة إذا لم يؤد واجباته والعكس صحيح.

         وإجمالاً؛ فإن ما يحدد السلوك الفعلي للفرد هو طبيعة التفاعل بين هذه المحددات الأربعة.

        

 

ثانياً: تغيير الاتجاهات

الاتجاهات مثل مشاعر إنسان حو شيء معين، ويقصد بالاتجاهات الجزء الكامن من داخل الفرد لا يمكن استشفافه ولا يمكن تلمسه. ونظراً لوجود اختلافات بين سلوك الفرد واتجاهاته، فإن الأدوات التي يتم استخدامها لتغيير السلوك تختلف عن تلك التي تستخدم لتغيير الاتجاهات، وتعتبر عملية تغيير الاتجاهات أكثر أصالة وأكثر عمقاً مقارنة بتغيير السلوك، وذلك لعدم ارتباطها بوجود أنظمة للعقاب والإثابة وهى بالطبع عملية شاقة.

وتتلخص أبعاد نظرية تغيير الاتجاهات فيما يلي:

  • طبيعة الفرد تتنافى مع فكرة التضارب التي تنشأ نتيجة لتواجده في موقف غير متوازن إذا وجد الفرد نفسه في موقف يتسم بعدم الاتزان فإنه يحاول جاهداً التخلص من هذا التضارب حتى يعيد للموقف توازنه.
  • إن أطراف عملية التغيير ثلاثة أطراف وهم الرئيس والمرؤوس وموضوع التغيير والذي قد يكون أي شئ مثل العمل لمدة عدة ساعات …
  • يجب تفهم طبيعة العلاقة بين أطراف عملية التغيير الثلاثة (الرئيس والمرؤوس وموضوع التغيير)، وهل هذه العلاقة سلبية أم إيجابية. فإذا كانت جميع الاتجاهات إيجابية فإن الموقف يتسم بالتوازن، وهذا التوازن مرغوب فيه، أما إذا كان أحد هذه الأطراف إيجابي في حين أن باقي الأطراف يتصف بالسلبية، فإن هذا الموقف يعتبر متوازن غير مرغوب فيه، إذ أنه يعني وجود مشكلة لدى الرئيس نحو ضرورة تغيير اتجاهات المرؤوس. أما الموقف غير المتوازن فيمكن تصوره في حالة وجود علاقتين إيجابيتـين وثالثة سلبية. والسبب في عدم التوازن هنا هو التناقض الواضح في اتجاهات المرؤوس، فكيف تكون اتجاهاته سلبية تجاه موضوع التغيير في نفس الوقت الذي تكون فيه اتجاهاته إيجابية تجاه الرئيس الذي يحمل اتجاهات إيجابية تجاه موضوع التغيير، وكيف تكون اتجاهات المرؤوس إيجابية تجاه موضوع التغيير في نفس الوقت الذي تتكون فيه اتجاهاته سلبية تجاه رئيسه، والذي يحمل اتجاهات إيجابية تجاه موضوع التغيير.
  • وعلى ذلك فإن فكرة تغيير اتجاهات المرؤوس لن تتأتى إلا إذا حاول رئيسه وضعه في موقف غير متوازن كما في الشكل. ولأن رغبة الفرد في إعادة التوازن إلى الموقف فإن المرؤوس سيحاول التخلص من عدم التوازن؛ فمثلاً إذا افترضنا موقف غير متوازن فإن التغيير يعني إما أن يغير المرؤوس اتجاهاته نحو رئيسه، وهذا يعني الفشل في تغيير اتجاهاته وإما أن يغير المرؤوس اتجاهاته نحو موضوع التغيير وهذا إنما يعني النجاح في تغيير اتجاهاته.

ونظرية الاتجاهات تضع الإطار النظري الذي يفسر عملية تغيير اتجاهات الفرد. ويمكن وضع عدة إرشادات للرئيس وهي كما يلي:

  1. إذا كانت اتجاهات المرؤوس نحو رئيسه أقوى وأهم من اتجاهاته نحو موضوع التغيير فإن احتمالات تغيير العلاقة بين المرؤوس وموضوع التغيير يكون أكبر من احتمالات تغييرها بين المرؤوس ورئيسه والعكس صحيح.
  2. إذا كانت اتجاهات المرؤوس نحو كلاً من رئيسه وموضوع التغيير بنفس الدرجة من القوة والأهمية فإن احتمال تغيير اتجاهاته نحو أي منهما يكون ضعيفاً أي أن الموقف سيبقى مجمداً كما هو.
  3. في لحظة معينة إذا كانت درجة وضوح موضوع التغيير أكبر من درجة وضوح الرئيس كما يراها المرؤوس فإن احتمال تغيير العلاقة بين المرؤوس ورئيسه يكون أكبر من تلك التي بينه وبين موضوع التغيير والعكس صحيح.
  4. إذا كانت درجة وضوح كل من الرئيس وموضوع التغيير واحدة كما يراها المرؤوس فإن احتمال حدوث أي تغيير في أي اتجاه يكون ضعيفاً أي أن الموقف سيبقى متجمداً كما هو.
  5. إذا كان لدى المرؤوس معلومات كافية عن موضوع التغيير مقارنة بمعلوماته عن رئيسه فإن احتمال تغير العلاقة بينه وبين رئيسه يكون أكبر من تلك التي بينه وبين موضوع التغيير والعكس صحيح.
  6. إذا كان لدى المرؤوس قدر متساو من المعلومات عن كل من موضوع التغيير ورئيسه فإن احتمال حدوث التغيير في أي اتجاه سيكون ضعيفاً أي أن الموقف سيبقى مجمداً كما هو.
  7. يجب على الرئيس ملاحظة أن للأفراد قدرات مختلفة على تحمل المواقف المتضاربة وعلى ذلك فهناك فئة من الناس قد لا تستجيب لعملية التغيير مطلقاً.

ويمكن القول إن قدرة الرئيس على تغيير اتجاهات مرؤوسيه تتطلب:

  1. تحديد أطراف عملية التغيير، أي من سيتولى عملية إحداث التغيير ومن الذي يجب تغييره وما الموضوع الذي يراد إحداث التغيير بشأنه.
  2. دراسة طبيعة الاتجاهات بين أطراف عملية التغيير.
  3. خلق المواقف غير المتوازنة للمرؤوس لإشعاره بأهمية وضرورة التغيير.
  4. استخدام الإرشادات السابقة في محاولة إحداث التغيير في الاتجاه المطلوب.
  5. التنبؤ باحتمالات النجاح واحتمالات الفشل في إحداث التغيير وذلك من خلال تقييم الرئيس لإدراك المرؤوس للمتغيرات التي يقوم الرئيس بإدخالها في الموقف.

وتعتبر الخطوة الخاصة بخلق المواقف غير المتوازنة التي تؤدي بالمرؤوس إلى التغير في الاتجاه المطلوب من الخطوات المهمة. ونظراً لاختلاف قدرات الرؤساء وخبراتهم فإن البعض قد ينجح في خلق هذه المواقف غير المتوازنة والبعض قد يفشل.

وإجمالاً؛ فإن كل ما يكتب أو يقال عن العوامل التي تؤدي إلى إحداث التغيير الخاص بالاتجاهات قد تصيب وقد لا تصيب إلا إذا تم تنظيمها وفهمها بعمق من خلال هذا الإطار النظري.

         كلمة أخيرة

تبين من خلال العرض السابق كيف أن الانضباط شيء لابد منه، بل وأرى أن عدم الانضباط أصبح ثقافة سائدة في أغلب المجتمعات العربية بكل طوائف إلا ما رحم ربي، بل وربما يمثل البوتقة التي تنصهر فيها باقي المشكلات سواء تلك الخاصة بالدافعية أو اتخاذ القرارات أو العمل الجماعي… أو مشكلات المجتمع والإدارة بصفة عامة.

والإنسان لكي يكون ناجحا في حياته‏..‏ محترما بين الناس‏..‏ لابد أن يحوز قدرا معقولا من الانضباط‏؛ في الكلمة‏..‏ في المواعيد‏..‏ في السلوكيات‏..‏ في أكله وشربه‏..‏ في مواعيد استيقاظه‏..‏ في هيئته ومظهره الخارجي‏..‏ وكلما زاد ما لدي الإنسان من الانضباط ارتفع في عين نفسه وفي أعين الناس‏..‏ وكان نجاحه مؤكدا ومستمرا‏..‏

يجب أن يكون شعار كلاً منا ” أنا منضبط وموجود”.

المصدر: المنتدى العربي لإدارة الموارد البشرية