يعد التغيير من أعظم التحديات التي تواجه المنظمات المختلفة في عالم الإدارة؛ فهو ضرورة عصرية لتطور هذه المنظمات واستمرارها، وتحولها من وضع راهن إلى وضع مستقبلي مرغوب فيه بهدف زيادة فعاليتها، وحتى يحقق هذا التغيير أهدافه ينبغي أن يكون مخططاً له وفق إستراتيجية محددة، ويشارك فيه كافة العاملين بهذه المنظمات. ويرى المتخصصون والخبراء أن نجاح حدوث التغيير يتطلب قادة يفهمون عملية التغيير، وقادرين على تنفيذه وتثبيته بحيث يصبح ثقافة أساسية للمنظمة.
اختارت كل من: أ.هدى بنت عبد الله الحديثي، أ.هيفاء بنت محمد المطيري موضوع ورقتهما العلمية بعنوان: “قيادة التغيير: نماذج وتطبيقات”. وحددت الباحثتان هدف هذه الورقة في مناقشة وتحليل دور القيادات في إدارة التغيير، وذلك من خلال أربعة محاور مهمة تمثل البناء الفكري لهذه الورقة: ففي المحور الأول تستعرض الباحثتان المفاهيم الأساسية المتعلقة بالقيادة والتغيير، أما المحور الثاني فموضوعه أهم النماذج التي تصف قادة التغيير في المنظمات المختلفة، وتبدو أهمية المحور الثالث في تناوله الواقع الفعلي لقيادة التغيير في الأجهزة الحكومية السعودية، وخصصت الباحثتان المحور الرابع لآلية مقترحة لتدريب المديرين على قيادة التغيير، بالإضافة إلى عدد من التوصيات المهمة التي تم صياغتها لدعم قيادة التغيير.
تنطلق الباحثتان في مقدمة الورقة من التأكيد على أهمية التغيير في المنظمات الإدارية المختلفة، وأهمية ودور قيادة التغيير، والذي تبرزه الكثير من الدراسات والبحوث وأوراق العمل. ثم توضحان في المحور الأول بعض المفاهيم العامة عن القيادة والتغيير، وتتحدد هذه المفاهيم في: التغيير التنظيمي، وقيادة التغيير، وأهمية قيادة التغيير، ومهام ومسئوليات قائد التغيير. فالتغيير التنظيمي عبارة عن العملية أو العمليات التي تقوم بها المنظمة حتى يتسنى لها التحرك من الوضع الحالي إلى وضع مستقبلي مرغوب فيه بهدف زيادة فعالية المنظمات، وهو عملية مستمرة وأساسه التخطيط المنظم، وقد يستغرق مدة قصيرة أو يمتد لعدة سنوات. أما دور قيادة التغيير فهو مهم؛ لأن عملية التغيير قد تواجه مقاومة داخل هذه المنظمات، ولذلك فإن قيادة التغيير تعني كيفية استخدام أفضل الطرق اقتصاداً وفعالية لإحداث التغيير.
ولقيادة التغيير أهميتها، خاصة في ظل ما تواجهه المنظمات المعاصرة من تحديات ودعوات للتغيير من خارجها بفعل عوامل: العولمة، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتشير الباحثتان إلى العوامل التي وضعها “جيم كولينز” حتى تصبح المنظمات متميزة، والتي من أهمها: وضع إستراتيجية ذات مصادر قوية، وأن تتسم ثقافة ومناخ المنظمة بالصدق والشفافية، وخلق ثقافة الانضباط، ومواكبة التغييرات التكنولوجية، ويمكن القول في هذا الصدد إن أفضل قادة هم الذين يحرصون على غرس وتنمية القيم التنظيمية من خلال تطبيق وتعزيز مبادئ التغيير في ثقافة المنظمة. وفيما يتعلق بمهام ومسئوليات قائد التغيير، فإن عملية التغيير تتطلب قيام المدير بأدوار مختلفة أهمها: دور المدير المبادر، ودور المدير المتصل، ودور المدير القدوة.
نماذج لقيادة التغيير
وتتناول الباحثتان في المحور الثاني “المداخل النظرية لقيادة التغيير”، حيث تستعرضان بعضاً من النماذج المشهورة التي عنيت بدور القادة في إدارة التغيير، والتي تتحدد في أربعة نماذج ومداخل هي: المدخل التحويلي في القيادة، ونموذج “جونز كوتر” لإدارة التغيير، ونموذج الموازنة بين المتناقضات، ونموذج DISC للقيادة. فبالنسبة للمدخل التحويلي فإن الباحثين يرون أنه في حالة الهدوء والثبات في المنظمة يكون من السهل على المدير قيادة إدارته أو منظمته بأسلوب القيادة التبادلية، أي تبادل المنافع بين المدير وموظفيه، بينما لن يلائمها هذا الأسلوب في حالة عدم استقرار المنظمة وحاجتها للتغيير؛ لأنها ستصبح في حاجة إلى المدخل التحويلي الذي يتصف بأنه أسلوب أكثر إنسانية واهتماماً بحاجات الموظفين وأكثر تشاركيه ومراعاة للجوانب الأخلاقية، فهذا المدخل ينظر للقادة على أنهم هم من يبادرون بالتغيير ويقومون بتنفيذه ويملكون رؤية مستقبلية واضحة، كما أن هذا المدخل يعتمد على أربع سمات يتمتع بها القادة هي: الكاريزما، والتحفيز الإلهامي، والحفز الذهني، والاهتمام الفردي.
أما نموذج “جون كوتر” لقيادة التغيير، فمضمونه أن عملية التغيير تتطلب قادة وليس مديرين، ويجب ألا يقع من يتولى مبادرات التغيير في بعض الأخطاء كالتقليل من أهمية الرؤية المستقبلية. ومما يذكر أن هذا النموذج يتضمن ثلاث مراحل: أولها تسمى “إذابة الجليد” وتتحقق من خلال أربع خطوات هي إيجاد الشعور بالحاجة للتغيير وإيجاد تحالف قوي لقيادة التغيير وتطوير الرؤية الإستراتيجية وتوصيل الرؤية إلى كافة أفراد المنظمة، وتسمى المرحلة الثانية “إدخال التغيير”، وهو ما يتم عبر ثلاث خطوات هي تمكين العاملين لتنفيذ التغيير وتحقيق مكاسب صغيرة وعدم التوقف عن العمل، بينما تسمى المرحلة الثالثة “إعادة التجميد”، التي تهدف إلى تثبيت التغيير في ثقافة المنظمة.
وتذكر الباحثتان أن مدخل قيادة التغيير من خلال الموازنة بين المتناقضات هو الثالث بين النماذج المقترحة والمحددة ضمن المداخل النظرية لقيادة التغيير، ويقوم هذا المدخل – الذي اقترحه كل من “كيري بنكر” و“ميكاييل ويكفيلد” – على ضرورة توافر المهارة لدى القادة في الموازنة بين الجانبين المادي والإنساني في التغيير، وهو ما يتحقق من خلال ترسيخ الثقة، ويجب أن يحدث هذا الترسيخ من خلال الموازنة بين ستة متناقضات: أولها بين تحريك التغيير وبين التلاؤم الشعوري مع التغيير، والثاني هو الموازنة بين الإلحاح على السرعة وبين الصبر الواقعي، وثالثها الموازنة بين صلابة القائد وبين تعاطفه، والرابع الموازنة بين إظهار التفاؤل وبين التمسك بالواقعية والصراحة، والخامس الموازنة بين الاعتماد على النفس وبين الثقة بالآخرين، وسادستها هو الموازنة بين الاعتماد على الخبرات الماضية وبين القدرة على مفارقة المألوف.
وقد شاع استخدام نموذج DISC المتعلق بقياس وتحليل أنماط الشخصية القيادية، وذلك عقب ظهوره في عشرينيات القرن العشرين على يد عالم نفس بجامعة كولومبيا بالولايات المتحدة الأمريكية يدعى William Marston، ويرتكز هذا النموذج على وجود أربعة أنواع من القادة: الأول هو المسيطر، والثاني هو المؤثر، والثالث هو المستقر، والرابع هو الحذر. ويوضح النموذج أن كلا من القائدين المؤثر والمسيطر سريعي التكيف مع الآخرين، وذلك عكس القائدين الحذر والمستقر.
و بصفة عامة ترى الباحثتان أن التدريب على قيادة التغيير يجب أن يأخذ في الاعتبار: أهمية الجانب الأخلاقي، وأهمية أن يتضمن البرنامج التدريبي عن قيادة التغيير خطوات عملية يستطيع القائد أن يسترشد بها في أثناء إدارة عملية التغيير، وأهمية التدريب على الجوانب المتعلقة بالذكاء العاطفي، واختلاف القدرة على قيادة التغيير باختلاف المستوى التنظيمي، وأن التدريب على قيادة التغيير لن يتحقق إلا بوجود حد أدنى من القدرة القيادية، وأن رفع كفاءة القادة على قيادة التغيير يحتاج إلى عدة برامج تدريبية، يركز كل واحد منها على قدرة فرعية من بين قدرات قيادة التغيير.
الواقع بالمملكة
وتنتقل الباحثتان في المحور الثالث من تلك الورقة إلى رصد الواقع الفعلي لقيادة التغيير في الأجهزة الحكومية السعودية، وهو ما قامتا به من خلال اطلاعهما على كثير من الدراسات الميدانية حول موضوع قيادة التغيير بشكل خاص وإدارة التغيير بشكل عام، وقد توصلتا إلى أن الإدارة الحكومية تواجه تحدياً حقيقياً يتمثل في نقص كفاءة المديرين في مجال قيادة التغيير. وتستعرض الباحثتان في هذا الصدد أهم النتائج التي خلصت إليها دراسات سابقة، والتي تتحدد في: أن القيادات الأكاديمية في بعض الجامعات يمارسون إدارة التغيير بدرجة متوسطة، كما أن السلوك القيادي التحويلي ببعض المؤسسات العامة متدنٍ وفعالية القادة ليست بالدرجة الكافية لإنجاح جهود التغيير واستمرارها، وأن هناك تأثيراً سلبياً لنقص كفاءة المديرين في مهارات القيادة التحويلية على جوانب محددة من الأداء التنظيمي، واتضح أن ضعف مهارات قيادة التغيير لدى مديري الأجهزة الحكومية يمكن تفسيره بوجود قدر من مقاومة التغيير، وثبت وجود عدد من المعوقات التي تحول دون ممارسة المديرين لأدوارهم القيادية في مجال التغيير بكفاءة مثل جمود الأنظمة واللوائح المعمول بها. وتجمل الباحثتان التحديات التي تواجه المديرين بالأجهزة الحكومية في مجال قيادة التغيير في العديد من المعوقات: سواء معوقات ذاتية تتعلق بالمديرين أنفسهم مثل نقص الكفاءة اللازمة لقيادة التغيير، أو معوقات في البيئة التنظيمية المحيطة بالمديرين. ولذلك ترى الباحثتان أهمية تطوير مهارات المديرين في قيادة التغيير.
آلية مقترحة
تقترح الباحثتان في المحور الرابع ضمن محاور رؤيتهما لقيادة التغيير آلية لتدريب المديرين على قيادة التغيير. باعتبار أن التدريب والاستعداد للتغيير هما أساس التغيير الفعال. وتتضمن هذه الآلية تصميم نموذج يتكون من ثلاثة أقسام: أولها عبارة عن وصف عام للقدرة على قيادة التغيير، وهذه القدرة تتضمن تسع قدرات فرعية منها على سبيل المثال الاستجابة والتكيف مع التغيير والإقناع والتأثير والتعامل مع الضغوط. ويهتم القسم الثاني من هذا النموذج بأبعاد القدرة الثلاثة ( المعرفة، والفهم، والقيم)، حيث أن المعارف تعني الفهم والتبصر بخمسة أشياء مهمة وهي: الثقافة التنظيمية، وإدارة التغيير، ودور القائد في التغيير، وتصميم التنظيم الإداري، والذكاء العاطفي. أما المهارات الداعمة لقيادة التغيير فمنها: مهارة التسهيل، ومهارة التغذية المرتدة، ومهارة الإصغاء، ومهارة الإلقاء والتحدث، ومهارة طرح الأسئلة، ومهارة التفاوض. بينما القيم تعني الاتجاهات والتي تتضمن: الرشد العاطفي، والعدالة، والمرونة، والتكامل، والمصداقية، والتوجه الخدمي، والشفافية.
ويبرز القسم الثالث من النموذج المقترح المؤشرات السلوكية لقياس النجاح في اكتساب القدرة على قيادة التغيير، وتتمثل هذه المؤشرات في: التعلم المستمر، والإبداع والابتكار، والتوعية الخارجية، والمرونة، وإدارة الأزمات، وخدمة المستفيدين، والتفكير الإستراتيجي، والرؤية البعيدة المدى.
وتختتم الباحثتان هذه الورقة باقتراح وصياغة بعض التوصيات التي يمكن أن تفيد في تطوير مهارات المديرين في مجال قيادة التغيير، وذلك في ثلاثة مجالات: أولها مجال التدريب والذي يجب أن تكون جميع برامج القيادات العليا ضمن إستراتيجية موحدة هدفها تعزيز قدرات القادة، وتصميم برنامج إعدادي لإعداد قادة المستقبل يستقطب الكفاءات من المديرين في الإدارات المتوسطة في القطاعين العام والخاص، وأن تهتم البرامج التدريبية الخاصة بالمديرين ببناء وتعزيز القيم الأخلاقية بشكل عام وقيم التغيير بشكل خاص، وتفعيل عمليات قياس أثر التدريب للتأكد من مدى اكتساب المديرين للقدرات المطلوبة وقدرتهم على تطبيقها في الواقع الفعلي.
وتوصي الباحثتان في مجال الاستشارات بأن تطور معاهد التنمية الإدارية من أساليب تقديم الخدمات الاستشارية بحيث تستطيع استيعاب هذه الاحتياجات، كما توصيان في مجال البحث العلمي باهتمام مراكز البحوث أكثر بموضوع إدارة التغيير، سواء من خلال إجراء الدراسات الميدانية أو من خلال ترجمة الكتب الأجنبية ذات العلاقة بهذا الموضوع.
المصدر : مجلة التنمية الادارية | اعداد د. أحمد زكريا