الكاتب : د. مدحت القريشي *
من خلال استعراض الدراسات والتقارير المختلفة وتجارب العديد من البلدان في تنفيذ برامج الخصخصة نجد أن نجاح هذه البرامج في تحقيق اهدافها ارتبط بدرجة كبيرة بجملة من العوامل اهمها : كون العملية جزء من برنامج الأصلاح الأقتصادي ام لا، واسلوب تنفيذ هذه البرامج، والأرادة السياسية للحكومة، ومدى تقبل البيروقراطية والعاملين لفكرة الخصخصة، وأمكانية تهيئة المستلزمات والبيئة المناسبة لأنجاح العملية مثل السوق الحرة وشروط المنافسة والأطار القانوني المناسب والمؤوسسات الداعمة للعملية والجهة المخططة والمتابعة للبرامج ومراعاة سرعة وتوقيت اتخاذ القرارات، وتوفير شروط النزاهة والشفافية والرقابة والمساءلة في تطبيق البرامج وعوامل اخرى. ومن جهة اخرى فأن فشل العديد من البرامج في تحقيق أهدافها هو الآخر أرتبط بعوامل معينة في مقدمتها أنعدام توفر العوامل المساعدة المذكورة اعلاه، وتبني هذه البرامج بشكل مفاجئ وسريع دون أي أعتبارات لجدوى العملية ومستلزمات نجاحها، والتدخلات الخارجية والضغوط، وتحكم المصالح الخاصة ( الاجنبية منها والمحلية) على حساب المصلحة العامة مما يساعد على تفشي حالة الفساد وأنعدام الشفافية وظهور الاحتكار وأرتفاع اسعار السلع والخدمات، أضافة الى عدم توفر الاعداد اللازمة من الاستشاريين المنفذين لبرامج الخصخصة، والطرق التحكمية أحياناً في تقييم الاصول الثابتة للمنشآت والتي قد تتأثر بالرشاوي والعمولات التي تدفع من قبل المستثمرين والتي كان لها الاثر في عدم تحقيق المنافع للمستهلكين وللأقتصاد الوطني. كل ذلك ولد حالة من الاستياء والمعارضة لتطبيق برامج الخصخصة شملت أرجاء واسعة من مناطق العالم المختلفة.
ويؤكد هؤلاء بأنه من غير المفهوم بشكل كامل لماذا يتزامن التحسن مع الخصخصة؟.
فالنظرية الاقتصادية لا تعطي صورة واضحة للميزة الايجابية للملكية. وربما يعود ذلك الى تحسن مصادر المعلومات والحوافز لدى المدراء والوصول الاسهل الى مصادر سوق رأس المال وكذلك الابتعاد عن التدخلات السياسية (33) ويشار هنا الى ان المشكلة تكمن في ان الخصخصة يتم تنفيذها عادة ضمن حزمة من السياسات الليبرالية والانفتاح والتنافسية مما يجعل من الصعوبة تبيان الى اي مدى يكون تغير الملكية لوحده يفسر التحسن. وفي الوقت الذي يعد بعض المنتقدين بأن الخصخصة نافعة اقتصادياً لكنهم يشككون في منافعها الاجتماعية، حيث يقولون بأن منافع الخصخصة تذهب الى الاشخاص النشطين والاغنياء والاجانب والمفسدين على حساب الفقراء والمواطنين الشرفاء.
وعلى الجانب الآخر فأن العديد من التجارب الاخرى قد واجهت التعثر والفشل في تحقيق أهدافها. كما هو الحال في ماليزيا وروسيا وغيرها من البلدان والتي رافقها الكثير من سوء استغلال المصالح الخاصة وفقدان المحاسبة والشفافية والنزاهة وكذلك الفساد الذي رافق عملية بيع الاصول في العديد من الحالات.
أن فشل العديد من التجارب في تحقيق أهدافها والآثار السلبية الناجمة عنها أحدث انحساراً عالمياً في التأييد لهذه البرامج كما ظهر من الدراسات والمسوحات التي اجريت حول جدوى برامج الخصخصة. وعلى سبيل المثال فقد أنخفض مستوى التأييد لفكرة الخصخصة في أمريكا اللاتينية من 75% في 1975 الى 35% في 2002. وفي افريقيا شبه الصحراء ومن خلال مسح نحو 15 بلداً يشهد إصلاح اقتصادي وجد ان نسبة السكان الذين فضلوا الخصخصة على ملكية الدولة دون 35% فقط. وفي بلدان الشرق الاوسط وأوربا أظهر المسح الذي اجرى في 8 بلدان بأن 33% فقط فضلوا الخصخصة. وفي جنوب اسيا ( سري لانكا) وجد بأن نسبة تتراوح بين 60 – 80% من السكان يعتقدون بأن مستوى معيشتهم قد انخفض بعد عملية الخصخصة (34).
وفي هذا الصدد يؤكد البرفسور الامريكي الشهير ( Douglass North ) والحائز على جائزة نوبل للأقتصاد بأن نقل القواعد السياسية والاقتصادية الرسمية لاقتصادات السوق الغربية الناجحة الى بلدان العالم الثالث وبلدان أوربا الشرقية ليست شرطاً كافياً لحسن الاداء الاقتصادي.(35) ولقد دفعت هذه الحالة البنك الدولي الى تغيير سياساته وأعادة تقييم منهجه الذي يطلب بموجبه تطبيق برامج الخصخصة كشرط مسبق لتقديم القروض أو تخفيف عبء الديون. كما ان صندوق النقد الدولي وكذلك البنك الدولي اللذان كانا لعقود من الزمن مسؤلين عن فرض الخصخصة بشكل قوي اصبحا متحفظين واقل دوغماتية بخصوص الحاجة الى التحول السريع. وأصبح الآن من المألوف والشائع في السنوات الاخيرة رفض مقولة افضلية وضرورة الخصخصة.
وفضلاَ عن ذلك فأن مثل هذه البرامج تؤدي عادة الى تقليص مساحة الاقتصاد الخاضع لسيطرة الحكومة وتوسيع المساحة الخاضعة لسيطرة السوق، الامر الذي يؤدي الى أضعاف دور الحكومة في تقديم الدعم والمعونة والاسناد للفئات الضعيفة في المجتمع واخضاعهم الى قوانين السوق.
وبالعودة الى التساؤلات المطروحة في بداية البحث نستنتج من كل ما تقدم بأن برامج الخصخصة يمكن ان تكون ناجحة وتحقق جميع أو معظم أهدافها المرسومة، اذا ما تمت تهيئة جميع مستلزمات نجاحها وهذا ما حدث للعديد من البرامج في البلدان المختلفة. وفي نفس الوقت يمكن لهذه البرامج ان تتعثر وتفشل في تحقيق اهدافها كما حدث للعديد من تلك البرامج. وعليه فأن برامج الخصخصة لم تكن دائماَ هي البلسم الشافي للمشكلات التي تعاني منها المنشآت العامة في البلدان المختلفة.
*خلاصة دراسة في مجلة مركز المستنصرية للدراسات العربية والدولية, العدد 33 في 2011