تسعى المنشآت إلى مستوى يكون فيه موظفوها متحمسين في العمل، وحريصين على بذل ما يلزم لإنجاز المهام بتفان وإتقان، لكن هذا الوضع يبدو مثاليا وليس واقعيا؛ فالدافع يأتي ويذهب، والمستهدفات تتحقق في فترة وقد تتراجع في فترة أخرى، غير أن ما يضمن استمرارية الأعمال وتميزها هو تحقيق ثقافة تنظيمية تعتمد على الأداء المتميز.
لماذا نحتاج إلى ثقافة أداء مميزة؟
أولاً .. ثقافة الأداء توفر ميزة تنافسية
ثقافة الأداء المميزة تقع اليوم في قلب الميزة التنافسية، والمنافسة ليس محلية فقط، بل إقليمية وعالمية، ولذلك تحتاج المنشآت إلى ما يميزها عن منافسيها، ومع سهولة الوصول إلى المعلومات، يمكن للمنشآت أن تحاكي غيرها من الشركات الناجحة وبكل بسهولة، ومع ذلك، هناك شيء واحد لا يمكن أن تتطابق فيه الشركات بسهولة، وهو الثقافة التي تقوم على الأداء المتميز. والتي يمكن البدء في إنشائها من خلال مراجعة الأداء الحالي، والإجابة عن الأسئلة التالية:
- ما الذي يمنعنا وينقصنا لنكون أفضل من منافسينا؟
- ما الذي يمنع موظفونا من تعظيم إمكاناتهم؟
- ما هي الحواجز التي تقف في طريقنا؟
- ما الذي يمكننا القيام به لتحسين أدائنا؟
- كيف يمكن أن تبدو الثقافة القائمة على الأداء المتميز في منشأتنا؟
ثانياً : استراتيجيات الأعمال من السهل محاكاتها
معظم المنشآت تعتبر مقلدة، واستراتيجيتها هي مجرد نسخ لاستراتيجيات المنشآت الناجحة في القطاع الذي تعمل فيه، فلم يعد من الصعب الحصول على المعلومات والبيانات، والمهارات، وحتى الموارد اللازمة لنسخ استراتيجية عمل منافس – وخاصة إذا كانت قد ثبت أنها ناجحة، لكن للأسف، هذا يعني لا يعني شيئاً لأن الاستراتيجية وحدها لن تغير شيئاً، ولكن ما يمكن أن يميز المنشأة عن غيرها هو طريقة تنفيذ هذه الاستراتيجية وتطوير ثقافة أداء قوية تعزز من المبادرات الاستراتيجية.
الخصائص الأساسية لثقافة الأداء المتميز
لقد أصبح الأداء الجيد للمؤسسات والشركات لا يكفي -للأسف- أن تكون جيدة، فمع القدرة على القيام بالأعمال التجارية على الصعيد العالمي، والأسواق المشبعة بالمنشآت التي تتنافس من أجل الحصول على حصة من السوق، فلا بد من وجود ثقافة الأداء المميزة التي أصبحت الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى وحتى لو كانت الأمور حالياً تسير على أحسن حال الآن، فيجب البحث عن السبل الكفيلة لتحقيق مستوى عال من التميز، وهذا يتطلب توفر الخصائص الأساسية لهذه الثقافة، وهي كما يلي :
- المساءلة (المحاسبة): وهذه الخاصية يجب أن تبدأ من أعلى هرم القيادة (الإدارة العليا)، فعندما يُدار الموظفون على نحو فعال، ويفهمون بشكل واضح ما هو متوقع منهم، فحينئذ ستحدث أشياء إيجابية – وتحديداً سيكون هناك زيادة في المشاركة وتحسن في الأداء، ويمكن للقادة خلق المساءلة من خلال طرح رؤيتهم بوضوح، وتحديد إجراءات واضحة لقياس الأداء، ووجود خطة عمل لتحسين الأداء بشكل مستمر.
- الابتكار والتطوير : ثقافة الأداء المتميز لها قادة متميزون، ودائما على استعداد لمناقشة الأفكار الجديدة والابتكار، ويحاولون تغيير الوضع -المتدني- القائم ، وليست لديهم عقلية “هذا ما دأبنا القيام به سابقاً”.
- التركيز على المستفيدين (العملاء): المستفيدون هم النقطة المحورية في عمل أي منشأة (خاصة أو عامة)، والمؤسسات ذات الأداء المتميز لا تكتفي بفهم الأشياء وحسب؛ بل يكون محور التركيز الرئيسي لعملياتها هو “التمحور حول المستفيدين”، وهو ليس بالأمر السهل دائماً، لكن لا بد من أن تكون مكرسة من أعلى الهرم القيادي وحتى الأسفل (الإدارة العليا، والإدارة الوسطى، والإدارة السفلى) للتأكد من أن مبدأ تقديم تجارب استثنائية للمستفيدين من ضمن المكونات الرئيسية لبنيتها الأساسية.
- الشفافية: تتميز ثقافة الأداء المتميز بالشفافية والمرونة، فالناس في جميع مستويات المنظمة قد يعرفون الاتجاه الاستراتيجي لها، ولديهم القدرة على التحدث مع قادتهم حول سبل إدخال تحسينات على هذا الاتجاه، ولذلك يجب أن يكون هناك خط اتصال مفتوح بين جميع مستويات الهرم التنظيمي؛ من الأسفل إلى الأعلى، ومن الأعلى إلى الأسفل.
- الدعم (التمكين): التغيير عامل متكرر في بيئات الأداء المتميز، ولضمان أن الموظفين في جميع مستويات الهرم التنظيمي يسعون لرفع قدراتهم وتحسين أدائهم، فمن المهم جدا تقديم الدعم والتدريب والتمكين لهم، للتأكد من أن الجميع لديه المهارات والمعارف والموارد اللازمة لتحقيق مستوى أعلى من التميز التنظيمي.
إن ثقافة الأداء المميزة تبدأ في أعلى الهرم التنظيمي (القيادة)، ويحتاج القادة إلى معرفة بأن الجزء الأكثر أهمية لأي ثقافة قوية هم الموظفون، ويجب عليهم أن يكون تُعاملهم معهم كمعاملة القائد الذي سيدخل مع جنوده إلى ساحة المعركة؛ فلا يمكن للموظفين تحقيق النتائج التي تريدها منهم دون أن يحصلوا على التوجيه السليم، والدعم والتمكين، فإذا لم تكن هناك رؤية واضحة لما هو مطلوب ومتوقع منهم، فكيف يمكن توقع أي شيء منهم، وهم -غالبا- لا يعرفون الإتجاه بوضوح الذي تريد أن تذهب إليه، فيبحثون عن قائد لإرشادهم، ولهذا السبب نجد أن بيئات العمل المتميزة الأداء تبدأ من القيادة العليا.
ولكي يتمكن القادة من خلق ثقافة الأداء المتميز، يجب عليهم أولاً التحلي بالسلوكيات القيادية التي تساعد في تطوير رؤية واضحة وملهمة، ويعمل على إيصالها لجميع الموظفين وتقديم الدعم لهم ليظلوا في تركيز على تنفيذ عملهم لتحقيق أهداف الأداء المتميز.
الخلاصة.. عملية إنشاء رؤية
وثقافة تنظيمية قائمة على الأداء المميز وإيصالها إلى الجميع، هو الجزء الأسهل، لكن الاستمرارية في التميز من خلال استمرارية تقديم الدعم والتمكين من القيادة (الإدارة العليا) هو ما يميز أداء أي منشأة عن غيرها!
(مترجم من : The Importance of a Distinctive, High Performance Culture | Bill Hogg)