كلمة “موهوب” أصبحت هذه الأيام كلمة باهتة بسبب الإفراط الشديد في استخدامها مع كل أحد، ويبدو أن كل من يستطيع البقاء على كرسيه دون أن يسقط يعتبر “موهوباً”[!!!]
يقول “جيم جيلكريست” الرئيس التنفيذي لشركة تقدم خدمات التوظيف وتحسين الأداء التنظيمي (CAES) : “لقد أصبح الإفراط في استخدام كلمة “الموهبة” منتشراً على نطاق واسع لدرجة أنه بات من الصعب توظيفها لوصف شخص مميز واستثنائي فعلاً، ولهذا السبب أجد نفسي في كثير من الأحيان مضطراً إلى استخدام عبارات مثل “موهوب فعلاً” أو “موهبة حقيقية”، ولا أميل ببساطة لاستخدام كلمة موهوب على الإطلاق”.
“بصفتي مهتماً بالتركيز أكثر على الأداء (الإنتاجية)، فإن أفضل من تنطبق عليه كلمة “الموهوب” هو الشخص الذي يحقق أداءً استثنائياً، وغالبا ما استخدم عبارة “ذوي الأداء فوق متوسط” لوصف أمثال هؤلاء وللتمييز بينهم وبين ما يسمى بالأغلبية “الموهوبة”، علماً أن ذوي الأداء الاستثنائي يحبون عادة العمل مع أشخاص آخرين استثنائيين أيضاً”.
وهنا سؤال يطرح: هل ذوو الأداء المنخفض أو المتوسط هم الأكثر ميلاً للغش [الكذب] إذا تصدروا؟!
الجواب: الموهوب الحقيقي لا يغش؛ لأنه ببساطة ليس مضطراً لذلك، صحيحا كلنا نُخطئ، ولكن بعض الأشخاص يغشون عمدا عندما يعلمون بأن موقفهم بات سيئاً، فمثلاً بعض الرياضيين الأولمبيين، وعلى الرغم من أنهم يمتلكون مستوى من الموهبة، إِلاَّ أنهم قد يلجؤون إلى العقاقير (المنشطات) لتحسين الأداء عندما يشعرون بأنه لم يعد لديهم ما يكفي من الموهبة لتحقيق الفوز.
الساعون إلى المستويات العالية من الأداء لا يحتاجون إلى “التجمل” [الكذب] في سيرهم الذاتية، ويصفون الكيفية التي يؤدون بها عملهم، كما أن المديرين والقادة الحقيقيين لا يضطرون أبدا إلى البحث عن الأعذار لتبرير أدائهم السيئ أو تلميعه إذا أدوا بالفعل واجبهم على نحو فعال دون غش!
الغشاشون لا يزدهرون أبداً في عالم مثالي وبيئة سليمة، ولكننا نعيش في عالم معيب، فما وراء “الحيل” العلنية وفي الإنترنت، والبريد الإلكتروني، والتسويق عبر الهاتف وخدمات التوصيل من الباب إلى الباب أصبحنا -جميعا لسوء الحظ- معرضين لمستويات مختلفة من الغش في حياتنا اليومية؛ سواء حياتنا الخاصة أو في حياتنا العملية، ومع أنه قد لا يمكننا القضاء على الغش، إِلاَّ أنه من الأهمية بمكان أن لا نقبل به ولا نتسامح معه، وأن لا نبرر للغش الذي نرتكبه لمجرد أن “الجميع يفعل ذلك”!!!
في المثل السابق الذي ضربته عن الرياضيين فإن الهدف، والنظام سينهار إذا ما قرر الجميع أن الغش هو السبيل الوحيد للتنافس مع الغشاشين الذين يلجؤون إلى المنشطات، ولن يكون هناك أي معنى للمنافسة لو كانوا يتّبعون عقلية “إذا لم تتمكن من التغلب عليهم، فانضم إليهم”، و” ما لا يدرك جله لا يترك كله”.
الغشاشون لا يمكنهم على أي حال الإفلات بفعلتهم عندما يغشّون، فقد ينجح بعضهم في التقدم والإفلات لفترة قصيرة ، لكن الناس والمسؤولين الذين يتعرضون للغش سيتوصلون بالتأكيد إلى طريق تجعل الغش أكثر صعوبة، والناجحون الذين يعملون بجد واجتهاد لتطوير وتعزيز قدراتهم في الأداء، لن يقبلوا أبدا بالغشاشين الذين يختارون طريق الغش للوصول لأهدافهم بأن يبقوا بينهم.
“الغش خيار وليس خطأ”
يجب على المؤسسات العامة والخاصة أن تعمل على تجنب توظيف “الغشاش” بدلا من صاحب الأداء الجيد، فالناجحون هم الذين يركزون اهتمامهم على تحقيق نتائج الأداء الفعلي دون غش أو تدليس؛ فالـ “الغش خيار وليس خطأ”.
كثيرا ما أحاول أن أكتب بشكل إيجابي عن كيفية التعرف على ذوي الأداء الفعلي (الأفضل)، وكيفية تحديد المستفيد المميز، ومعرفة ذوي الأداء الضعيف والمنشآت السيئة للابتعاد عنهم من خلال معرفة التفاعل التسلسلي للغش.
من المهم العمل مع الأشخاص الذين يعتمدون على الأداء الحقيقي، ليس لأن ذلك مهم في أداء وإنتاجية المنظمة وحسب، بل هو تحدٍ للإدارة، ولحسن الحظ، فإن نتائج الأداء تستحوذ على الاهتمام الأكبر لدى الغالبية العظمى من المستفيدين، ويجب تجنب التجارب المحبطة (والمكلفة)، والتي نشهدها غالباً عندما نعمل مع أشخاص لا يهتمون بأدائهم ولا بأداء الذين من حولهم.
وبكل صراحة، يجب ألا نحب التعامل مع الغشاشين الذي يحتلون “الدرجات الدنيا في سلم الأداء”، فعندما يتم السماح بالغش، دون أن يترتب عليه أية عواقب، فإنه يفتح الباب أمام تفاعل تسلسلي لضعف الأداء داخل المنظمة.
وفيما يلي بعض النقاط القيِّمة التي تساعد في هذا المجال :
- الغشاشون لن يغيروا سلوكهم إذا سمحت لهم بالإفلات من العقوبات
عند مواجهة الغشاش بفعلته، لن يقدم أي رد أو تفسير لما فعل، وهذا يبين أن الغشاشين كانوا على علم بأن ما كانوا يفعلون كان غشاً، فهم لا يشعرون بالقلق إزاء أية عواقب يمكن أن تترتب على أفعالهم الشائنة، وبالتالي ليس لديهم نية لتغيير سلوكهم. ولو تركتهم دون عقاب، فسيستمرون في الكذب والخداع كلما وجدوا أن ذلك يخدم الغرض، وبذلك يستمر السلوك السلبي دون معالجة، ويتكرر، وإذا أصبح الغش مقبولاً وأكثر تواترا فمن المنطقي أن نقول إنه سيكون له تأثيراً أكبر اعتمادا على مقدار التفاعل الذي يتمتع به الغشاش في علاقاته داخل المنظمة وخارجها، مع العلم أن المعلومات [والسلوكيات] السلبية ستنتشر بين الناس بوتيرة أسرع بكثير من تلك الإيجابية، والغشاش الذي يتفاعل مع الزبائن الخارجيين والموردين والجمهور يقدم صورة سلبية بشكل متزايد عن المنظمة، وداخليا، الغشاشون من ذوي الأداء السيئ يعطون انطباعاً بأن الغش -وليس الأداء المخلص- وسيلة مقبولة للعمل، وفي الواقع يتسبب هذا في تشجيع الأداء دون المستوى المطلوب؛ “وليس بالإمكان أفضل مما كان”. وعلى القادة أن يعلموا بأنه من المهم جدا لهم ولمؤسساتهم معالجة الغش والقضاء عليه فوراً والا تحول الى بيئة عمل مسمومة وسمعة سيئة.
- القادة الذين يتسامحون في الغش لا يقومون بمهامهم القيادية
القادة والمديرون الموهوبون فعلا يبذلون كل المحاولات الممكنة لمعالجة وحل المشكلات التي يتم تقديمها لهم، وافتقار الرئيس للنشاط يدل على قدرته القيادية المتواضعة، وهناك عنصر أساسي في القيادة الفعالة وهو المحاسبة، ولكن هذا لا يقتصر على محاسبة الآخرين فقط على أفعالهم، بل يخضعون هم أنفسهم أيضا للمحاسبة من أجل إنجاز الأعمال كما ينبغي. علينا أن لا ننسى أن طبيعة مسؤوليات أي رئيس للمنظمة لها تأثير داخلي وخارجي واسع النطاق، لذلك أي قصور في الأداء من الطبيعي أن يكون له تأثيره السلبي على نطاق أوسع.
- الشخص جيد يحيط به أشخاص جيدون
في الحالات التي يضطلع فيها الغشاش بدورا بارزا، يمكن لأعضاء المنظمة الآخرين أن يفترضوا خطأ بأن التسامح مع سلوك الغش يعتبر أمراً مقبولاً، وهو ما يفتح لهم الباب على مصراعيه ليمارسوا الغش هم أيضاً.
الغشاشون يصنعون قدوة سيئة، وسيجد الموهوبون الحقيقيون الذين يحيطون أنفسهم بالمديرين والأقران الموهوبين، أن الغشاشين أشخاص بغيضين وسيغادرون المنظمة لبيئة أكثر ملائمة، وسيتركون وراءهم الغشاشين، والذين يتسامحون معهم، بسبب مواقفهم ، وهو من شأنه تسهيل انتشار ثقافة عامة قوامها الغش والخداع والتدليس.
- الأمر كله يتلخص في غياب المساءلة؟
الغش حبله قصير وسيؤدي حتما إلى الانكشاف وانفضاح أمره بسبب الغياب شبه التام للأداء او ترديه، الامر الذي سيدفع أصحاب القرار إلى محاسبة المدير (الرئيس) الذي إذا بقي في منصبه، يجب أن يقضي على الغش أو على الأقل محاسبة الغشاشين، أو ربما سيقوم المستفيدون بهذه المهمة. وعلى أية حال، إذا استمر غياب المحاسبة، فإن المنظمة ستستمر في الاتجاه السلبي بكل تأكيد.
ختاماً .. وجود الغشاشين في المنظمات يدل على وجود ثقافة تنظيمية تسمح بأي درجة من الغش، فحاجة المرء إلى الغش [الكذب] مؤشرا على أن قدراته في الأداء منخفضة، وهو ما يقود عادة إلى تدنِ واضح في نتائج أداء المنظمة، فإذا التقيت بشخص قادم من منظمة ذات أداء سيء، فاطرح عليه أسئلة محددة للتأكد مما إذا كان موهوباً حقا وهو بالفعل من ذوي الأداء المميز، ويحاول أن ينفذ بجلده من تلك المنظمة البائسة، أو ربما كان من الغشاشين ذوي الأداء المتدني الذي يحملون معهم العقلية التي تتقبل الغش، والتي سيحملها معه إلى عمله الجديد!!!
علينا أن نتعلم قدر الإمكان من التجارب السيئة، تماماً كما نستفيد من التجارب الإيجابية، لقد كنت محظوظاً للغاية بالعمل مع قادة موهوبين حقا ومديرين وموظفين يساهمون في المنظمات ذات الأداء المميز، ويرغبون في تحقيق مستويات أعلى من الأداء والإنتاجية.
إن العمل مع الغشاشين شيء دخيل وغير مألوف ويترتب عليه حالة من الإحباط ومضيعة للوقت والجهد والمال، من الحكمة ان رأيت أمثال هؤلاء أن تبتعد عنهم وتطلق ساقيك وتفر منهم فرارك من الأسد.
(ترجمة بالمعنى من linkedin)