كتب الشاعر الإغريقي “أرخيلوخوس” العبارة النثرية التالية: إن “الثعلب يعرف أشياء كثيرة، ولكن القنفذ يعرف شيئاً واحداً كبيراً”.
ببساطة، يقوم الثعلب بكل الحيل والاستراتيجيات الممكنة من أجل محاولة اصطياد القنفذ، فقد يتسلل أو ينقض أو يسابق أو ينصب كمينًا أو يدعي الموت، فقط من أجل التمكن من القنفذ، ولكنه يفشل دائمًا في محاولاته، بسبب أن القنفد قادر على القيام بحركة واحدة، ولكن على نحو ممتاز، هي حماية نفسه من خلال التكور بحيث يبدو من الخارج ككرة من الأشواك.
توسع الفيلسوف والمناظر الاجتماعي البريطاني “أشعيا برلين” في شرح هذه الفكرة في مقال نشره عام 1953 تحت عنوان “القنفذ والثعلب”، وقام خلاله بتقسيم الفلاسفة والمفكرين في العالم إلى مجموعتين، هما الثعالب والقنافذ.
أشار “برلين” إلى أن الثعلب حيوان أنيق وذو دهاء يسعى لتحقيق العديد من الأهداف والمصالح في ذات الوقت، ولكن بسبب هذه المجموعة الواسعة من الأهداف والاستراتيجيات، يصبح تفكيره متناثرا يفتقر إلى التركيز، لذلك لا يحقق الكثير على المدى الطويل.
في المقابل، القنفذ بطيء وثابت، وغالبًا ما يغفل الناس عنه أو يقللون من تقديره لأنه متواضع وهادئ. ولكنه على عكس الثعلب لديه قدرة مذهلة على تبسيط الأمور والتركيز على رؤية واحدة شاملة. هذا هو المبدأ الذي يحكم كل ما يفعله، والذي يساعده على النجاح رغم كل الصعاب.
لماذا يتفوق القنفذ؟
قام الكاتب الأمريكي “جيمس سي كولينز” بتطوير هذه الفكرة وإبراز تطبيقاتها في عالم إدارة الشركات في كتابه الشهير “من جيد إلى عظيم” الصادر في عام 2001، والذي أشار خلاله إلى أن الشركات تكون أكثر عرضة للنجاح إذا كانت (مثل القنفذ) تركز على شيء واحد وتقوم به على نحو جيد، موضحًا أنها من خلال القيام بذلك، يمكنها أن تتغلب على منافسيها لتصبح شركة كبرى.
يقول “كولينز”، اتضح أن كل القادة الجيدين والعظماء يتبعون استراتيجية القنفذ، فهم يعرفون كيف يقومون بتبسيط العالم المعقد ضمن رؤية موحدة، وهو ما يؤدي إلى توحيد وتنظيم جميع قراراتهم، وتوظيف مواردهم وطاقاتهم بشكل أفضل، بينما يميل الكاتب الأمريكي إلى رؤية استراتيجية الثعالب على أنها مشتتة، تفتقر إلى التركيز وغير متناسقة.
في توضيحه لكيفية تحديد الفائز والخاسر في المنافسة، أشار “كولينز” إلى أن الثعلب يحاول دائمًا “أكل” القنفذ، في حين أن كل ما يقوم به الأخير هو التكور لحماية نفسه، ويظل على هذا الحال إلى أن يصيب الثعلب التعب أو الملل أو يشتته شيء آخر، ليتابع القنفذ بعد ذلك طريقه.
يقول الأستاذ بجامعة برينستون الأمريكية “مارفين بريسلر”، إن الشيء المشترك بين أصحاب التأثير على مر التاريخ، هو أنهم جميعًا اتبعوا نظرية القنفذ. جميعهم أخذوا فكرة معقدة وقاموا بتبسيطها. فكرة واحدة وصلوا بها إلى أبعد ما يمكنهم.
أن تكون واضحًا ومحددا، هي قوة لا مثيل لها. وبالمناسبة القنفذ ليس غبيًا، بل على العكس تمامًا، هو يدرك أن جوهر البصيرة العميقة هو البساطة.
وفقًا لـ”بريسلر”، أولئك الذين ينتهجون استراتيجية القنفذ ليسوا سُذجاً، وإنما يمتلكون نظرة ثاقبة تسمح لهم بالرؤية بشكل واضح خلال المشهد المعقد.
ببساطة، القنفذ يركز على ما هو ضروري، ويتجاهل أي شيء آخر.
أخيرًا، على الرغم من أن هذه الاستراتيجية هي بالتأكيد ليست ضماناً للنجاح، إلا أنها اكتسبت قدرا كبيرا من المصداقية كنموذج عملي للأعمال التجارية.
المصدر : LinkedIn