بمجرد أن تنجح جهود البشرية في التغلب على فيروس كورونا، سيتسب الوضع الجديد بنمو أبطأ بكثير مما كان عليه الوضع قبل الفيروس، مع مخاطر تهدد الاقتصاديات بالانكماش وعدم الثقة في أسواق الأسهم.
20 مارس 2020
لا يمكننا النظر إلى الازدهار الذي شهدته عشرينيات القرن العشرين بمعزل عن حالة الكساد العظيم الذي أعقبه في عقد الثلاثينيات من ذات القرن، وبالمثل، وبعد الركود العالمي الخطير في تلك الحقبة، أعتقد أن فيروس كورونا الذي اندلع في هذا العالم، بعد العقد الأول من القرن الحالي الذي يمكن أن يوصف بالعصر الذهبي للاقتصاد العالمي بما حققه من النمو الاقتصادي الثابت (بالرغم من أنه كان بطيئاً) مع زيادة في فرص العمل وانخفاض في التضخم وأسعار الفائدة، فإن يمكن توقع الوضع عندما تعود الأمور إلى طبيعتها:
- الاندفاع الذي شهده العالم من التجارة الخارجية الحرة والعولمة إلى الحمائية التي بدأت عندما دخلت الصين منظمة التجارة العالمية في عام 2001، سيتصاعد بوتيرة أسرع (“دعاة العولمة قد ينقرضون قريبًا“). حيث أن الانخفاض في نشاط التصنيع، وكذلك التراجع في فرص العمل الذي شهدته الدول الغربية نتيجة للعولمة، وضعف سلاسل التوريد في جميع أنحاء العالم سيشجع على مبدأ الاكتفاء الذاتي، ولكن سيسهم أيضاً في تعزيز أوجه عدم الكفاءة المصاحبة لذلك. إن الآمال التي يتغنى بها السياسيون بأن الحمائية تعزز الوظائف المحلية وتزيد من مستويات الدخل، ستتلاشى، وهو ما حدث تماماً في عقد الثلاثينيات من القرن الماضي، لأن الحواجز التجارية تحد من النمو الاقتصادي وتفرز الانكماش.
- إن حالة الإغلاق التي تشهدها الأعمال ومؤسسات التعليم بسبب فيروس كورونا، تكشف عن حجم الكثير من رحلات السفر التجارية التي إهدرت، وإضاعة الكثير من الأوقات التي كان يقضيها التلاميذ في الفصول الدراسية، فالتفاعلات وجهًا لوجه لن تختفي، ولكن سيتم تقليصها لصالح أجهزة وبرمجيات الاتصالات وعلى حساب شركات الطيران والفنادق، وسيصبح العمل في المنزل أكثر قبولًا.
- حالة التوجس والحذر لدى المستهلك ستستمر لفترة طويلة بعد أن تنحسر أزمة فيروس كورونا، كما حدث بعد الأزمة المالية في عام 2008، كما أن إقبال المستهلكين بأسلوب “استخدم”، و”استهلك”، قد يتراجع وربما لعدة سنوات، وهو ما قد يؤثر على معدل الإنفاق لدى المستهلكين ومستويات مبيعات التجزئة.
- الحوافز المالية سيتم تضخيمها عندما تثبت السياسة النقدية عجزها. وبصرف النظر عن حوافز التخفيف من آثار البطالة الناجمة عن الركود وإعانات الدخل، فمن المحتمل أيضاً أن يتأثر الإنفاق على البنية التحتية الأساسية، كما أن اتفاق الجمهوريون والديمقراطيون على أنها ضرورية، والانهيار الذي شهدته عائدات سندات الخزانة الأمريكية في مواجهة ارتفاع العجز الفيدرالي، سيؤدي إلى تهدئة مخاوف واشنطن من الاقتراض الضخم لتمويل الإنفاق من العجز.
- وباستثناء الحمائية، فإن العرض العالمي سيستمر في تجاوز الطلب العالمي، ووفرة الادخار الناتجة عن ذلك ستؤدي إلى تخفيض التضخم وأسعار الفائدة، حيث أن معدلات التضخم المنخفضة، وربما الانكماش، ستؤدي إلى إضعاف حماس المستهلكين للإنفاق، وبالتالي تقييد أي انتعاش اقتصادي.
- قد يقضي الركود على آمال الرئيس دونالد ترامب في إعادة انتخابه رئيساً للولايات المتحدة، وسيمكِّن الديمقراطيين من السيطرة على البيت الأبيض والكونغرس، ثم من بعد ذلك، من المحتمل تقديم نوع ما من الرعاية الطبية للجميع التي ترعاها السلطات الفيدرالية، وسيتم أيضاً تعزيز القواعد الضريبية لإعادة توزيع الدخل من الأغنياء إلى الفقراء.
- تهاوي أسعار النفط الخام قد يجبر السعوديين والروس على التعاون لمحاولة التخلص من سطوة النفط الصخري الأمريكي، وستتعافى أسعار النفط بعد ذلك وسترتفع إلى ما بين 40 و 60 دولارًا للبرميل، والنفط الصخري الذي يتمتع بالمرونة سيستمر في الانخفاض.
- سيدفع الركود العديد من السندات المتعثرة إلى التخلف عن السداد، خاصة تلك الموجودة في مجال الطاقة، وقد يتسبب عالم “الملائكة الهابطين” أو المصدرين الذين جرى تجريدهم من تصنيفاتهم الائتمانية من الدرجة الاستثمارية، في انهيار أسعار الديون المصنفة ضمن الفئة المتعثرة وإثارة الاندفاع إلى سندات الخزانة الأمريكية، وحينئذ سيتم تشديد معايير الإقراض، كما حدث مع قروض الرهن العقاري السكنية بعد انهيار الرهن العقاري.
- سندات الخزانة التي تعتبر الملاذ الأخير، ستظل جذابة حتى مع عائدات حقيقية منخفضة أو ربما سلبية في مناخ انكماشي، على عكس الحال في البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان، فمن المحتمل أن يمتنع الاحتياطي الفيدرالي عن سعر الفائدة السلبي على المدى القصير.
- ستكون صناديق المعاشات التقاعدية مضطربة لأن انتقالها إلى الاستثمارات ذات المخاطر الأعلى في السنوات الأخيرة في بحثها عن عائدات أعلى يثبت أنه مخيّب للآمال، وخياراتهم للوفاء بأهداف العائدات الطموحة – خفض مزايا المتقاعدين، وزيادة مساهمات الموظفين وزيادة التمويل من الجهات الراعية – كلها غير جذابة على حد سواء.
- عندما يشعر المستثمرون أخيرًا بعمق وطول فترة الركود، فإن الأسهم سوف تنتعش ولكن ربما من مستويات 20٪ إلى 30٪ أقل من المستويات الحالية، كما حدث بعد هبوط السوق خلال الفترة بين عامي 2007-2009، وسيكون المستثمرون الأفراد بطيئين في العودة إلى السوق، كما أن الأسهم قد تكون أقل أداءً من الاقتصاد على المدى الطويل، حيث تعود نسب السعر إلى الأرباح المرتفعة في العقود الثلاثة الماضية إلى مستويات طبيعية أكثر، إن لم تكن دون الهدف.
- كالعادة، ستكون هناك حاجة إلى كبش فداء لتحميله المسؤولية عن أزمة فيروس كورونا والركود الذي تسببت فيه مع انهيار أسعار الأسهم، ومن بين المرشحين ليصبحوا كبش الفداء، الحكومة الفيدرالية، وخاصة مسؤولي الرعاية الصحية، والتجارة المحوسبة على وول ستريت، وكالعادة، نتوقع سن المزيد من اللوائح والقوانين الحكومية تجاوبا مع هذا الوضع.
المصدر: www.bloomberg.com