[نقطة انعطاف التحول Transformation’s Inflection Point ]
لقد أصبح فيروس كورونا (COVID-19) بالنسبة للمنظمات في مختلف مجالات الأعمال بمثابة ناقوس خطر رسمي قام بتذكيرها بأن “أساليب عملها المعتادة” هشة.
فقد تركت هذه الجائحة التي ضربت العالم برمته ندوباً وعلامات لا تُمحى على جيل من قادة الأعمال، وهؤلاء اليوم يتوجب عليهم اتخاذ خطوات مالية وتشغيلية جريئة في مواجهة ظروف السوق المضطربة التي باتت تتصاعد وتتسارع وتيرتها خلال ساعات – بل في غضون دقائق.
إن الرياح المعاكسة التي تهب علينا هذه الأيام ستكون آثارها جلية للغاية من الناحية النظرية في الميزانيات العمومية وبيانات السيولة، أما من الناحية العملية، فتمثل هذه العاصفة، شيئًا أكثر شخصية، حتى وإن بدت ذات طبيعة مالية وتشغيلية بحتة.
في الأزمات السابقة، كالأزمة المالية التي اندلعت عام 2008 ، كان بمقدور النماذج القابلة للقياس الكمي أن ترسم صورة موضوعية للنتائج المستقبلية، لكن هذه المرة ، يشكل فيروس كورونا (COVID-19) تحديًا أساسيًا بالنسبة للقوى العاملة، فبينما يجد القادة أنفسهم في مواجهة اتخاذ قرارات فورية بشأن الاستغناء عن التكلفة (كفاء الانفاق)، يجب عليهم إظهار التعاطف مع الموظفين ودوائرهم، مع إشراك هؤلاء الموظفين وإلهامهم للسير قدماً بشجاعة في أماكن عملهم، وأن يتعمدوا غرس وإدارة ثقافة الصمود التي تزدهر وتكتسب زخمًا عندما تنشب الظروف المضطربة.
يجب على القادة وضع نموذج لعقلية السير الحثيث نحو المرونة التي تدعو الموظفين لتحدي الأعراف الراسخة، والتحرر من عقدة الخوف من الفشل، وفي نفس الوقت، يجب على هؤلاء القادة الحفاظ على حالة من التوازن الدقيق، مع التركيز المستمر على تخفيف المخاطر على الميزانية العمومية.
يعمل معظم القادة اليوم في وضع تفاعلي في مواجهة فيروس كورونا (COVID-19)، حيث يضطرون إلى اتخاذ خيارات مالية وتشغيلية صعبة استجابة للاحتياجات العاجلة، بيد أننا نعتقد أن مناخ اليوم يفتح الباب أمام المؤسسات والشركات للسير إلى الأمام بطرق غير مسبوقة، وهذا التحول يبدأ بالقوة العاملة (رأس لمال البشري)، إن التصميم المقصود لدور الموظف يعمل على تعزيز ضرورات الكفاءة الفورية مع تعزيز إعادة التصور لتجارب المستفيدين، مما يتيح التمايز الذي يتجاوز حدود الأزمة.
وبالرغم من حالة الكآبة التي سببتها هذه الجائحة، إلا أن الآثار المترتبة على فيروس كورونا (COVID-19) تمثل نقطة تحول محورية لإعادة تصور النماذج الحالية للمواءمة، وطرق العمل، والثقافة من أجل التمايز المستدام.
إن لم يحدث هذا التحول الآن، فمتى يمكن أن يحدث؟
مسألة موارد بشرية A matter of people
لفهم الدور الذي يمكن أن تلعبه الموارد البشرية (القوى العاملة) في معالجة آثار فيروس كورونا (COVID-19) ، من الأهمية بمكان أولاً تفكيك الآثار الأساسية للوباء، في فإن الأثار المترتبة من فيروس كورونا (COVID-19) هي في جوهرها At its core شخصية للغاية وتشكل تهديداً للاحتياجات الأساسية، فقد تغيرت الجهود المبذولة لاحتواء الوباء بشكل جذري، وفي بعض الحالات، تسبب في حدوث نقلة في مصادر التحفيز الذاتي في حياتنا اليومية، وسواء كان ذلك بالتشجيع، كما تشجع ابنك في مباراة كرة القدم التي يلعبها أو بلقاء صديق لتناول القهوة، فإن الروتين اليومي الذي يدفعنا ويلهمنا قد تبدد بسرعة، وبالنسبة للكثيرين، فإن مشاعر الخوف والعزلة الاجتماعية باتت على المحك.
عند مواجهة أزمة بكل هذه التأثيرات الشخصية العميقة، يجب على القادة تصميم خبرات التي لا تشرك الموظف فحسب، ولكن أيضًا تشرك النظام البيئي ecosystem المحيط بهم من الأصدقاء والعائلة والأحباب.
وبالاستعانة بمبادئ التفكير التصميمي التي تأخذ في الاعتبار الاحتياجات العاطفية والتجارب والملاحظات من الموظفين، يمكن للقادة تأمين المشاركة والتوافق مع احتياجات الكفاءة والضرورات المالية، مع الأداء الجيد من قبل المتعاملين. ولكن أولاً، يجب على القادة في المستويات العليا أن يكونوا متوائمين ومتوافقين، لأن تفكيرهم يتسلل إلى من هم في المستويات الدنيا وتسهم في تشكيل أفكار أعضاء الفريق، فقد تبين لنا من خلال هذا البحث أن التفكير التصميمي design thinking ينجح، حيث أن 93 بالمائة من قادة الأعمال الذين يوافقون على أن إشراك الموظفين في تصميم مبادرات التغيير يؤدي إلى مستويات أعلى من التبني لهذه المبادرات.
لا شيء مقدس للغاية Nothing is too sacred
يجب على المنظمات أيضًا أن تحرص على تعزيز المرونة resiliency لدى الموارد البشرية، حيث ” ان عدم اليقين هو الدافع وراء النمو والمرونة، ويقدم مفهوم مكافحة الهشاشة anti-fragility ، و أن النكسات والصعوبات يمكن أن تجعل المنظمات في وضع أكثر قوة” (Nassim Taleb) .
وبالاستناد إلى هذا المبدأ ، يجب على القادة تعزيز الثقافة التي تسهم بفتح القنوات للأفكار الجديدة، وحمايتها في مواجهة الأفكار القديمة، وعدم الخوف من الفشل والارتداد في مواجهة حالة عدم اليقين في السوق، لقد لجأ العديد من القادة إلى اتخاذ موقف دفاعي في مواجهة هذا الوباء، ويعملون من منطلقات الخوف التي تؤدي إلى قرارات سيئة. ويجب على كل من القادة والموظفين أن يتسلحوا بثقافة المرونة وأن يتحلوا بالثقة ويشعروا بأن لديهم السلطة لإعطاء الأولوية للسير قدماً نحو الأفضل.
هذه العقلية تُمكِّن المؤسسات من التقدم إلى الأمام في الأوقات التي يؤدي الهلع إلى توقفها.
كما يجب على المؤسسات أن تتحلّى بالمرونة هي الأخرى، وأن تستفيد من هذه الفترة لإخضاع كل جانب من جوانب العمل للمراجعة والتمحيص. كما أن القادة والموظفين المفوضين للقيام بمسؤوليات الافتراضات طويلة الأمد التي تنتهجها المؤسسة – وخاصة تلك التي تنطوي على أجزاء من الأعمال التي طالما اعتبرت مقدسة- يجب تشجيعهم للإيمان بمستقبل مختلف تمامًا يشترك المتعاملين في صناعته بطرق جديدة ومختلفة. وبجانب الحاجة الملحة إلى إعادة تصميم التكلفة ، فإن الاضطراب الناتج عن فيروس كورونا (COVID-19) يخلق إمكانات جديدة لتقديم تجارب مختلفة للمستفيدين مع إنشاء منظمة أكثر كفاءة وبناء قوة عاملة فعالة، والتي يبدأ إطلاق هذه الفرصة عن طريق تنمية الموظفين الذين يشككون في معايير اليوم ويشعرون بالقدرة على شق الطريق نحو حالة مستقبلية تركز على المستفيدين.
البدء Getting started
تظل الكفاءة وإعادة تصميم التكلفة من الأمور التي يجب أخذها في الاعتبار عند التعامل مع تداعيات فيروس كورونا (COVID-19) ، ولكن القادة يحتاجون أيضًا إلى الاستفادة من تحديات اليوم لدفع مؤسساتهم إلى الأمام.
ولتحقيق هذه الغاية، يجب على قادة الأعمال البدء بقوتهم العاملة (الموارد البشرية)، وكيف يمكننا إشراك الموظفين وتحفيزهم حتى يظهروا بمظهر أقوى بعد هذه الجائحة؟ وكيف يمكننا أن نلهمهم لتعزيز تجربة المستفيدين بطرق جديدة وغير مسبوقة؟ وكيف يمكن لهذه الجهود أن تسهم في نهاية المطاف في جعل مؤسستنا أكثر كفاءة وأعلى ربحية؟
ولإطلاق كفاءات جديدة ضمن الموارد البشرية مع التحول إلى مستقبل أقوى على المدى الطويل، على المؤسسات أن تبدأ بالخطوات التالية:
- توافق الفريق التنفيذي Align your executive team:
مواقف القادة وفكرهم (عقلياتهم) تُسهم في تشكيل فكر وعقليات ومواقف أعضاء الفريق من المستويات الإدارية الأدنى، وقد تعلمنا من المنظمات في بحثنا هذا بأن “الانسجام بين أعضاء فريق القيادة التنفيذية” يعد العامل الأكثر تأثيرًا في بناء التوافق من أجل التغيير عبر المؤسسة، كما يجب على المسؤولين التنفيذيين التوافق حول أهمية الكفاءة ، ومن ثم الامتثال والتأسي به لبقية الأعمال، والتوافق يعني أيضاً أن جميع القادة ملتزمون بالتخلي عن الحوافز الفردية والخاصة بالوظيفة والتركيز حول الكفاءة التشغيلية كمقياس مشترك للنجاح.
- تطبيق نموذج نسبة الكفاءة التشغيلية
Apply Operational Efficiency Ratio (OER) model
تأمل في مقدار التكاليف التي تتحملها مؤسستك لتوليد دولار واحد من الإيرادات (التكاليف / الإيرادات)، وعند تحديد نسبة الكفاءة التشغيلية OER المستهدفة، وسع تركيزك إلى ما هو أبعد من التكلفة ، وفكر في العلاقات مع المكونات الرئيسية، مثل الموظفين والمستفيدين والشركاء وغيرهم، ويمكنك باستخدام هذا الأسلوب، أن تجد أن تجارب المستفيدين المحسنة والمتسقة ستدفع منحنى النمو إلى الأعلى، مما يؤدي في النهاية إلى زيادة نسبة الكفاءة التشغيلية OER التي تسعى لها، وإن تحديد هدف نسبة الكفاءة التشغيلية OER على مستوى المؤسسة يؤكد أن القادة يعملون من أجل المصلحة العليا للمؤسسة بأكملها، وليس لصالح الأهداف المنعزلة أو المنافسة.
- رعاية التحسين المستمر من خلال ثقافة المرونة
Nurture continuous improvement through a culture of resiliency:
تزدهر الموارد البشرية المرنة وسط ظروف تتطور باستمرار، ويمتلكون الثقة بأن منظماتهم ستظهر بمظهر أقوى بعد هذا الوباء، وفي الأوقات المضطربة، تعتبر ثقافة الموظفين التي تجعلهم يشعرون بأنهم يجدون الدعم لتحمل المخاطر والتعافي من الفشل، تعتبر أمرًا أساسيًا لبناء فرق عمل عالية الأداء تقود التحسين المستمر في الكفاءة ومشاركة المستفيدين.
- تصميم استراتيجية للعناية بالموظفين Design a care strategy for employees:
من ناحية الثقافة Culture ، يجب على القادة إظهار رعايتهم واهتمامهم وتعاطفهم مع الموظف خارج مكان العمل. فعندما يشعر الموظفون بالتقدير الحقيقي والاهتمام والتفهم، فمن المرجح أن يتقدموا خطوة إضافية في تفاعلاتهم مع المستفيدين.
- اتخاذ الخطوات الجريئة Take big swings:
في ظل الأوضاع المضطربة، قد يكون الوقت المناسب بالنسبة لك التساؤل عن سبب وجودك في العمل الذي أنت فيه، ونحد اليوم أن العديد من المؤسسات بطيئة في تطوير المعايير الحالية واتخاذ “الخطوات الجريئة” نحو المستفيد – حتى عند مواجهة كميات من البيانات التي تؤكد على أهمية تبني التغيير، وعلى القادة، وبدون الخضوع لقيود السياسة الداخلية، وضع كل جانب من جوانب العمل على الطاولة – حتى تلك الأشياء التي يُعتقد أنها مقدسة – ومن ثم تشجيع الموظفين على التفكير والابتكار والتعاون في جميع الوظائف تحت عنوان إعادة تصور الحلول المقدمة للزبائن. كذلك تشجيع الموظفين الصامدين وحثهم على تحمل المخاطر الذكية التي تعمل على تحسين الكفاءة على المدى القصير ودفع تجربة المستفيدين إلى الأمام على المدى الطويل.
وفي ظل التعايش مع آثار وتداعيات فيروس كورونا (COVID-19) ، يجب على قادة الأعمال في القطاعات المختلفة مواجهة الحقائق المالية الصارمة ذات الصلة بالعمل في مناخ اقتصادي يسوده عدم اليقين، وبالنسبة للكثيرين، فهذا يعني اتخاذ قرارات صعبة تتعلق بإعادة تصميم التكلفة، وتقليص العاملين، وأكثر من ذلك.
نعتقد أن الوقت قد حان لقلب هذه التحديات رأساً على عقب، ومن خلال النظر إلى الحقائق التي فرضها فيروس كورونا (COVID-19) من منظور القوى العاملة، ستبتعد المنظمات عن اتخاذ المواقف التقليدية reactionary position ، وتتجه نحو الموقف الذي يجعل التحول والتحسين المستمرين أمرًا طبيعيًا وجديدًا، هذه العقلية ستدفع اليوم بمؤسستك إلى الأمام ، أو خلال فترات التحدي وعدم اليقين في المستقبل.
المصدر: نورث آيلاند للاستشارات الإدارية