التصحر هو تعرض الأرض للتدهور في المناطق القاحلة وشبه القاحلة والجافة شبه الرطبة، مما يؤدي إلى فقدان الحياة النباتية والتنوع الحيوي بها، ويؤدي ذلك إلى فقدان التربة السطحية وبالتالي تفقد الأرض القدرة على الإنتاج الزراعي ودعم أشكال الحياة الحيوانية والبشرية.
ويهدد التصحر حياة ما يزيد عن ملياري شخص في 167 دولة ومنطقة في العالم، وفي مسعى لكبح جماح هذا المرض الخطير، أنشأت الأمم المتحدة أول اتفاقية عالمية للدول الأطراف لمكافحة التصحر في عام 1996، وبادرت الصين بالانضمام إليها ، وقام ما يقرب من 200 جهة بالعمل وتعزيز التعاون فيما بينهم من خلال العديد من المؤتمرات في الـ21 سنة الماضية، وسط تطلعات لتحقيق هدف “زيادة صفر” للأراضي المتدهورة بحلول عام 2030.
وتعتبر تجربة الصين رائدة في هذا المجال، وجذبت إنجازاتها أنظار العالم، من حيث مساهماتها ومفاهيمها وخططها في عمليات مكافحة التصحر العالمية؛ وفي الدورة التي استضافتها مدينة “أوردوس” في منطقة منغوليا الداخلية ذاتية الحكم بشمالي الصين ، كشف تشانغ جيان لونغ، رئيس مصلحة الدولة الصينية للغابات أن الصين هي أكبر دولة من حيث مساحة الأراضي المتصحرة وعدد السكان المنكوبين بهذه المشكلة، إذ بلغت مساحة الأراضي المتصحرة 2.61 مليون كيلومتر مربع، أي 27 بالمائة من إجمالي مساحة الأراضي الصينية، بينما بلغ عدد الذين يعانون من التصحر 400 مليون شخص.
لقد تمكنت الصين من كبح تدهور الأرض من خلال جهدها الدؤوب في تقليص مساحة الأراضي المتصحرة من 10.4 ألف كيلومتر مربع سنوياً في نهاية القرن الماضي، إلى 2424 كيلومتراً مربعاً سنوياً في الوقت الحالي، فيما تحقق هدف زيادة صفر لمساحة الأراضي المتصحرة.
وتعتبر صحراء “كوبوتشي” الصينية إحدى العجائب، التي حققتها الصين، في مكافحة التصحر؛ فقد ذكر مزارع محلي عمره خمسون عاما، عاش طوال حياته على أطراف صحراء “كوبوتشي”، تجربة اجتياح العواصف الرملية للمنطقة في القرن الماضي، قائلا: ” إن الرمال في الساحة تراكمت حتى سقف المنازل، حيث كان يمكن الصعود إلى السقف عبر تل الرمال، وبسبب سوء الرؤية أثناء العواصف الرملية، كان لا يستطيع أن يعثر على باب المنزل إلا من خلال نباح الكلب.
وفي الفترة ما بين عامي 1949 و1980، زحفت صحراء كوبوتشي 1.5 كيلومتر تجاه المناطق السكنية، ما أثر بشكل شديد على إنتاج الإنسان وحياته.
وبعد ثــ30ـــلاثون عام من جهود معالجة التصحر، انتشرت #الغابات والمروج على مساحة أكثر من 6000 كيلومتر مربع في صحراء كوبوتشي، التي تسمى ” بحر الموت “، لتبدأ مساحة الصحراء بالتقلص تدريجيا.
في صحراء “كوبوتشي”، نستطيع أن تزرع شجرة بسهولة في 10 ثوان “، يقول هان مي في، المهندس البارز في الشركة الإيكولوجية التابعة لمجموعة “إيليون” الصينية، والذي طور فريقه أسلوبا خاصا يناسب الصحراء، حيث يستغرق زراعة شجرة واحدة 10 ثوان فقط، وبفعالية تعادل 14 ضعف الأساليب التقليدية (شاهد المقطع المرئي).
وحسب تقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فقد جرى تأهيل أراض صحراوية على مساحة 646 ألف هكتار، مما خلق ثروة إيكولوجية قيمتها أكثر من 500 مليار يوان ( حوالي 76.25 مليار دولار أمريكي )، وساعدَ أكثرَ من 100 ألف مواطن على التخلص من الفقر، كما وفر فرص عمل لأكثر من مليون شخص.
إن عمليات معالجة التصحر أوجدت أساليب جديدة لكبح التصحر وحققت الهدف الذي يجمع جمال البيئة وتحسين مستوى معيشة الناس، وهي لم تتأت بسهولة، بل احتاجت إلى جهود متواصلة عبر الأجيال، وقد شهدت تسارعا في السنوات الخمس الأخيرة، أَدرج المؤتمر الوطني الصيني الـ18 بناء الحضارة الإيكولوجية ضمن الخطة الشاملة للصين، والتي تشمل البناء الاقتصادي والسياسي والثقافي والاجتماعي.
ذكر إريك سولهايم، المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، أن صحراء “كوبوشي” ليست وحدها التي تدخل ضمن جهود الصين لمعالجة التصحر، بل يمكن مشاهدة نماذج ناجحة في منطقة “شينجيانغ” ومقاطعات بشمال غربي الصين مثل “شنشي” و “قانسو”، مؤكدا: ” أن أهم شيء يتمثل في الرؤية الصينية التي لا تعتبر الصحراء مشكلة، وإنما فرصة لخلق فرص العمل وتخفيف الفقر، ولتقدم للعالم نموذج صحراء كوبوتشي، ويرى أن مبادرة الحزام والطريق الصيني بدوره سيساعد في دفع عمليات معالجة التصحر العالمية، وعلى أهمية التعاون العالمي في مجال مكافحة التصحر، الذي وصفه بأنه تحد مشترك للبشرية.