العنصر الأساسي في عملية اتخاذ القرار الإيجابي positive decision-making هو القدرة على الـتأني وإدراك ما هو أكثر أهمية وأكثر فائدة للحالة أو الموقف الذي يتطلب اتخاذ القرار، إلا أن عملية اتخاذ القرار في كثير من الأحيان، تخضع للعواطف وتتسم بالاندفاع والتفاعل، خاصة في المواقف الشديدة أو المتوترة heightened or tense situations ، وقد يؤدي هذا الاندفاع في النهاية إلى تلبية حاجة قصيرة المدى أو إيقاف العملية ضمن المستوى المرضي، بدلاً من التوافق مع الأهداف طويلة المدى أو الرؤى الإبداعية. فعادة إذا كان الفرد مفرطًا في الثقة أو يفتقر إلى الثقة، يميل إلى اتخاذ قرارات سيئة.
ونستعرض هنا أربعة أخطاء رئيسية يرتكبها الأفراد عند اتخاذ قرارات عمل مهمة – وكيف يمكن أن نتجنبها؟
1. الاندفاع عند اتخاذ القرار Acting on impulse during decision-making
نحن بني البشر، لدينا ميل فطري نحو حل مشكلاتنا بسرعة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالألم (العاطفي والجسدي والمالي، وما إلى ذلك)، هذا يعني أننا كثيرا ما نسمح باتخاذ قرارات مرتجلة دون دراسة متأنية، وعندما يتعلق الأمر بالعواطف على وجه التحديد، فمن المرجح أن نتصرف وفقًا لما نشعر به بدلاً من إخضاع تصرفاتنا لميزان العقل والمنطق.
ولعل أسوأ شيء يمكنك القيام به هو أن تتخذ القرار بسرعة كبيرة؛ تمهل وخذ بعض الوقت واسمح لعقلك الباطن بتقليب خياراتك قبل القفز إلى أي قرار أو استنتاج، ومن الجيد أن تخبر من يعنيه بأنك بحاجة إلى يوم للتفكير في ما يُطلب منك، والتعمق أكثر قليلاً لاتخاذ قرار أفضل وبشكل مدروس.
لماذا يعد هذا خطأ في عملية صنع القرار؟
إن اتخاذك للقرار بتهور دون التفكير فيه بشكل متأني ودقيق، قد يدفعك إلى الانحراف عن مسار تحقيق أهدافك على المدى الطويل، بل الأمر الأكثر تأثيرًا هو حقيقة أن القرارات المندفعة يمكن أن تؤدي إلى عواقب غير مقصودة يمكن أن تسبب ندم وحزن في عملك.
كيف نتجنب ذلك؟
- ابذل قصارى جهدك لتتجنب الضغوط التي تدفعك إلى اتخاذ قرارات مندفعة ومتهورة، حتى وإن كان ذلك تحت تأثير الشخصيات الرسمية أو الأشخاص الذين تربطك بهم علاقات وثيقة.
- حدد أنواع المواقف التي من المرجح أن تتخذ فيها قرارات مندفعة ومتهورة، والتزم بأن تكون أكثر حذراً ووعيًا بالذات عندما تجد نفسك في أحد هذه المواقف.
- اطلب دائمًا الوقت الكافي لمعالجة ما يطلب منك، ولكن كن حذرًا وتجنب المماطلة، لأن الانتظار حتى اللحظات الأخيرة لمعالجة الموضوع من شأنه أيضًا أن يقود إلى اتخاذ قرارات تحت الضغط وقد لا تجد حظاً كافياً من التفكير.
2. الاستماع فقط للذين يتفقون معك
من الطبيعي أن يرغب الأشخاص في أن يكونوا على حق، هذا هو السبب في أن الأفراد يفضلون التفاعل مع أولئك الذين يشاركونهم نفس الآراء بدلاً من أولئك الذين لديهم أسلوب يختلف عن تفكيرهم، وعندما يتعلق الأمر باتخاذ القرار، فإن طلبك للمشورة والآراء فقط من الذين يشاركونك نفس وجهات نظرك يمكن أن يكون خطأً ضارًا.
وهذا هو ما يعرف بالانحياز التأكيدي confirmation bias. حيث أننا وفي سبيل البحث عن مبرر لخياراتنا الخاصة، نسعى إلى المعلومات التي تدعم غريزتنا أو وجهة نظرنا الحالية، مع تجنب المعلومات التي تتعارض معها، ويحتاج القادة إلى أن يسألوا أنفسهم، هل يقومون بجمع المعلومات اللازمة لمساعدتهم على اتخاذ الخيار الذكي – أم أنهم يبحثون عن الأدلة والدعم الذي يؤكد ما يرونه بالفعل ويريدون القيام به؟
الاستماع إلى الآراء المختلفة يتيح للقادة عرض الموقف من منظور آخر ويؤدي في النهاية إلى قرار أفضل.
لماذا يعد هذا خطأ في عملية صنع القرار؟
إن الفشل في الاعتراف بأن هناك جوانب أخرى للموقف غير التي يراها الشخص، والفشل في الاعتراف بوجود تحيز تجاه حل معين، قد يكون عائقاً أمام القادة عن اتخاذ القرار الذي قد يكون أكثر فائدة، فإذا كان هناك حل أفضل ولكن يتعامى القائد عن النظر إلى ما هو أبعد من افتراضاته السابقة، فإنه في هذه الحالة لا يبذل العناية الواجبة كقائد لدراسة جميع الخيارات الممكنة قبل اتخاذ القرار.
كيف نتجنب ذلك؟
من المهم دائمًا إحاطة نفسك بفريق قوي من المستشارين أو الأفراد الذين تثق بهم، واحتفظ بقائمة من الأشخاص من ذوي التفكير المماثل الذين يمكنهم تقديم وجهة نظر أخرى ومساعدتك على التفكير بطرق مختلفة، ولعل هذا من شأنه أن يتيح لك الفرصة لرؤية الموقف من عدة جوانب واكتساب وجهات نظر مختلفة قبل اتخاذ القرار النهائي.
3. عدم تقدير تأثير القضايا العاطفية عند اتخاذ القرار Not anticipating emotions
كل قرار ينتج عنه نتائج مباشرة وغير مباشرة، والقادة الذين يتمتعون بالذكاء العاطفي Emotionally intelligent يمكنهم الاعتراف بتأثير القرارات النهائية عليهم شخصياً وعلى فريق عملهم وشركتهم، وقد يستغل صناع القرار الذين يفهمون عواطف الآخرين هذا الإدراك لمنع احتمالية النتائج السلبية من خلال المبادرة إلى معالجة تلك القضايا العاطفية قبل اتخاذ القرار، ومع ذلك، في بعض الأحيان، يتخذ القادة (والبشر بشكل عام) قرارات تستند إلى الأنا والمكاسب الشخصية دون التفكير في كيفية تأثير هذه النتائج على الآخرين المشاركين في الخالة أو الموقف.
لماذا يعد هذا خطأ في عملية صنع القرار؟
إن فشلك في التعرف على العواقب التي يمكن أن تترتب على قراراتك وكيفية تأثيرها على الآخرين المعنيين بها، سيقودك إلى اتخاذ قرارات تبدو صحيحة في البداية ولكن على المدى الطويل ستؤدي إلى نتائج سيئة، حيث أن دراسة العواقب وتوقع النتائج يعد جزءًا مهمًا من عملية صنع القرار.
كيف نتجنبه ذلك؟
إن زيادة مستوى الوعي الذاتي والتعاطف يقوم بتغيير ديناميكية أي تفاعل ويلعب دورًا رئيسيًا في عملية صنع القرار، وينطوي صنع القرار الجيد على القدرة على أن تكون يقظاً بشأن الأفعال التي تتماشى مع الأولويات والقيم، ويمكن للأفراد والشركات الذين يستخدمون نهجًا واعيًا وقائمًا على القيم أن يظلوا هادئين، ويتكيفون ويتأقلمون مع الوضع الحالي، ويسيرون بثبات وجدية نحو هدفهم النهائي.
4. تأطير القرار بشكل ضيق Narrowly framing a decision
يرى العديد من الأفراد خيارًا في المصطلحات الثنائية binary terms ؛ يجب اتخاذ قرار بين احدى خيارين ؛ اما الخيار (أ) أو الخيار (ب). ولكن ماذا عن الخيار (ج) أو (د)؟
عندما نجد أنفسنا كبشر أمام اتخاذ القرار، فإننا نميل إلى النظر فقط في الخيارات التي امامنا فورًا، وبالتالي قد تفوتنا خيارات أخرى أفضل، وهذا الذي يعرف بالتأطير الضيق narrow framing ، فعند النظر في اتخاذ قرار بعينه، يعطي العقل وزناً غير متناسب للمعلومات الأولى التي يتلقاها، ومن الانطباعات الأولية على سبيل المثال، التقديرات، أو الأفكار والأحكام المسبقة التي تحد من قدرتنا على رؤية ما هو أمامنا. ففي مجال الأعمال التجارية، فإن اختيار القادة تأطير مشكلة بعينها عند اتخاذ قرار معين يمكن أن يؤثر بشكل كبير على النتيجة.
لماذا يعتبر هذا خطأ في صنع القرار؟
المشكلة ذات الإطار الضيق يمكن أن تقوض حتى أكثر القرارات المدروسة، فالعمل على حل مشكلة ما وتحديد الاختيارات بشكل ضيق يدفع القادة إلى تجاهل أفضل الخيارات ويخسرون الأهداف المهمة.
كيف نتجنب ذلك ؟
حتى يتمكن القادة من تجنب التأطير الضيق، عليهم أن يوسعوا خياراتهم، وبدلًا من النظر إلى الخيارات على أساس المفاضلة بين خيار أو آخر فقط، درب نفسك على التفكير خارج الصندوق، وعلى سبيل المثال، إذا قدم لك الخيارين (أ) و (ب) فقط، حاول أن تتخيل أن هذه الخيارات غير موجودة، وما هي الحلول الأخرى الممكنة؟ ومن خلال اكتشاف خيارات جديدة بهذه الطريقة ستقوم بالتقليل من التعويل على الاستثمار في ما تعرفه بالفعل وستسمح لنفسك بإمكانية تغيير رأيك المسبق.
ما هو الخطأ الذي ارتكبته في اتخاذ القرارات؟
نحن جميعًا نريد أن نصدق بأننا نتخذ قراراتنا استنادًا إلى التفكير المنطقي والصحيح، بيد أن الحقيقة هي أننا نقع جميعًا في أحد الأخطاء المذكورة أعلاه، وبإدراكنا لهذه الأخطاء ومعرفتنا لها، يمكن للقادة تحديد الجوانب التي تحتاج إلى تركيز جهودهم لتطوير مهاراتهم في عملية صنع القرار، وبتنفيذ بعض الحلول المشار إليها أعلاه، فإن القادة والأفراد على حد سواء سيجدون أنفسهم أقرب إلى صانعي القرار المنطقيين الذين طالما تمنوا أين يكونوا منهم.
المصدر: enterprisersproject.com