نظم التطبيقات الشبكية تتطور بوتيرة متسارعة، فنظام (Web 1.0) جعل ولأول مرة المعلومات في متناول الجميع وأصبح باستطاعة أي شخص الوصول إليه دون أي شيء سوى اتصال بالإنترنت، كما ساهمت منصات نظام (Web 2.0) بتقديم تحسينات هائلة في قابلية الاستخدام، وثراء التجربة، والأهم من ذلك أنه ساهم في مساعدة كل من شاء أن يتحول إلى صانع محتوى، وأن نظل على اتصال بأصدقائنا -حتى أثناء عمليات الإغلاق- ويمكننا طلب أي شيء، من اللوحات الجدارية إلى محافظ الأجهزة من المنزل – والتوصيل مباشرة إلى أبوابنا!
بيد أن الجانب السلبي لنظام (Web 2.0) هو أننا أصبحنا عرضة للتتبع باستمرار، فمحرك البحث “جوجل” و “انستجرام وفيسبوك (ميتا)” أصبحت مطّلعه على تفاصيل حياتنا حتى أكثر الأمور حميمية، وموقع أمازون يعرف كل الأشياء التي طلبتها. فهذا الكم الهائل من المعلومات يعطيهم فكرة دقيقة عن الأشياء التي قد ترغب في شرائها، وهي المعلومات التي يدفع المعلنون مبالغ طائلة من أجل الحصول عليها.
بياناتنا يستولى عليها وتحول إلى أموال، ونحن لا نحقق منها أي فوائد لأنفسنا.
يستيقظ المستهلكون ببطء على التداعيات؛ كما يشير الاستطلاع الذي أجرته دائرة الضرائب (IRS)، أن 17٪ فقط من المشاركين في الاستطلاع يرون أن الإعلانات المخصصة (أي الإعلانات المبنية على أساس الاهتمامات الشخصية للمستهلكين) أخلاقية.
وقد رأينا في الأسابيع الأخيرة، أن الشركات الأكثر هيمنة والأكثر شهرة في مجال تقنية المعلومات بالولايات المتحدة أو ما يعرف بـ “Big Tech” بدأت في اختطاف مصطلح استخدمه عشاق التشفير لفترة من الوقت: وهو Web 3.0. حيث تخطط شركة Microsoft لإنشاء ما يسمى بـ ” Excel tribes VFOOKUP “. كما أن شركة فيسبوك Facebook تحاول إعادة تسمية نفسها إلى اسم “ ميتافيرس Metaverse ”
فما هو نظام Web 3.0 الذي نريد رؤيته ويؤتي ثماره؟
قبل ظهور البيتكوين Bitcoin، تحدث Tim Berners-Lee، مخترع شبكة الويب العالمية عن نظام Web 3.0، وهو الذي قام بصياغة الويب الدَلَالِيّ The Semantic Web. وعند الحديث عن الويب الدلالي، أشار إلى نسخة من الويب تكون أكثر انفتاحًا وذكاءً واستقلالية. وهي تلك الأمور التي يفقدها نظام (Web 2.0) الحالي.
مصطلح ” Semantic ” هو مصطلح من علم اللغة يعرف على أنه : “يتعلق بمعاني الكلمات أو العبارات”، بحيث تقوم الآلات بمعالجة المحتوى بطرق شبيهة بالبشر وتعزز تجربة المستخدم والاتصال، بيد أن هذا الويب الدَلَالِيّ لم يتحقق بشكل كامل -حتى الآن- فقبل عشر سنوات، كنا نظن أنه سيكون الذكاء الاصطناعي قادرًا على التواصل وفهم البشر تمامًا، لكننا لم نصل إلى تلك المرحلة؛ كيف يمكن للآلة مثلا ً أن تعرف الفرق بين جاكور (السيارة) وجاكور (الحيوان) ؟!
بالنسبة لليشر، الفرق واضحًا عند استخدامه في المحادثة، لكن بالنسبة للجهاز، مختلف نوعاً ما، إن بناء الذكاء الاصطناعي الذي يستوعب هذه التصنيفات والمفاهيم في كل كلمة أمر معقد. (فريق شركة IBM يمكن أن يجيب كيف تسير أمور واتسون Watson مساعد الذكاء الاصطناعي لديهم ؟!!).
ماهي ميزات نظام Web 3.0 التي نريدها؟
بالرغم من أن نظام Web 3.0 ورد ذكره منذ أكثر من عقد، إلا أنه لا يزال مصطلحًا غير مُعرف بشكل واضح، حيث قامت الموسوعة البريطانية “Britannic” بنشر مقالة حول نظام (Web 2.0) تشير إلى نظام Web 3.0 ولكنها تفتقر إلى معلومة محدده عنه، كذلك الموسوعات الأخرى.
وبالرغم من أنه قد لا يكون هناك تعريف موحد حتى الآن، إلا أن نظام Web 3.0 المبدئي يحتوي على مجموعة من الميزات يتميز بها عن غيره، ويلعب التشفير دورًا مهمًا في نظام Web 3.0 ، ولكنه أكثر بكثير من مجرد نقل القيمة، ويمكن ذكر بعض المميزات:
- نظام مفتوح: الويب الجديد من البداية مبني على برنامج مفتوح المصدر؛ هذا يعني أنه يمكن لأي شخص أن يطور، بل علاوة على ذلك يمكنه المساهمة، واقتراح التغييرات وإضافة ميزات جديدة، وتحدث دورة التطوير بأكملها على مرأى من الجميع – وبمستوى من الشفافية لم تسمح به شركات نظام (Web 2.0).
- ثقة ضمنية: عبارة عن شبكة تتيح للمستخدمين التفاعل دون الحاجة إلى الكشف عن هوياتهم، ويمكنهم اختيار التفاعل بشكل خاص أو علني. وبدلاً من الوثوق بطرف واحد بشكل صريح، يتم الآن وضع الثقة ضمنيًا في جميع العُقد (Node) التي تعيق الشبكة.
- لا يحتاج إلى إذن: في عام 2020، أوقفت الهند الوصول إلى الإنترنت لملايين من مواطنيها – وذلك بالرغم من زيادة الطلب الناجم عن الوباء، فنظام Web 3.0 الجديد يمكن أي شخص المشاركة دون أي سماح من الهيئات الإدارية أو حراس المنصات التقليديين.
- ربط واسع النطاق : وهذا هو الجزء الذي يلعب فيه الويب الدلالي، ويمكن اعتباره جزءًا من نظام Web 3.0 ؛ الجزء الذي ترتبط فيه المعلومات بشكل أكبر بفضل البيانات الوصفية الدلالية. كما يمكن الوصول إلى البيانات من أي مكان وفي أي وقت دون الاعتماد على موفري السحابة المركزية مثل AWS أو GCP.
- رسومات ثلاثية الأبعاد: التصميمات ثلاثية الأبعاد ستخلق عالمًا إلكترونيًا أكثر واقعية (يُطلق عليه أيضًا Metaverse) مما يخلق فرصًا تجارية جديدة ويمكن أن يطمس الخطوط الفاصلة بين العالم الحقيقي والعالم الرقمي.
وكون النظام مفتوح – يجعله يبدو وكأنه مماثل للبلوك تشين ؟؛ وهو كذلك، فالبلوكتشين Blockchain ستكون العمود الفقري لنظام Web 3.0، إلى جانب المكونات التقنية الأخرى، ويعتقد Chris Dixon، الشريك العام في شركة az16))، أن نظام Web 3.0 يعتمد بشكل كبير على الحوسبة الحدية أو حوسبة الحواف “Edge Computing” والبلوكتشين Blockchain والذكاء الاصطناعي AI والتعلم الآلي ” Machine Learning”.
فماهي حوسبة الحواف “Edge Computing“؟
في عام 2019 رُبط لأول مرة بالإنترنيت 127 جهازًا جديدًا في الثانية، ولم نعد الآن نملك هواتف ذكية وحسب، بل لدينا منازل ذكية بالكامل. وكل هذه الأجهزة تخلق كمية هائلة من البيانات، وتتمثل الطريقة التقليدية لتحليل هذه البيانات هي في إرسالها إلى مركز بيانات مركزي، والحوسبة الحدية أو الحواف Edge Computing تعمل بأسلوب لامركزي من خلال معالجة البيانات بالقرب من نقطة إنشائها، وبحلول عام 2025، يتوقع أن تتم معالجة 75٪ من البيانات خارج مركز البيانات التقليدي أو السحابة، وذلك فقًا لتقديرات Gartner.
إن معالجة البيانات الموجودة على جهازك يُعد أمرًا رائعًا، ولكنه سيكون أكثر حيوية مع نظام Web 3.0 والبلوكتشين Blockchainوالترميز” tokens”
البلوكتشين والترميز ونظام الويب 3.0
منصة البلوكتشين العامة تدعم نظام Web 3.0 وقد تمكنت مولدات البيانات لأول مرة من التحكم الكامل في البيانات، وعلى غرار الطريقة التي تدفع بها حوسبة الحواف Edge Computing”” إلى حافة الشبكة، فإن الرمز المميز يعمل على تمكين ومساعدة المشاركين على الهامش.
وفجأة، لم تعد منصات الشركات الأكثر هيمنة والأكثر شهرة في مجال تقنية المعلومات بالولايات المتحدة “Big Tech” مسيطرة عليها، ولكن باستخدام كل الأفراد الذين يشكلون الشبكة الترميز، فيكتسب المستخدم حقوق الملكية للأشياء التي يشترونها ويخلقونها عبر الإنترنت. وتعتبر العملة الرمزية tokens”” غير القابلة للاستبدال مناسبة تمامًا للأصول والمعرفات الفريدة، وباستخدام العملات المشفرة، يمكن للمستخدمين تحويل القيمة شبكة الدفع الخاصة بنظام Web 3.0 دون الحاجة إلى وسطاء، غالبًا بجزء بسيط من تكلفة استخدام المؤسسات المركزية.
الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي
الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي مستخدمان بالفعل اليوم في معظم منصات نظام Web 3.0. فلو تأملت مثلاً في دردشة منصة لينكدان LinkedIn عندما تقترح لك إجابات على رسائلك، تعتمد على التعلم الآلي واستخدام الذكاء الاصطناعي، في بعض الأحيان تكون الاجابة بعيده جداً، وأحياناً تكون ملائمه جدًا، فتنقر فقط على العبارة مثل “شكرًا لك، وأنت أيضًا”، بدلاً من كتابتها بالكامل.
الذكاء الاصطناعي لنظام Web 3.0 ، سيلعب دورًا في جعل هذا الإصدار من الويب أكثر ذكاءً وقوة فيما يتعلق بمعالجة المعلومات، كما سيساعد الآلات في تفسير المعنى الكامن وراء البيانات بشكل أفضل، وتقديم تجربة مستخدم أكثر ذكاءً، كذلك يمكن أن يوفر الوصول إلى البيانات الموجودة أعلى الهياكل اللامركزية كتنبؤات قوية حول الأشياء التي تتجاوز الإعلانات المستهدفة في المجالات المتنوعة مثل تصميم الأدوية ونمذجة المناخ، وحالياً نرى شركات مثل Ocean Protocol تستكشف فعلياً طرقًا لتدريب الذكاء الاصطناعي دون الكشف عن خصوصية مالك البيانات الأساسي.
التقنيات السابقة مجتمعة قامت ببناء العمود الفقري للتطبيقات الشبكية للويب 3.0، وفي هذه المرحلة، نحن فقط نتحدث عن سطح النظام ولكن يمكن أن تحصل تحسينات كبيرة بمجرد إنشائه بشكل صحيح.
لماذا نريد نظام Web 3.0 ؟
قد تتساءل ما هي الفوائد التي سيوفرها نظام Web 3.0 ، ولماذا يجب أن نهتم بذلك؟
- إلغاء الوسيط Disintermediation: فلا مزيد من الاعتماد على الشركات الأكثر هيمنة والأكثر شهرة في مجال تقنية المعلومات للكسب منك، أو حتى لحياتك الاجتماعية، لا تدفع مبالغ زيادة التي تدفعها للوسطاء الباحثين عن الريع فقط.
- المرونة Resilience: نظام لامركزي فعلاً مبني على الجزء الخلفي من البلوكتشين ولا يمكن إيقاف تشغيله.
- الوصول Access: بغض النظر عن الجنس والدخل والتركيبة السكانية، سيتمكن أي شخص من الوصول إلى نظام الويب 3.0 ، ويصبح معرفك اللامركزي (سجلك على الويب 3.0) هو المعرف الخاص بك.
- بياناتك ملك لك وحدك بدلاً من الشركات التي تتعقبك لمعرفة بياناتك، وستأتي المنظمات إليك وتعرض عليك الأموال مقابل الوصول إلى بياناتك. وستكون قادرًا على تحقيق الدخل الذي لم تتمكن من تحقيقه في السابق من الأصول التي تملكها، ونرى الآن كيف متصفح بريف Brave، بالفعل يمكن أن يحدث ذلك في الإعلانات، يدفعون لك مقابل مشاهدة الإعلانات؛ لأن اهتماماتك ذات قيمة بالنسبة لهم.
وبشكل عام، يعمل نظام Web 3.0 على معالجة العديد من المشكلات التي تواجهنا مع نظام Web 2.0 ، حيث نكون نحن غالبًا المنتج ولا نتحكم في ما يحدث لبياناتنا، وسيغير نظام الويب3.0 تمامًا طريقة تفكيرنا وتفاعلنا مع خدمات الويب، لانها الشبكة الأكثر تمحورًا حول الإنسان، وتوفر لك الفرصة لتجني الأموال التي تساعد أي شخص من الدخول في معاملات مع الآخرين في جميع أنحاء العالم.
وعندما يتم إرساء قواعد نظام Web 3.0 بشكل صحيح يمكن أن يكون بمثابة عودة إلى الويب الأصلي. “(Tim Berners-Lee ، 2021).
المصدر: metaverse-summit.medium.com