(ورقة بحثية من إعداد أ.د. محمد عبدالفتاح المهدي)
مقدمة :
هناك اهتمام متزايد في العقدين الأخيرين حول العلاقة بين الصحة النفسية واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من أن الأبحاث وجدت ارتباطا بين زيادة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في المراهقين والشباب وزيادة مشكلات الصحة النفسية لديهم, إلا أنه ليس من الواضح حتى الآن كيف يرتبط استخدام مواقع الترابط الاجتماعي بهذه المشكلات.
تعريف الإدمان :
الإدمان هو تكريس أو إخضاع الحياة الشخصية لعادة ما أو مادة ما, أو هو عدم قدرة الإنسان على الاستغناء عن شيء ما، بصرف النظر عن هذا الشيء طالما استوفى بقية شروط الإدمان من حاجة إلى المزيد من هذا الشيء بشكل مستمر حتى يشبع حاجته حين يحرم منه. وكان المفهوم السائد عن الإدمان غالبا أنه إدمان للمواد المخدرة ولكن في السنوات الأخيرة شاع استخدام مصطلح الإدمان السلوكي وخاصة مع انتشار استخدام الهواتف الذكية والإنترنت والألعاب الإلكترونية. فهل أصبح الكثيرون منا متورطين في إدمان الإنترنت وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي والتي ثبت أن لها جاذبية شديدة تجعل مستخدمي الهواتف الذكية أسرى لها وتستنزف الكثير من وقتهم, وما هي العلامات الفارقة بين إدمان مواقع التواصل الاجتماعي والاستخدام العادي لها, كل هذه تساؤلات تثار الآن في أروقة الهيئات العلمية.
ويرى آخرون أنه متى بدأ الشخص يتجاهل الأنشطة والمناسبات ومسؤوليات العمل والدراسة والرياضة أو شكوى المقربين منه من قضائه الوقت الطويل على مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبح من المستحيل تقليل وقت متابعته لها أو تحديد وقت مع بروز أعراض انسحابية عندما يكون الشخص بعيداً عن جهاز الهاتف المحمول ويصل معها لمرحلة ترك الواجبات والأعمال المهمة وتفضيل الحديث مع الناس على الإنترنت بدلاً من المواجهة وجهاً بوجه.
وسنركز حديثنا الآن على إدمان مواقع التواصل الاجتماعي نظرا لانتشارها الشديد بين الناس, ونعرفها بأنها الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي – وهو نوع من الاعتماد النفسي والسلوكي على منصات التواصل الاجتماعي، ويعرف عامة بأنه الاستخدام القهري لمنصات التواصل الاجتماعي والذي ينتج عنه ضرر فادح في أداء الأفراد في مختلف مجالات الحياة لمدة طويلة، وبالإضافة إلى ذلك فلقد توصل خبراء من مجالات عديدة إلى وجود علاقات بين استخدام الإعلام الرقمي والصحة النفسية وناقشوها، وأثاروا الجدل في المجتمعات الطبية والعملية والتقنية، وأشارت الدراسات إلى أنه يؤثر على النساء أكثر من الرجال وأوضحت أنه يؤثر على الأفراد بحسب منصة التواصل الاجتماعي المستخدمة، ويمكن تشخيص الأفراد بمثل هذا الاضطراب في حال مشاركته في المواقع الإلكترونية باعتبارها مسؤولية يومية تحتاج إلى تنفيذ أو لأهداف أخرى مع عدم إعطاء العواقب السلبية أي اعتبار (Oakes, Kelly 2020) .
إطلالة عامة على مواقع التواصل :
تعرف مواقع التواصل بأنها أشكال من التواصل الإلكتروني والتي ينشئ المستخدم من خلالها مجتمعا افتراضيا يتبادل فيه المعلومات والأفكار والرسائل الشخصية ومحتويات أخرى. وقد عرف مصطلح مواقع التواصل الاجتماعي لأول مرة عام 2004 حين استخدم في جامعة هارفارد للتواصل بن الطلاب وأساتذتهم, ثم انتقل استخدامها إلى المجال العام وانتشرت انتشارا واسعا في العالم كله, وبدا في ذلك الوقت أنها سهلت التواصل إلى حد غير مسبوق بين الناس, وأصبح (73%) ممن يستخدمون الإنترنت يدخلون على مواقع التواصل الاجتماعي.
أهم خمس مواقع للتواصل الاجتماعي : هي Face book, Twitter, Instegram , Linkedln and Pinterest ويقف الفيس بوك على رأسهم حيث يستخدمه (71%) ممن يدخلون على الإنترنت, ومستخدموه ليسوا فقط كثيرين في العدد بل هم أيضا نشطون في استخدامه, فقد وجد أن (63 %) من مستخدميه يدخلون عليه على الأقل مرة يوميا, وأن 40 % يدخلون مرات عديدة يوميا.
وهذا الاستخدام الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي ينشأ من انتشار الهواتف الذكية ووجود شبكات تواصل وتطبيقات عليها مما سهل على مستخدمي الإنترنت التواصل والتسلية باستخدام جهاز صغير في أيديهم يتيح لهم أشياء كثيرة ممتعة, والدليل على ذلك أنه في السنة الأخيرة كان هناك (300) مليون مستخدم لمواقع التواصل الاجتماعي يعتمدون على جهازهم المحمول فقط.
لماذا نهتم بمواقع التواصل الاجتماعي :
- (93 %) من مستخدمي الإنترنت يدخلون على واحد من مواقع التواصل الاجتماعي على الأقل.
- (93 %) من مستخدمي مواقع التواصل يستخدمونه لأغراض تسويقية.
- (37 %) يستخدمونها لإصدار برامج.
يتزايد مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي بشكل أسرع من مستخدمي البريد الإلكتروني وصفحات الشبكة العنكبوتية الأخرى.
عناصر التواصل الاجتماعي :
- منصات : أصلية (موقع للتواصل الاجتماعي, مدونة, ملتقى), أو نوعية (Huffington post, Twitter, Linkidln, etc)
- محتوى : أصلية (صور, منشورات مدونة, فيديوهات), أو نوعية ( فيديو الكرمة مقابل فيديو اليوتيوب).
- أجهزة: هاتف محمول, تابلت, لوحة مفاتيح.
- الجماهير : والجماهير يحركون المحتوى.
أكثر مراحل العمر استخداما :
على الرغم من أن مواقع التواصل الاجتماعي متاحة للجميع إلا أن الشباب هم أكثر نشاطا في استخدامها, فقد وجد سميث (2013) في بحثه أن (84%) من أصحاب الفئة العمرية (18-29) متواجدون على الفيس بوك أكثر من أي فئة عمرية أخرى, وهذه الفئة هي أكثر قابلية لاضطرابات الصحة النفسية الناشئة عن استخدام مواقع التواصل, وقد وجد أن واحد من كل أربعة مستخدمين يعاني من الاكتئاب, وهذه الحالات للأسف في ازدياد مستمر مع الوقت.
الدوافع لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي:
- الإفصاح عن الذات على مواقع التواصل الاجتماعي ينشط منظومة الحافز الداخلي في المخ بنفس طريقة وقوة حوافز أولية كالطعام والجنس.
- الإحتياج للانتماء.
- إشباع احتياج الفرد للشعور بقيمته ونزاهته.
- التواصل مع الأصدقاء الحاليين والقدامى.
- تكوين أصدقاء جدد.
- التواصل مع أفراد العائلة.
- الوصول لشركاء رومانسيين وإقامة علاقات عاطفية.
- قراءة تعليقات المشاهير والسياسيين.
فوائد مواقع التواصل :
• تشير بعض الدراسات أن التواجد على مواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن يكون مفيدا للصحة النفسية.
• عمل بروفايل على الإنترنت والاندماج في نشاط التعبير عن الذات يمكن أن يعزز تقدير الذات ويقلل الإحساس بالاغتراب الاجتماعي.
• الإبداع فيما يضعه الشخص على صفحته يحسن صورة الشخص وربما يسهل له فرص الحصول على وظائف محتملة.
تأثيرات استخدام مواقع التواصل :
• أكدت العديد من الدراسات أن ثمة علاقة بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب والقلق والسلوكيات القهرية والشعور بالوحدة والنرجسية. ويرى الباحثون أن ثمة حاجة لبذل المزيد من الجهد في أبحاث جديدة لمعرفة العوامل التي تؤدي إلى تلك النتائج السلبية مع استعمال وسائل التواصل وكيفية تفاديها.
• في عام (1995) منح مشروع HomeNet فرصة للدخول على الإنترنت لـ (93) ألف شخص لم يكن لديهم اتصال بالإنترنت قبل ذلك وحاول تقصي حالتهم النفسية على مدى سنوات ووجد أن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي كان مصحوبا بدرجات أكبر من الشعور بالوحدة والاكتئاب .
• وفي عام (2012) اشتق Rosen , Cheever , and Crrier كلمة “iDisorder” (بمعنى اضطراب الإنترنت) ليصفوا العلاقة السلبية بين تكنولوجيا الاتصالات والصحة النفسية. وقد وجد الباحثون أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يزيد من احتمالات الإصابة بالاكتئاب الجسيم, واعتلال المزاج, والاضطراب الوجداني ثنائي القطب, والنرجسية, والشخصية المضادة للمجتمع, والسلوكيات القهرية.
ما الذي يجعل مواقع التواصل الاجتماعي سببا للإدمان ؟ :
لاحظ جون جرهول أستاذ علم النفس الأمريكي أن إدمان مواقع التواصل الاجتماعي عملية مرحلية، حيث أن المستخدمين الجدد عادة هم الأكثر استخداماً بسبب انبهارهم بتلك المواقع، ثم بعد فترة يحدث للمستخدم عملية خيبة أمل منها فيحد إلى حد كبير من دخوله عليها، ويلي ذلك عملية توازن الشخص.
بيد أن بعض الناس تطول معهم المرحلة فيسرفون في الدخول عليها ولا يتمكنون من الاستغناء عنها .. ويرى البعض أو حسب بعض الدراسات التي تمت في هذا المجال أن أكثر الناس قابلية للإدمان هم أصحاب الاكتئاب والشخصيات القلقة والذين يعانون من الملل كربات البيوت ويرى آخرون بأن الناس الذين تكون لديهم قدرة خاصة على التفكير المجرد هم أيضاً عرضه للإدمان بسبب انجذابهم الشديد للإثارة العقلية التي يوفرها لهم الكم الهائل من المعلومات الموجودة على تلك المواقع ولا يحس المدمن بالوقت ويتسبب إدمانه في مشاكل كثيرة.
ويبدو أن مصممي شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي قد وضعوا فيها كل العوامل التي تجعلها إدمانية من إثارة وجدة وتغيير وجاذبية وسرعة بحيث يجتذبون ملايين البشر لهذه المواقع فيحققون مكاسب مادية هائلة.
التشخيص :
هناك العديد من الطرق التي يمكن أن يظهر فيها الإدمان على الأشخاص، ويوجد 4 عوامل محتملة تشير إلى اعتماد الأشخاص على منصات التواصل الاجتماعي وفقًا لأندريسن وزملائها:
- تقلبات المزاج: عندما يستخدمها الشخص لتحسين مزاجه أو الهروب من المشاكل الواقعية.
- المرجعية: عندما تسيطر على أفكار الأشخاص على حساب الأنشطة الأخرى.
- الاحتمالية: عندما يزيد الشخص من وقت استخدام منصات التواصل الاجتماعي لتجربة مشاعر عاشها الشخص من قبل أثناء استخدامه لهذه المنصات.
- الانسحابية: عندما لا يستطيع الشخص الوصول إلى منصات التواصل الاجتماعي تتغير عادات نومه وأكله وتظهر أعراض اكتئاب وقلق عليه.
- المشكلات في الحياة الواقعية: عندما يفرط الشخص في استخدام منصات التواصل الاجتماعي فيمكن أن يؤثر ذلك على العلاقات في الحياة الواقعية مع العائلة والأصدقاء.
تصنيفات ونماذج الإدمان
وبالإضافة إلى عوامل أندريسن، وضح غريفثس أن الشخص يكون مدمنا لمنصات التواصل الاجتماعي إذا انطبقت سلوكياته على إحدى هذه الست تصنيفات:
- البروز: عندما تصبح منصات التواصل الاجتماعي هي الجزء الأهم في حياة الأشخاص.
- تغيير المزاج: عندما يستخدم الشخص منصات التواصل الاجتماعي كطريقة للهروب لأنها تشعره بالبرود واللامبالاة كتأثير الخمور.
- الاحتمال: عندما يزيد الشخص من الوقت المستخدم على منصات التواصل الاجتماعي تدريجيًا ليحافظ على شعور الهرب.
- الانسحاب: عندما يشعر الشخص بمشاعر سيئة وأحاسيس جسدية في حالة عدم تمكنه من استخدام منصات التواصل الاجتماعي.
- المشكلات: عندما يسبب استخدام منصات التواصل الاجتماعي المشاكل في العلاقات الشخصية وفقدان الرغبة في المشاركة في أنشطة أخرى ويصبح ذلك غالب على حالة الشخص.
- الانتكاس: عندما يشعر الشخص المدمن سابقًا بالرغبة في العودة لاستخدام منصات التواصل الاجتماعي بنفس النمط المفرط السابق.
وأضاف أن الاستخدام المفرط لأحد الأنشطة مثل التواصل الاجتماعي لا يساوي مباشرةً الإدمان لأنه هناك عوامل أخرى قد تؤدي بالشخص إلى إدمان منصات التواصل الاجتماعي تشمل الصفات الشخصية والقابلية المسبقة.
ولخص توريل وسيرينكو 3 أنواع من النماذج التي قد تكون لدى بعض الأشخاص وتسبب إدمان منصات التواصل الاجتماعي:
- النموذج المعرفي السلوكي: عندما يزيد الشخص من استخدام منصات التواصل الاجتماعي في بيئات غير المعروفة أو في المواقف المحرجة.
- نموذج المهارة الاجتماعية: عندما يمسك الأشخاص هواتفهم ويستخدمون منصات التواصل الاجتماعي لأنهم يفضلون التواصل الافتراضي بدلا من التواصل الواقعي وجهًا لوجه لافتقارهم لمهارة تقديم الذات للآخرين.
- النموذج المعرفي الاجتماعي: عندما يستخدم الأشخاص منصات التواصل الاجتماعي لأنهم يحبون شعور التعليق والإعجاب على صورهم ووسمهم في الصور، وهم مرتبطون بالنتائج الإيجابية التي يحصلون عليها من منصات التواصل الاجتماعي.
وبناء على هذه النماذج، أشار كلاً من “اكسيو وتان” إلى أن التحول من الاستخدام الطبيعي إلى الاستخدام المفرط لمنصات التواصل الاجتماعي يحدث عندما يعتمد عليها الشخص في تخفيف التوتر أو الوحدة أو الاكتئاب أو للحصول على مكافآت مستمرة.
إشكاليات التشخيص كاضطراب نفسي :
والاستخدام المفرط لمنصات التواصل الاجتماعي لم تصنفه منظمة الصحة العالمية أو الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5) على أنه اضطراب، وتشمل الخلافات حول ما إذا كان الاستخدام المفرط لمنصات التواصل الاجتماعي حالة مرضية منفصلة عن باقي الاضطرابات أو حالة تنتج عن اضطرابات نفسية كامنة.
وقد ناقش الباحثون هذا السؤال من وجهات نظر عديدة ولم يتفقوا على تعريف واحد معتمد عالميًا وتسبب هذا في صعوبات في طرح توصيات تستند على براهين. والمشكلة في وضعها كتشخيص ترجع إلى شيوع انتشار متابعة منصات التواصل الاجتماعي بين غالبية الناس، وصعوبة وضع حد فاصل بين الاستخدام العادي الشائع جدا وبين الاستخدام الإدماني المرضي، ولهذا وضعت هذه الإدمانات السلوكية في نهاية الدليل التشخيصي والإحصائي الخامس DSM 5 كحالات تسبب مشاكل وتحتاج لمزيد من البحث قبل تصنيفها إلى اضطرابات نفسية.
العلامات والأعراض :
لوحظ أن الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي مرتبط بأعراض تختص بالصحة النفسية مثل القلق والاكتئاب عند الأطفال وصغار السن، وقد أظهرت دراسة منهجية وتحليل شمولي في عام (2018) أن الاستخدام المفرط للفيسبوك ينتج عنه أثار سلبية على العافية (Well-being) لدى المراهقين وصغار السن، وأوضحت دراسة جماعية على أفراد يبلغون من العمر (15 و16) سنة بأن الاستخدام المتواصل لمنصات التواصل الاجتماعي مرتبط بأعراض من اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة (ADHD).
وعَرَف تقرير تقني صدر عن كلاً من تشاسياكوس وريديسكي وكريستاكيس الفوائد والمخاوف تجاه الصحة النفسية للمراهقين وارتباطها باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وأظهر التقرير أن مقدار الوقت الذي يقضيه الأشخاص في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي هو ليس العامل المهم بل كيفية قضائه لهذا الوقت هي الأهم، ولقد وجد أن المراهقين الأكبر عمرًا والذين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي بدون وعي لديهم تدني في مستوى العافية والرضا عن الحياة وعلى عكس الذين يشاركون في مواقع التواصل الاجتماعي بفاعلية، وأوضح التقرير أيضًا أن هناك علاقة منحنية على شكل حرف U بين الوقت الذي نقضيه في استخدام الإعلام الرقمي وخطر الإصابة بالاكتئاب في كلاً من النهايات المرتفعة والمنخفضة من استخدام الانترنت، ويستطيع الشخص أن يلاحظ مقدار الوقت الذي يقضيه في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي ليعرف ما إذا كان يعاني من حالة ادمان أم لا، وحالات الإدمان هي اضطراب السيطرة على الانفعالات، والتي يمكن أن تؤدي بالشخص إلى فقدان الإحساس بالوقت خلال استخدامه لمواقع التواصل الاجتماعي، على سبيل المثال فإن الساعة السيكولوجية لأحد الأشخاص يمكن أن تمر أبطأ من العادة ويُفقَد وعيهم الذاتي، ولذا يمكن أن يستخدم الأشخاص منصات التواصل الاجتماعي بدون وعي ولفترات طويلة من الوقت، وكذلك فإنه من الشائع للمراهقين في العصر الرقمي أن يستخدموا هواتفهم الذكية لأغراض ترفيهية، وتعليمية، وللأخبار، ولإدارة حياتهم اليومية، ولذا فإن المراهقين هم أكثر عرضة لفعل تصرفات وعادات إدمانية.
الآثار الضارة لإدمان مواقع التواصل الاجتماعي :
المضار الجسمانية : ومنها أضرار تصيب العين نتيجة للإشعاع التي تبثه شاشات الهاتف الذكي، أضرار تصيب العمود الفقري والرجلين نتيجة نوع الجلسة والمدة الزمنية لها، وأضرار تصيب الأذنين لمستخدمي مكبرات الصوت، ثم الأضرار المترافقة مثل البدانة وما تسببة من أمراض مرافقة.
المضار النفسية : يتحدث العلماء النفسانيون عن عالم وهمي بديل تقدمة مواقع التواصل الاجتماعي مما قد يسبب آثار نفسية هائلة خصوصاً على الفئات العمرية الصغيرة حيث يختلط الواقع بالوهم وحيث تختلق علاقات وارتباطات غير موجودة في العالم الواقعي قد تؤدي إلى تقليل مقدرة الفرد على أن يخلق شخصية نفسية سوية قادرة على التفاعل مع المجتمع والواقع المعاش.
المضار الاجتماعية : انسحاب ملحوظ للإنسان من التفاعل الاجتماعي نحو العزلة المدعمة بتطور مائل في وسائط التسلية المتعددة. وهناك أيضاً الأثر في الهوية، فإلى أي درجة تستطيع أي قومية أو ديانه الآن المحافظة على هويتها الثقافية مع هذا الغزو المعلوماتي الهائل والذي يمتلك اسلحته كل من يستطيع إنتاج المعلومات بحجم وزخم هائلين.
المخاطر المحددة للمنصات :
أظهرت الدراسات اختلافات في الحوافز والأنماط السلوكية بين منصات التواصل الاجتماعي وخاصةً عند الاستخدام المفرط لها، وقورنت دراسة في المملكة المتحدة شارك فيها (1479) شخص من بين عمر (14 إلى 24) سنة بين الفوائد النفسية والأضرار من استخدام أكبر خمس منصات تواصل اجتماعي وهي: فيس بوك، وانستغرام، وسناب شات، وتويتر، ويوتيوب، وبالإضافة إلى الأضرار من استخدام الهواتف الذكية وواحدة منها الالتهاء بالهاتف والتي ظهر لها مصطلح باللغة الإنجليزية “phubbing“، ويعني هذا المصطلح ازدراء الآخر بتفقد الهاتف في منتصف محادثة واقعية وجها لوجه مع هذا الشخص، واستخدمت هذه الدراسة للتأكد من الارتباطات المباشرة وغير المباشرة بين العصابية، وصفة القلق، وصفة الخوف من التفويت مع الالتهاء بالهاتف في حالة الخوف من التفويت والاستخدام المفرط للإنستغرام، شارك في هذه الدراسة (423) مراهق وفي سن الشباب بين عمر 14 إلى 21 سنة (53% منهم فتيات)، وأظهرت النتائج أن الفتيات لديهن درجة أعلى من الاتهاء بالهاتف، والخوف من التفويت، والاستخدام المفرط للإنستغرام، وصفة القلق، والعصابية، الاستخدام المفرط لمنصات التواصل الاجتماعي (PSMU) الظاهر في الدراسة والمستخدم في العوامل المؤثرة على التركيبة السكانية والسمات الخمس الكبرى في استخدام منصات التواصل الاجتماعي واستخدام المحفزات في تفضيلات مواقع التواصل الاجتماعي: التركيبة السكانية، والشخصية، ومواقع التواصل الاجتماعي المعروفة، وتأثير استخدام منصات التواصل الاجتماعي على الاستخدام المفرط لها، واحتوت الدراسة على (1008) من الطلاب الجامعيين بين عمر (17 إلى 32) سنة، وفضل المشاركون الانستغرام وسناب شات وفيس بوك والتي سجلت أعلى معدلات من الاستخدام المفرط لمنصات التواصل الاجتماعي، وانتهت الدراسة إلى أن اليوتيوب هو المنصة الوحيدة التي حصلت على تقييم إيجابي بناء على 14 سؤال متعلقة بالصحة والعافية ويتبعه تويتر ومن ثم الفيس بوك وسناب شات واخيرًا إنستغرام، حصل إنستغرام على أقل نسبة، ولقد عرف بأن لديه بعض المزايا مثل التعبير عن الذات والهوية الذاتية والمجتمع ولكن كلها تتلاشى أمام تأثيره السلبي على النوم، وصورة الجسم، والخوف من التفويت والذي يعرف أيضًا بمتلازمة FOMO.
الحد من استخدام منصات التواصل الاجتماعي:
أجريت دراسة للحد من استخدام منصات التواصل الاجتماعي لمدة (3) أسابيع على طلاب جامعيين (108) أنثى و (53) ذكر في جامعة بنسلفينيا، وطُلِب من المشاركين أن يكون لديهم حسابات في فيس بوك، وإنستغرام، وسناب شات على جهاز أيفون قبل بدء الدراسة، تقوم الدراسة على ملاحظة عافية المشاركين من خلال إرسال استبيان لهم في بداية التجربة وفي نهاية كل أسبوع، وسُئِل الطلاب عن عافيتهم في كلًا من: الدعم الاجتماعي، والخوف من التفويت، والوحدة، والقلق، والاكتئاب، وتقدير الذات، والاستقلالية، وتقبل الذات، وأظهرت نتائج الدراسة أن الحد من استخدام منصات التواصل الاجتماعي إلى (10) دقائق لكل منصة في اليوم له تأثير إيجابي على العافية، فالوحدة وأعراض الاكتئاب قلت عند المجموعة التي وضعت حد لاستخدام منصات التواصل الاجتماعي، ويؤثر الاستخدام المحدود لمنصات التواصل الاجتماعي على الطلاب الذين يعانون من أعراض اكتئاب بدرجة أكبر إذا كانوا قد بدأوا التجربة بمستويات عالية من الاكتئاب، بدأ بعض الناس بفهم الحقيقة التي تقول بأن استخدام منصات التواصل الاجتماعي يضر الصحة العقلية، ويعتقد البعض أن استخدامهم لمنصات التواصل الاجتماعي سيحفزهم، ولكن يمكن أن تشعر بشعور سيء بعد استخدامك لها خصوصًا بالاعتماد على كيفية قضائك للوقت عليها، وأثبتت العديد من الدراسات وجود ارتباط بين كثرة استخدام منصات التواصل الاجتماعي وسوء الصحة العقلية متضمنة: الاكتئاب، والقلق، والإحساس بالوحدة والانعزال، وانخفاض تقدير الذات، وحتى السلوك الانتحاري.
أكدت دراستان جديدتان على هذه الحقيقة ولم تظهر ترابط بينهم فقط بل أيضًا سببية، وبعبارة أخرى تغيير معدل الوقت الذي تقضيه في استخدام منصات التواصل الاجتماعي يؤثر بنسبة ملحوظة على الصحة العقلية. أجريت الدراسة الأولى في جامعة بنسلفانيا ونشرت في مجلة علم النفس الاجتماعي والإكلينيكي، وطلبت من (140) طالب جامعي إما أن يكملوا استخدامهم الاعتيادي لفيس بوك وإنستغرام وسناب شات أو أن يضعوا وقت محدد وهو (10) دقائق لكل منصة والمجموع (30) دقيقة، وأعطى المشاركون بيانات دقيقة من هواتفهم تظهر الوقت الذي يقضونه في استخدام التطبيقات بدلاً من الاعتماد على الذاكرة التي قد لا تكون دقيقة، قبل وبعد هذه الخطوة يطلب من المشاركون ملئ استبيانات حتى يستطيع الباحثون فهم حالتهم النفسية، واهتموا خصيصًا بالقلق، والاكتئاب، والوحدة، والأكثر شهره “الخوف من التفويت“ FOMO، وكما توقع الباحثون، الأشخاص الذين وضعوا وقت محدد (30 دقيقة) لاستخدام منصات التواصل الاجتماعي شعروا بتحسن بعد فترة 3 أسابيع، وأفادوا بانخفاض الاكتئاب والوحدة وخصوصًا الذين جاؤوا للدراسة بمعدل اكتئاب عالي، ومن المثير للاهتمام أن المجموعتين أفادوا بانخفاض الخوف من التفويت FOMO والقلق، وفي النهاية، يرى الباحثون أنه لربما هذه فائدة ناتجة عن زيادة مراقبة الذات.
المقاييس :
الاستخدام المفرط لمنصات التواصل الاجتماعي دائمًا ما كان محط اهتمام لأكثر من عقد، وهناك العديد من المقاييس التي طورت واعتمدت لتساعد في فهم مشكلة الاستخدام المفرط لمنصات التواصل الاجتماعي :
* وأول هذه المقاييس مقياس مكون من 8 وحدات لتقدير استخدام الفيس بوك، وأُستخدم مقياس شدة استخدام الفيس بوك FBI عدة مرات وأظهر موثوقية وصحة جيدة، ويشمل هذا المقياس 3 مجالات فقط من المشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي والذي جعله ناقصًا، وعلى الرغم من أن مقياس شدة استخدام الفيس بوك كان مقياسا جيدا ولكن ينقصه جزء ضروري وهو سبب الاستخدام، ويدرس مقياس شدة استخدام الفيس بوك متعدد الأبعاد (MFIS) أبعادا مختلفة من الاستخدام تشمل الاستخدام المفرط وسبب الاستخدام، ويتكون مقياس شدة استخدام الفيس بوك متعدد الأبعاد من (13) وحدة واستخدم على عينات عديدة، فمقياس (MFIS) لديه أيضًا مصداقية وجودة مصمم لاستخدام الفيس بوك ولكن منصات التواصل الاجتماعي تحتوي على منصات كثيرة وليس فقط الفيس بوك>
* صُمِمَ مقياس شدة التفاعل على شبكات التواصل الاجتماعي (SNAIS) لقياس وتيرة الاستخدام لمنصات عديدة ويدرس (3) جوانب من التفاعل من خلال استبيان مكون (14) وحدة، وينظر المقياس لأسباب الاستخدام سواء للترفيه أو التواصل والمقياس ككل ولديه مصداقية وجودة مقبولة>
* مقياس اضطراب التواصل الاجتماعي SMD هو مقياس مكون من (9) وحدات مصمم لدراسة الإدمان على استخدام منصات التواصل الاجتماعي ويصل إلى عمق المشكلة، ويستخدم هذا المقياس إلى جانب مقاييس أخرى ويقيس الإدمان على منصات التواصل الاجتماعي. وقد جُرِب مقياس SMD وأثبت مصداقيته وجودته، ويمكن أن تستخدم هذه الأداة لوحدها أو إلى جانب مقاييس أخرى للأبحاث المستقبلية.
تأثيرات استخدام مواقع التواصل :
• أكدت العديد من الدراسات أن ثمة علاقة بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب والقلق والسلوكيات القهرية والشعور بالوحدة والنرجسية. ويرى الباحثون أن ثمة حاجة لبذل المزيد من الجهد في أبحاث جديدة لمعرفة العوامل التي تؤدي إلى تلك النتائج السلبية مع استعمال وسائل التواصل وكيفية تفاديها.
• في عام (1995) منح مشروع HomeNet فرصة للدخول على الإنترنت لـ (93) ألف شخص لم يكن لديهم اتصال بالإنترنت قبل ذلك وحاول تقصي حالتهم النفسية على مدى سنوات ووجد أن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي كان مصحوبا بدرجات أكبر من الشعور بالوحدة والاكتئاب.
• وفي عام (2012) اشتق Rosen ، Cheever ، and Crrier كلمة “iDisorder” (بمعنى اضطراب الإنترنت) ليصفوا العلاقة السلبية بين تكنولوجيا الإتصالات والصحة النفسية. وقد وجد الباحثون أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يزيد من احتمالات الإصابة بالاكتئاب الجسيم، واعتلال المزاج، والإضطراب الوجداني ثنائي القطب، والنرجسية، والشخصية المضادة للمجتمع ، والسلوكيات القهرية.
زيادة معدلات القلق والاكتئاب :
• حدث تزامن بين ارتفاع نسبة الشباب الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي إلى (91%) من الشباب، وارتفاع معدلات الاكتئاب إلى أكثر من (70%) في الـ (25) سنة الأخيرة، وهذا ربما يشير إلى ثمة علاقة سببية بين هذا وذاك.
• وهناك العديد من الدراسات رصدت الارتباط بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وارتفاع معدلات القلق والسلوكيات القهرية، وهناك دراسة حديثة أجريت على مجموعة من البريطانيين عام 2012 (Anxiety ، UK ، 2012) وجدت أن (45%) منهم يشعرون بالقلق وعدم الارتياح حين لا يستطيعون الدخول على البريد الإلكتروني أو مواقع التواصل الاجتماعي .
• ووجد (Rosen et al.، 2013) أن الأجيال الأصغر يتصفحون وسائل التواصل ربما كل ساعة أو كل (15) دقيقة وربما طول الوقت، ووجد أن هذه الفئة تصاب بالقلق أكثر حين لا يتمكنون من تصفح وسائل التواصل الاجتماعي.
• وقد اشتق تعبير لتلك الحالة من التواصلية المستمرة وهو “زملة الشبح الاهتزازي“، وهي إدراك اهتزاز من التليفون المحمول على الرغم من عدم وجود اهتزاز حقيقي، وقد لوحظت هذه الظاهرة لدى عدد كبير من الناس. وهذه الظاهرة تعكس مظاهر القلق الذي يحدثه التليفون المحمول لدى هؤلاء الموسوسين بتتبع مواقع التواصل الاجتماعي ووجد أن الوقت الذي يقضيه طلاب المدارس العليا يتناسب طرديا مع درجة الاكتئاب الناشئة.
• وفي دراسة على طلبة الجامعة في أمريكا تبين أن ازدياد تصفح وسائل التواصل الاجتماعي يكون مصحوبا بالشعور بالوحدة وتدني الشعور بالذات.
الصورة المثالية ونقص تقدير الذات :
يقول دكتور راشيل مايشاك بأن وسائل التواصل الاجتماعي تعزز تكوين صورة مثالية للذات. ومن ناحية أخرى وجد أن الفيس بوك وانستجرام يمكن أن ينتج عنهما شعور منخفض بالذات وشعور بعدم الجدارة إذا لم يحدث استجابة كافية لما يضعه الشخص على صفحته، أو بمقارنة نفسه بما يراه على صفحات الآخرين من مظاهر بذخ وشهرة ورفاهية.
المكتئبون أكثر استخداما لمواقع التواصل :
لوحظ أن من لديهم أعراض اكتئاب يدخلون بشكل أكثر على مواقع التواصل الاجتماعي، والأمر يحتاج لمزيد من الدراسات لمعرفة طبيعة العلاقة بين الإثنين فهل استخدام مواقع التواصل الاجتماعي تؤدي إلى الاكتئاب، أم أن المكتئبون يلجأون لمواقع التواصل الاجتماعي كمحاولة للتخفيف من اكتئابهم فيفاجئون بازدياده.
الغيرة :
لا شك ان وسائل التواصل الاجتماعي تثير قدرا كبيرا من الغيرة، حيث اعتاد الناس أن يتحدثوا أكثر عن إنجازاتهم وممتلكاتهم ورحلاتهم ونجاحاتهم ويعرضون صورا لكل ذلك، بينما يخفون فشلهم وإخفاقهم عن متابعيهم. وهذا لا ينفي أن بعض مستخدمي وسائل التواصل خاصة في العالم العربي أصبحوا ينشرون أخبار وفياتهم وموضهم وحوادثهم درءا للحسد.
نوعية التواصل (إيجابي أو سلبي).. عامل مهم :
والتأثير على الصحة النفسية لا يتوقف على استخدام وسائل التواصل بشكل عمومي، ولكن يتوقف أكثر على نوعية التواصل، فقد وجدت الأبحاث أن الذين يتواصلون بشكل إيجابي مع أصدقائهم وأحبائهم وأقاربهم، بينما الذين يستخدمونها بشكل سلبي انعزالي ملئ بالصراعات والغيرة والخلافات الفكرية والأخبار المزعجة يكونون أكثر عرضة لاضطرابات الصحة النفسية وخاصة الاكتئاب.
مواقع التواصل والنرجسية :
وجد رُسين (Rosen 2013) أن الأشخاص ذوي المستويات العالية من النرجسية ويستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي بكثرة يصابون بالاكتئاب بدرجة أقل، ووجد أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي تعزز النرجسية، وأن النرجسيين أكثر إقبالا على مواقع التواصل، ربما لأنهم يجدون فيها الفرصة لاستعراض ذواتهم المتضخمة والحديث عن نجاحاتهم وإنجازاتهم والاستمتاع بإعجاب وتشجيع وانبهار المتابعين لهم.
تأثير السلوكيات الكسولة على الصحة النفسية :
السلوكيات الكسولة هي تلك التي تتضمن الجلوس أو الاتكاء لفترات طويلة وتستهلك طاقة قليلة, وهذا ما يحدث في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي, وهذا يؤدي إلى مخاطر صحية كثيرة مثل الإصابة بمرض السكري أو السمنة أو أمراض القلب أو زملة الأيض. أما تأثير تلك السلوكيات الكسولة على الصحة النفسية فلم يدرس بعد بشكل واف, ولكن الملاحظات تشير إلى درجات مرتفعة من الاكتئاب والقلق واضطرابات النوم وانخفاض الدافع للعمل والإنجاز واضطراب العلاقات الاجتماعية.
السلوك المزاح :
بمعنى أن خريطة النشاط تزاح في اتجاه سلبي, فالأشخاص الذين يقضون وقتا طويلا في السلوكيات الكسولة (مثل مستخدمي وسائل التواصل) يكون لديهم وقت قليل للتفاعل الاجتماعي والأنشطة الجسدية, تلك الأشياء التي تشكل وقاية ضد الاضطرابات النفسية. وهنا يصبح التأثير السلبي (طبقا لنظرية الإزاحة) ليس فقط بسبب مباشر من استخدام وسائل التواصل بشكل مفرط ولكن لغياب الأنشطة الأخرى المهمة للصحة النفسية.
اضطراب النوم نتيجة الضوء الأزرق :
وجد (Wright et al, 2013) أن الأشخاص الذين يخيمون لمدة أسبوع على الجبال الصخرية ويتعرضون للضوء الطبيعي بعيدا عن الوسائل الإلكترونية, يحدث لديهم تناغم بين الساعة البيولوجية للمخ وبين شروق وغروب الشمس. أما في ظروف حياتنا العصرية الضاغطة والمزدحمة فإن الساعة البيولوجية للمخ تكون عرضة لاضطرابات كثيرة, فنومنا ليس طبيعيا بسبب رفقاء الوسادة مثل التليفون المحمول واللاب توب. وقد وجد أن شاشات الأجهزة الإلكترونية مثل الكومبيوتر واللاب توب والتليفون المحمول تصدر موجات من الضوء الأزرق يؤثر في دورات النوم عن طريق تأثيره على إفراز مادة الميلاتونين التي تعتبر كيمياء المخ. وطبقا لأبحاث (Holzman, 2010) فإن موجات الضوء الأزرق المتضمنة في الضوء الصناعي يشكل خطورة قصوى على الإنسان, وهو يثبط إفراز الميلاتونين عن طريق تأثيره على حساسات معينة في شبكية العين.
ممارسة المهام المتعددة وتأثيرها على الصحة النفسية :
إن التغير السريع للمهام (أو ما يدعى تعددية المهام) الذي تدفع إليه وسائل التواصل الاجتماعي, ربما يكون أحد الأسباب الرئيسة للاكتئاب (Rosen et al 2013). وعلى الرغن من أن تعددية المهام هي إحدى السمات الإنسانية, إلا أن الوسائل التكنولوجية الحديثة قد شجعتها وعززتها من خلال تعددية نوافذ الكومبيوتر, وتعددية التطبيقات على شاشة الهاتف الذكي, والنطاق الواسع للمؤثرات والمشتتات البصرية والسمعية من خلال وسائل تواصل عديدة على طرف أصابعنا في كل ثانية من يومنا, وهكذا أصبحت تعددية المهام هي قاعدة حياتنا العصرية وليست استثناءا فيها, ومن هنا نفهم لماذا تتزايد نسب الاكتئاب والانتحار في العقود الأخيرة خاصة لدى المراهقين والشباب وحتى الأطفال. فنحن أمام مخ تمت صياغة مساراته وخرائطه تحت تأثير قصف غير مسبوق من المحفزات السمعية والبصرية تشكل مشهدا فسيولوجيا وكيميائيا غير مسبوق.
كيف تؤثر العزلة الاجتماعية على الصحة النفسية :
لاحظ (Umberson, 2012) أنه خلال مراحل التاريخ المختلفة كانت أحد أهم وسائل التعذيب والتدمير النفسي للإنسان هي العزل الاجتماعي في زنازين انفرادية. فالعزل الاجتماعي حتى للأشخاص الأسوياء يؤدي إلى تدهور وتفكك في الوظائف الجسمية والنفسية, وقد يؤدي إلى الوفاة. وعلى الجانب الآخر وجد أن الأشخاص الذين يتمتعون بعلاقات اجتماعية جيدة يتمتعون بصحة جيدة ويعيشون عمرا أطول ويكونون أكثر سعادة. وقد ثبت من خلال الكثير من الأبحاث والمشاهدات اليومية أن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي يؤدي إلى عزلة اجتماعية شديدة, فالكثير من المراهقين والشباب وحتى الكبار قد يمكثون لساعات طويلة ممسكين بالهاتف الذكي أو اللاب توب أو الآي باد أو التاب, ويفقدون اتصالهم بالعالم الواقعي تماما ويتوقفون عن دراستهم وأعمالهم وعلاقاتهم وهواياتهم, وتتدهور بالتالي صحتهم الجسمانية والنفسية ويصابوا بحالات من الاكتئاب, وفقدان الشغف بكل شيء في الحياة, وتبدو عليهم علامات الإدمان واضحة, ومع ذلك يعيشون حالة من الإنكار – مثل أي مدمن – ويقاومون أي محاولة لإخراجهم من هذه الحالة, ويدخلون في نوبات من العصبية والهياج وربما العنف إذا حاول أحد المقربين تنبيههم أو منعهم من هذا الاستخدام الإدماني لهذه الوسائل. ونرى في حياتنا شبابا ومراهقين وقد أغلقوا على أنفسهم غرفهم واحتضنوا هاتفهم تحت البطانية وظلوا معه طوال ساعات يقظتهم وانسحبوا من الحياة بشكل كامل ليعيشوا في فضاء إلكتروني خادع ومدمر ولكنه بالنسبة لهم جديد وممتع.
كيف تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي على العلاقات الاجتماعية ؟ :
طبقا لما نشره (Sherry Turkle, 2012) فإن وسائل التواصل تشكل إغواءا شديدل لمستخدميها فهي تعطي وهم الصحبة دون مطالب الصداقة. وبالتأكيد فإن وسائل التواصل كان لها أثر كبير على كيفية تواصل الناس على شبكات التواصل, ولكن كيف ؟ وكيف أثرت على نوعية التواصل وعلى الصحة النفسية وعلى العلاقات الاجتماعية. هناك العديد من المسارات التي يمكن من خلالها أن نفهم كيف أثرت وسائل التواصل على نوعية العلاقات الاجتماعية وعلى الصحة النفسية نذكر منها :
- فقدان الخصوصية: فالتواصل على الفيسبوك مثلا يكون مشهودا لكثير من الناس وبذلك يخرج عن نطاق الخصوصية الشخصية.
- الخوف من الفقد: فالعلاقة على وسائل التواصل تنتهي في لحظة بعمل “مسح” أو “إغلاق” (Delete or Block)
- المقارنة: حيث يقارن الشخص نفسه بمن حوله, فيجد أن كثيرين منهم ينشرون الأشياء الجميلة والمغرية في حياتهم مما يجعله يشعر بالدونية والأسى ويرى نفسه سئ الحظ بما يراه من حياة الآخرين التي تعكس البذخ والرفاهية والنجاحات والإنجازات, وهو لايدري ذلك الميل لدى مستخدمي وسائل التواصل في إظهار الجانب المضئ في حياتهم.
- التأثير على العلاقات العاطفية والزواجية: تظهر الدراسات أن الفيسبوك كثيرا ما حطم علاقات بين الجنسين نتيجة لعوامل الغيرة والشك واتهامات الخيانة من خلال ظهور طرف ثالث يهدد حصرية العلاقة, قد يكون حبا قديما أو زواجا سابقا أو علاقة سرية أو حتى إعجابا عابرا, وقد يكون هذا حقيقيا أو متخيلا. وإن لم يكن أي شئ من هذا فقد تتدهور العلاقة بسبب الجلوس القهري لساعات طويلة على وسائل التواصل مما يعطل العلاقة بين الحبيبين أو الزوجين.
كيفية التعامل مع الآثار الضارة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي :
• لا يوجد علاج مخصص لهذه المشكلة ولكن هناك أبحاث من مواضيع ذات صلة كاضطراب إدمان الإنترنت وقد فكر الباحثون بإيجاد علاج لهذا الاضطراب ولكن يحتاجون لإجراء أبحاث إضافية.
وقد أصدرت الاكاديمية الأمريكية لطب الأطفال توصية للوقت الذي يقضيه الأطفال والأُسر أمام الشاشة تشمل بعض التدخلات العلاجية مثل :
- المساعدة الذاتية وتشمل استخدام مؤقت للتطبيقات.
- العلاج السلوكي المعرفي
- دعم المنظمات والمدارس.
• لم تثبت فعالية العقاقير في التجارب العشوائية المُحكَمة للحالات المتعلقة باضطراب إدمان الإنترنت أو اضطراب ألعاب الفيديو, ومع ذلك هناك نسبة من الحالات تتحسن مع استخدام مانعات استرداد السيروتونين النوعية (م.ا.س.ا SSRIS) على أساس أنها تعالج الاستخدام القهري والإدماني لمواقع التواصل وتعالج أيضا حالات القلق والاكتئاب المصاحبة أو الناتجة عن الاستخدام المفرط.
• الشركات التقنية : صانعو المشكلة يقدمون الحل :
بينما يزداد الوعي تجاه هذه القضايا تعاونت مجتمعات تقنية وطبيه لتطوير حلول جديدة، فقد أصدرت شركة أبل تطبيق طرف ثالث يعرف بـ”وقت الشاشة” وأدرجته في هواتفها كجزء من تحديثها في النسخة الثانية عشر (IOS 12), وطورت شركة تقنية ألمانية هاتف أندرويد مصمم خصيصًا لكفاءة وتقليل وقت الشاشة، وأصدرت نيوز كروب طرق عديدة لتقليل وقت الشاشة، وأعلنت فيس بوك وإنستغرام عن أداة جديدة يعتقدون بأنها ستساعد في تخفيف الإدمان على منتجاتهم، وفي مقابلة لرئيس الشؤون العالمية لفيس بوك نيك كليج أدعى أن فيس بوك عملت كل ما في وسعها لتجعل من منصتها مكانا آمنا وخاصة لصغار السن، وعملت فيس بوك للتغيير معترفة بمسؤوليتها الهامة تجاه مجتمعات العالم والتنظيم الذي دعت إليه الحكومات.
• وبعض الناس يرون أن الحل لهؤلاء الذين يتأثرون سلبيا بوسائل التواصل الاجتماعي هو الابتعاد عنها تماما, وهناك مجموعات تنادي بذلك وتتبناه وتتحدث عن مشوار تعافي مشوا فيه وتعافوا فعلا من هذه الوسائل التكنولوجية وأصبحوا يتمتعون بصحة نفسية جيدة.
• ولكن قد يكون هذا صعبا أو مستحيلا لدى بعض الناس الذين ترتبط أعمالهم ومصالحهم وعلاقاتهم بوسائل التواصل الاجتماعي, وهؤلاء يحتاجون لزيادة الوعي بمخاطر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي التي ذكرناها, ومعرفة حدود الاستخدام المفرط وعلامات إدمان وسائل التواصل.
• وكما نمت لدينا مهارات استخدام وسائل التواصل الاجتماعي واستفدنا منها كثيرا فإننا نحتاج أن تكون لدينا مهارات السيطرة عليها والتحكم فيها, ولهذا طرق كثيرة فمثلا هناك دورات في بعض البلدان للتدريب على السيطرة على استخدام وسائل التواصل والتدريب على الإستعمال الآمن لها, وهناك تطبيقات على الإنترنت تساعد المستخدمين على ذلك, وهناك أصوات تنادي بأن يكون ذلك جزء من المناهج الدراسية في المدارس والجامعات.
• وتشترك كل برامج الوقاية في إجراء اختبارات لمعرفة درجة التورط في الاستخدام المفرط, ووضع حدود زمنية للإستخدام لا يتعداها الشخص, وإذا لم يستطع التحكم يتم سحب الهاتف الذكي منه لفترة لا تقل عن شهر حتى يتعافى من إدمانه ثم يعود إليه بشروط جديدة لاستخدامه, وإذا لم يستطع التحكم يسحب منه الهاتف الذكي لمدة أطول, وقد يكتفي باستخدام هاتف بسيط لا يحتوي على الإنترنت.
• ونحتاج لكي نتعافى من الآثار السلبية لاستخدام مواقع التواصل أن نحافظ على تعددية وتكامل أنشطتنا الحياتية بحيث ننظم أوقاتنا بين أنشطة رياضية وأخرى ثقافية وثالثة اجتماعية ورابعة روحية وخامسة إلكترونية وسادسة ترويحية…. وهكذا حتى لا نقع في فخ إدمان وسائل التواصل الاجتماعي فتبتلع كل وقتنا وجهدنا واهتمامنا فتدمرنا ونحن في حالة سكر إلكتروني خادع.
انتهى.