عندما يتعلق الأمر بتنفيذ الاستراتيجية فإن المقولة القديمة التي مفادها أن “الشيطان” في التفاصيل ينطبق على الكثير من المنظمات كما يشير إلى ذلك البروفيسور Lawrence G. Hrebiniak استاذ الادارة بجامعة “وارتون”.
يضيف البرفيسور Hrebiniak أن التنفيذيين يساهمون وعن طيب خاطر وإقبال كبير في تطوير استراتيجيات جديدة، لكنهم يتلكؤن عندما يتعلق الأمر بتنفيذ هذه الاستراتيجيات، حيث نجد أن أداؤهم في هذه الناحية لا يرقى للمستوى المطلوب. لأنه يُنظر إليه في العادة -أي التنفيذ- على أنها مهمة متدنية أو أقل أهمية.
البروفيسور Hrebiniak، الذي أصدر مؤخراً الطبعة الثانية من كتابه Making Strategy Work يشرح في المقابلة التي اجرتها معه النشرة التابعة لجامعة “وارتون” أهمية أن تنشئ الشركات “ثقافة تنفيذ” للإستراتيجيات حتى تحقق تلك الاستراتيجيات مقاصدها.
ويشرح الاسباب التي تجعل الشركات تميل لتركيز جهود أكبر على الاستراتيجية، وجهود أقل على تنفيذ تلك الاستراتيجية، حيث يقول: إن تنفيذ الاستراتيجية يتطلب الكثير من الوقت والكثير من الأفراد، ويتطلب اعتبار وتكامل العديد من المتغيرات والنشاطات الرئيسة، ويتطلب تغذية مرتجعة فاعلة و نظام ضبط للحفاظ على التركيز المطلوب لعملية التنفيذ على مدى الأيام. مرحلة التخطيط الاستراتيجي هي في العادة الأكثر تركيزاً والأقل فترة زمنية بالمقارنة مع مرحلة التنفيذ. حيث تتعامل مرحلة التخطيط الاستراتيجي في الغالب مع القضايا المفاهيمية المثيرة للاهتمام والتي هي محبوبة لدى الكثير من المديرين. كما أن طول وقت التنفيذ يؤثر على التطور والتغيرات التي يجب تعيينها مع مرور الوقت- مثلاً، تحولات الوجهة للمديرين، ردة فعل المنافسين تجاه الاستراتيجية ، التغيرات الاقتصادية والظروف التنافسية، وتغير هيكل الصناعة والقوى…الخ- مما يشير إلى أهمية وصعوبة التكيف التنظيمي خلال عملية التنفيذ.
الحفاظ على انخراط والتزام المديرين والمتخصصين تجاه متطلبات التنفيذ لفترة زمنية طويلة هو أمر صعب نوعاً ما؛ فبعض المديرين إما يستسلمون أو يحولون اهتمامهم صوب مشكلات تطويريه وفرص أخرى، ويقلصون بالتالي الجهد المطلوب في تنفيذ الخطط والنشاطات. بالنسبة لبعض المديرين تكون القضايا ذات العلاقة بالتنفيذ ليست مثيرة ولا منطقية، مما ينجم عنه حماسة واهتمام أو طاقة أقل مما هو مطلوب في هكذا نشاط. هذه العوامل، بالإضافة لعوامل أخرى تزيد من صعوبة تنفيذ الاستراتيجية وتجعل المديرين يتجنبون المتطلبات التنفيذيه الحاسمة.
المفتاح هنا هو الدعم الإداري- من القمة للقاع- لإنشاء وترسيخ ثقافة التنفيذ وصون التركيز على التنفيذ ومنافعه. ويضيف البروفيسور Hrebiniak أنه لاحظ من خلال سنواته الطويلة في هذا الحقل الأخطاء التالية التي ترتكبها الشركات فيما يخص عملية تنفيذ الاستراتيجية :
ü النظر لعملية تنفيذ الاستراتيجية على أنها مهمة منخفضة المستوى والأهمية، حيث يعتبر كبار المديرين أن القرارات والنشاطات المتعلقة بتنفيذ الاستراتيجية هي بطريقة ما أقل من مستواهم.
ü يفترض المديرين أن التنفيذ هو اجراء أو قرار سريع، وينسون أو يتناسون أن تنفيذ الاستراتيجية هي عملية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمتغيرات والقرارات والإجراءات الرئيسة.
ü الفشل في رؤية وتقدير الاعتماد المتبادل أو التفاعلات بين العوامل الرئيسة- مثل الاستراتيجية، الهيكلة، المبادرات، الضوابط، التنسيق، الثقافة، التغيير…الخ- هو خطأ فادح ينتقص من نجاح عملية تنفيذ الاستراتيجية.
ü من الأخطاء المتكررة أن يتم النظر للاستراتيجية الجيِّدة على أنها كافية للتحفيز للتنفيذ. حيث يتم الافتراض أن التنفيذ القوي سوف يتحقق بصورة طبيعية بعد أن يرى الأفراد منافع ومنطقية الخطة الاستراتيجية ويتصرفون بناءً على ذلك لتعزيز نجاح التنفيذ. هذا الافتراض نادراً ما يكون صحيحاً، هذا إن لم يكن غير موجود؛ فالتنفيذ يتطلب عملاً مضنياً، وتوصيل الاجراءات والمزايا، وتحفيز فاعل حتى ينخرط المديرين في عملية التحفيز. يحتاج المديرين إلى توجيه منطقي عن ادوارهم في برنامج التنفيذ لإنجاح الاستراتيجية.
ü الخطأ الآخر هو الافتراض أن حتى الاستراتيجية السيئة أو غير السليمة يمكن إنجاحها عن طريق التنفيذ الجيِّد. إن الاستراتيجية السيئة لا يمكن أن تتحول إلى أخرى ناجحة عن طريق العمل المضني في تنفيذها. لابد في المقام الأول من استراتيجية جيِّدة فهي اساسية لتنفيذ قوي. “الشح” في مرحلة صياغة الاستراتيجية لا يقود إلا في اتجاه الإصابة بصداع مزمن في التنفيذ.
ü كذلك من الأخطاء التي تهدد عملية تنفيذ الاستراتيجية عدم وجود خطة تنفيذ قوية. فكل خطة استراتيجية تتطلب عنصر أو خطة التنفيذ؛ أي خطة عمل يجب أن تدعمها خطة تنفيذ. خطة أو عنصر التنفيذ يجب أن ترسم بوضوح القرارات والإجراءات الرئيسة المطلوبة لإنجاح الإستراتيجية، يجب توضيح الاعتماد المتبادل والتفاعلات بين العناصر الرئيسة، وأن تكون مفهومة بصورة جيِّدة. يجب توضيح المسئولية والمساءلة بخصوص القرارات والإجراءات المتفق عليها مع مجالات تداخل المسئوليات والحاجة للتعاون التي رسمها والتزم بها كبار الموظفين. الفشل في تطوير خطة تنفيذ هي مشكلة أو خطأ ينتهي عادةً بأداء كارثي. إن افتراض أن التنفيذ يحدث أو سوف تنساب بسلاسة هو خطأ كبير.
ü هناك أيضاً خطأ كبير نابع من سوء فهم الهيكلة التنظيمية. عدم فهم أدوار ومنافع الهيكلة أو التصميم يقود إلى مشكلات خطيرة. معاملة الهيكلة على أنها مرحلة لاحقة أو شيء يتغير بتغيُّر هوى المدير أو الأهواء وليس كاستجابة لمتطلبات الاستراتيجية تمثل مشكلة أو خطأ رئيسي. إن للهيكلة دوراً تلعبها؛ فهي تؤثر على العديد من الأشياء، مثل الكفاءة، والفاعلية، الاقتراب من الأسواق والعملاء…الخ. قلة فهم دور الهيكلة في إنجاح الاستراتيجية يقود في العادة إلى مشكلات.
ü من الأخطاء كذلك المصاحبة لعملية تنفيذ الاستراتيجية عدم ايلاء الاهتمام الكاف والمناسب لإدارة التغيير. خطط التنفيذ تقتضي في كثير من الأحيان الحاجة لإجراء تغيير ما، والقصور في ادارة التغيير يقود لمقاومة جهود التنفيذ الجديدة.
المصدر : مجلة المدير | Dec 2013