يقُولُ اللهُ عز وجل تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٥٧) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (٥٨) ﴾ [ يونس ]
القرآن الكريم هوَ كلامُ ربنا ، وهوَ أقدسُ شيءٍ في حياتنا ، وهوَ فضلُ اللهِ علينا ، وفي هذهِ الآيتينِ الكريمتينِ يذكرنا ربنا جلَ وعلا بنعمةٍ عظيمةٍ أنعمها علينا ، ومنهُ امتنها على خلقهِ أجمعينَ بما أنزلَ إليهمْ منْ القرآنِ العظيمِ على رسولهِ الكريمِ – صلى اللهُ عليهِ وسلمَ – ؛ هوَ قرةُ أعينَ المسلمينَ ، وربيعْ قلوبُ الموحدينَ ، وجلاءُ أحزانِ المخلصينَ لدينِ ربِ العالمينِ ؛ فيهِ الوعظُ والتذكيرُ والهدى والشفاءُ ، وفيهِ البيانُ والتبيانُ ؛ فهوَ في قلوبِ المسلمينَ أغلى منْ أرواحهمْ ؛ إذْ هوَ سببُ عزهمْ وفلاحهمْ ، ورفعتهمْ ونجاحهمْ ؛ ولأنهُ كلامُ ربنا سبحانهُ وتعالى بلغة حفظتْ منذُ نزولهِ على رسولهِ إلى أنْ يأذنَ اللهُ تعالى برفعهِ منْ الصدورِ والسطورِ ؛ فهوَ أعظمُ وسيلةٍ في الدعوةِ إلى اللهِ ، وهوَ سببُ الهدايةِ.
هذا العملِ الدنيءِ والجرمِ الكبيرِ الوطيءَ ؛ تتغيظْ لهُ القلوبُ المؤمنةُ المخلصةُ ، الذي هوَ قلبُ المؤمنِ الحقِ الذي يجبُ أنْ يكونَ كذلكَ ، فجهودُ المجرمينَ منْ الأعداءِ اليومِ كحال أسلافهمْ متواصلةً لصدِ المؤمنينَ عنْ هذا القرآنِ الذي هوَ منارْ هدايةً ، ومصدرَ عزٍ وقوةٍ ووقايةٍ ، فهمٌ صدوا عنْ هذا القرآنِ لما نزلَ، قال الله تعالى : ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (٨)﴾ [الصف].
وهاهم اليومَ وفي كلِ وقتٍ يبذلونَ الجهودُ وبكلِ شكلِ منْ أشكالِ الصدِ، وقدْ بلغَ الخوفُ والذعرُ منْ هذا القرآنِ مبلغهِ مما تسببَ باضطرابِ نفوسهمْ ، وهلعَ قلوبهمْ ؛ فعمدَ شرارهمْ إلى تمزيقهِ وحرقهِ إهانةً لهُ وتعديا على أعظمَ وأجلَ كتابٌ في هذهِ الدنيا .
وهذا الغيظُ والألمُ يدعونا – معاشر المسلمينَ – إلى التمسكِ بكتابِ ربنا وتعليمهِ ودعوةِ الناسِ إليهِ ونشرهِ بينَ المجتمعاتِ .
وأيضا هذهِ الحوادثِ هيَ ابتلاءٌ لنا لينظر كيفَ نصنعُ ؛ كما قالَ تعالى: ﴿ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ (٤) ﴾ [محمد]، ع يقيننا بأنَ اللهَ قادرٌ عليهمْ وعلى غيرهمْ ، وأنهُ سبحانهُ الحليمْ الذي لمْ يعجلْ على عقوبتهمْ معَ أنَ الأمرَ كلهُ بيدهِ ، وأنهُ يملي لهمْ ثمَ يأخذهمْ أخذٌ عزيزٌ مقتدرٌ ؛ قالَ تعالى: ﴿وَلَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ۚ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا ۗ يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١٧٦)﴾ [ آل عمران]، وقال تعالى: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ ۚ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ۚ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ (٧٨)﴾ [ آل عمران ].
فيا أيها الضعفاء المخذولون، يا من تحسبون حرقكم لنسخة من المصحف نصرًا : اعلموا أنكم ما حرقتم إلا الأحبار والورق، أما القرآن الكريم فهو منقوش في قلوبنا، ومحفور في صدورنا، ومغروس في أصولنا، ومستقر في وجدان أطفالنا، ومركوز في أفئدتنا.. نموت ولا يموت، ونفنى ولا يفنى.
أيها الضعفاء المخذولون : موتوا بغيظكم، موتوا بكمدكم، موتوا بحقدكم؛ فإن دين الله سائد فوق العالمين، فبهذا بشرنا نبينا -ﷺ-: (إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها” (رواه مسلم)، فهذا واقع لا محالة، ومتحقق بلا شك.. وعن تميم الدَّاري رضي الله عنه قال: قال رسولالله صلى الله عليه وسلم-ﷺ-:«ليَبْلُغن هذا الأمر ما بلغ اللَّيل والنَّهار، ولا يترك الله بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلَّا أدخله اللهُ هذا الدِّين، بِعِزِّ عَزِيزٍ أو بِذُلِّ ذَليلٍ، عِزًّا يُعِزُّ الله به الإسلام، وذُلًّا يُذِلُّ الله به الكفر» (رواه أحمد).
أيها الجبناء المخذولون: إن حرقتموه اليوم فسيحرق المنتقم العزيز الجبار -سبحانه- قلوبكم، ثم يحرق أجسادكم في نار جهنم وبئس المصير…
اللهمَ منْ تعدى على جنابِ القرآن الكريم ، أحرقَ قلبهُ ، وشلَ أركانهِ ، واجعلهُ عظةَ وعبرةَ لغيرهِ، يا سميعْ الدعاءِ. آمين