«النفايات الفضائية» 

  • — الأحد سبتمبر 03, 2023

النفايات الفضائية كارثة مهملة قادرة في أي لحظة تدمير التكنولوجيا الحديثة على الأرض؛ أقمار الاتصالات أو الإنترنت أو الملاحة والـ(GPS) الخاصة بالطيران ، وأقمار التنبؤ بالطقس، أو أقمار رصد النيازك والمذنبات، أو التليسكوبات البحثية الخاصة بدراسة الفضاء، أو أقمار التنقيب عن المعادن وغيرها وغيرها.

احذر! فقد يسقط عليك قمر صناعي؟!

هل تخيلت أن يسقط على منزلك بقايا من حطام قمر صناعي أو صاروخ فضائي أو شظايا فضائية؟

إليك بعض المعلومات:

في عام ٢٠٢٠ استيقظ صانع جبنة من كوتديفوار، ليجد أن بقايا صاروخ صيني قد دمر منزله، وكذلك عدة منازل أخرى في قرى مجاورة. وسقطت أنابيب معدنية من الصاروخ ذاته على مواطنين كانا يسيران في قريتهم.

وفي العام الماضي ٢٠٢٢ سقطت بقايا مدفع صاروخ تابع لشركة سبيس إكس Space X، التي يملكها “إيلون ماسك”.

وفي أغسطس من هذا العام ٢٠٢٣، سقط جسم أسود غريب في جنوب أستراليا، يعتقد الخبراء أنه جزء من صاروخ يعود لشركة سبيس إكس Space X، وغيرها مما يسقط في الصحاري والقفاري والمحيطات [!!!]

النفايات الفضائية العالقة تشكل خطرا أيضا على من في الأرض، فأكثر من 9,000 طن من النفايات المعدنية في مدار الأرض، حسب الوكالة الأوروبية للفضاء، من حطام لأقمار وصواريخ وأدوات سقطت من رواد فضاء، تسبب تلوثا ضوئيا، وتتوقع بعض الدراسات زيادة احتمال إصابة بشر أكثر بأجسام تسقط من الفضاء في السنوات القادمة، فالإمر يتخطى الاحتمالات الضئيلة.

فكيف يحدث هذا؟

ذكرت وكالة أبحاث الفضاء الأمريكية “ناسا” في تقرير لها إن 30% فقط من العمليات الفضائية العالمية تتبع معايير السلامة والأمان والإرشادات العامة الصحيحة بشكل صارم [= حالة فوضى؟!].

وفقاً لدراسة مشتركة لعدد من مؤسسات الأبحاث والملاحة الفضائية الأمريكية والأوروبية والروسية (*) فقد بلغ عدد الأجسام المستهلكة الموجودة حاليًا في الفضاء (النفايات الفضائية) والتي تغلف كوكب الأرض بعاصفة خطيرة من الشظايا الفضائية، كما يلي:

  • عدد 2.600 قمر صناعي خارج الخدمة أو محطم.
  • عدد 10.000 جسم شظية أكبر من شاشة الكمبيوتر.
  • عدد 20.000 جسم شظية في حجم التفاحة.
  • عدد 500.000 جسم شظية بحجم حبة العنب.
  • عدد أكبر من 100.000.000 شظية صغيرة لدرجة لا يمكن تعقبها.

جميع هذه الشظايا موجودة في سحابة “مميتة” تدور حول كوكب الأرض، سرعتها تقريبًا 30 ألف كيلومتر في الساعة؛ الشظية الواحدة فيها أكبر من سرعة الرصاصة بعشرات المرات، وبهذه السرعات المدارية العملاقة تسطيع تدمير قمر صناعي بشكل كامل!

عملية إطلاق أي جسم (صاروخ) من الأرض إلى الفضاء عملية صعبة جدًا، حيث تحتاج إلى إطلاق بشكل عمودي من سطح الأرض إلى الأعلى بسرعة خيالية تحت تأثير قوة دفع الوقود لكي تتغلب على قوة الجاذبية الأرضية، حتى تصل لارتفاع معين يقدر بمئات الكيلومترات فوق سطح الأرض، وعندها يبدأ مداره يميل بزاوية حادة، ويكمل مساره بنفس السرعة، ليدخل في مدار يسمى في علوم الملاحة الفضائية باسم “مدار الأرض المنخفض” (Low Earth Orbit) وعند الوصول إلى المدار يصبح من الصعب جدًا الخروج منه حيث يكون قد وصل لمرحلة تسمى “السقوط الدائم” أو “السقوط الحر (Free Fall) ” حول الكرة الأرضية.

سحابات الشظايا المميتة والكارثة القادمة المهملة

الأجسام الموجودة حالياً في البنية التحتية في “مدار الأرض المنخفض” (Low Earth Orbit) تؤدي وظائف وأعمال تحدد تقريباً كل التكنولوجيا البشرية الحديثة؛ بدايةً من أقمار الاتصالات أو الإنترنت أو الملاحة والـ(GPS) الخاصة بالطيران ، وأقمار التنبؤ بالطقس، أو أقمار رصد النيازك والمذنبات، أو التليسكوبات البحثية الخاصة بدراسة الفضاء، أو أقمار التنقيب عن المعادن وغيرها؛ مئات من هذه الوظائف إذا توقفت ستعيد العالم إلى القرون الوسطى من دون أدنى مبالغة؟! 

وحالياً يتدمر سنوياً  3 أو 4 أقمار صناعية بهذه الشظايا، والرقم في إزدياد؛ والمشكلة أن عدد الأجسام المتوقع إرسالها إلى الفضاء سوف يتضاعف عشرات المرات في الأعوام القادمة؛ سواء بأقمار (Starlink) للإنترنت الفضائي التابعة لشركة (Space X)، أو أقمار (Amazon) و (Google) التي تجهز حالياً لمنافسة (Starlink)، أو مهمات “ناسا” إلى القمر وغزو المريخ؛ وسط عماء رأسمالي متوحش وغباء بشري بعدم إجراء دراسات كافية للعواقب أو النتائج اللي ممكن تحدث بسبب الاستمرار في هذه الإطلاقات غير المدروسة، أو غير مخطط لها بشكل جيد؛ التفكير بالهبوط قبل الصعود.

والأسوأ من سحابات الشظايا المميتة والكابوس الحقيقي هو حصول سلسلة من الانفجارات والتصادمات قد تخلق سحابة مميتة من الشظايا تدمر أجسام أخرى، فتتكون شظايا جديدة وسحابة جديدة تضاف على السحابة الأصلية، وهكذا، فالسحابة تكبر بشكل خيالي وفي أوقات قصيرة لا تستوعب، وكل الأجسام الموجودة في مدار الأرض تكون قد تدمرت تمامًا!

لقد كانت فرص حدوث ذلك في السابق قليلة جدًا، لإن عدد الأجسام الموجودة في مدار الأرض المنخفض كانت قليلة، لكن مع ما يحدث حالياً من الزيادات المضطردة في المدار تقرب المسافات ما بين الأجسام لحدود غير مسبوقة، وهو كابوس حقيقي قادم، وللعلم، فإن الولايات المتحدة هي أكثر دولة تركت مخلفات في مدار الأرض.

الكارثة القادمة

في ظل التسابق بين الدول الصناعية الكبرى -المحموم- في هذا المجال، وجشع الشركات العالمية وسعيهم وراء السيطرة على التكنولوجيا، قد يصل كوكبنا في يومٍ ما إلى نقطة اللاعودة، نقطة ربما تكون قريبة بالفعل حسب بعض الإحصائيات، اللي تؤكد إن عدد الأجسام غير المعروفة حاليًا في الفضاء ستؤدي إلى كارثة فضائية في السنوات المُقبِلة، وقد تقضي على كل أو معظم الأقمار الصناعية التكنولوجية العالمية؛ كارثة قد ترجع البشر إلى ما قبل عصر الاتصالات والطيران والملاحة والإنترنت، نقطة تدمر الحضارة الحالية، وتكلف مليارات المليارات من الدولارات، وتؤدي إلى انهيار اقتصاد العالم بأكمله، ولن تعود كما كانت ولن تعمل بنفس الكفاءة. والكارثة لا يمكن التنبؤ بميعاد حدوثها،  ويبدو من صعب جدًا جدًا إيقافها في المرحلة الحالية؛ فليس هناك أي اتفاق لاستيعاب الكارثة ومعالجتها؛ وربما سنجد أنفسنا أصبحنا بسبب سوء تخطيطنا سجناء على الكوكب، وتُدمر فيه كل تقنياتنا الحديثة اللي أصبحنا معتمدين عليها في كل شيء تقريباً؟!

أما الذين يخططون بالتسجيل مستقبلا في مبادرة (Space X) للسفر إلى المريخ، أو يحلمون باليوم الذي يرون الفنادق في الفضاء والبشر المترفين يسافروا إلى الكواكب البعيدة وينتقلون من كوكب إلى آخر حسب الحالة النفسية؛ فننصح بإعادة التفكير في الأمر مرة أخرى، لإن الفرصة أكبر من 90% أنها لن تحدث أصلًا.

فهل كارثة النفايات الفضائية المهملة على وشك أن تقع؟ !

يبدو ألّا أحد لدية إجابة حاسمة في الوقت الراهن، ربما الزمن وحده هو القادر على الإجابة.


(*) المصادر

Space junk facts and information (nationalgeographic.com) 

Q+A What is space debris and how dangerous is it? | Reuters

Mind that satellite! The mission to clean up dangerous space junk | Space | The Guardian

The 6 most dangerous types of space debris | Space

What is space junk and why is it a problem? | Natural History Museum (nhm.ac.uk)