جاء في كتاب “فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء” لإبن عربشاه الذي وضع الحكم والأمثال والعبر على ألسنة الحيوانات؛ الوحوش والطيور والحيتنان والهوام، عل الأنسان المكرم علي سائر الأنام بالعقل يتعظ أو يرعوي.
ومن تلك القصص حكاية قصيرة عن «الهدهد الغير المتروي»:
ذكروا أن الله مجري الخير. علم بعض عبيده الصلحاء منطق الطير، فصاحب منها هدهداً، وازداد ما بينهما تودداً، وفي بعض الأيام، مر بالهدهد ذلك الإمام، وهو في مكان عال، ملتفت إلى ناحية الشمال، وهو مشغول بالتسبيح، يسبح الله بلسانه الفصيح، فناداه يا صاحب التاج، والقباء والديباج: لا تقعد في هذا المكان، فإنه طريق كل فتان، ومطروق كل صائد شيطان، ومقعد أرباب البنادق، ومرصد أصحاب الجلاهق.
فقال الهدهد: إني عرفت ذلك، وإنه مسلك المهالك. قال: فلأي شيء عزمت على القعود فيه، مع علمك بما فيه من دواهيه؟ قال: أرى صبياً، وأظنه غوياً، نصب لي فخاً، يروم لي فيه وقد وقفت على مكايده، ومناصب مصايده، وعرفت مكيدته أين هي، وإلى ماذا تنتهي، وأنا أتفرج عليه، وأتقدم بالضحك إليه، وأتعجب من تضييع أوقاته، وتعطيل ساعاته، فيما لا يعود عليه منه نفع، ولا يفيده في قفاه سوى الصفع، وأسخر من حركاته، وأنبه من يمر على.
فتركه الرجل وذهب، وقضى حاجاته وانقلب، فرأى الهدهد في يد الصبي يلعب به لعب الخلي بالشجي، ولسان حاله يلهج بمقاله:
كعصفورةٍ في يدِ طفلٍ يهينها.. تقاسي حياضَ الموتِ والطفلُ يلـعبُ
فلا الطفلُ ذو عقلٍ رقّ لحالها.. ولا الطيرُ مطلوقُ الجناحين فيهرب
فناداه وقال: يا أبا عباد، كيف وقعت في شرك الصياد، وقلت لي: إنك وعيت، ورأيت ما رأيت؟
فقال: أما سمعت أن الهدهد إذا نقر الأرض يعرف مسافة ما بينه وبين الماء، ولا يبصر شعرة الفخ ولا ماور. وناهيك قضية آدم أبي البشر، كيف خذل لما غوي واغتر وبطر، وكذلك غيره ممن اشتهر أمرهم وانتشر، وأنا لما اغتررت بحدة بصري، ذهلت عما يجول في فكري، فتعطب حدة استبصاري فوقعت في فخ اغتراري!
الخلاصة: لا تغتر بنفسك ورأيك، ولاتبالغ بحجمك، ولا تنتقص من الآخرين الذين هم أعلم وأكثر خبرة ببواطن اَلْأُمُور.