قال-ﷺ-: «لَتُؤَدُّنَّ الحُقُوقَ إلى أهْلِها يَومَ القِيامَةِ، حتَّى يُقادَ لِلشّاةِ الجَلْحاءِ، مِنَ الشَّاةِ القَرْناءِ.» صحيح مسلم
أقسَمَ النبي-ﷺ-، وهو الصادق المصدَّق بغير قَسَمٍ، أن الحقوق ستُؤدَّى إلى أهلها يوم القيامة، ولا يضيع لأحد حقٌّ، فقال: «لتؤدن الحقوق» اللام واقعة في جواب قسم مقدر، أي: والله ليؤدين كل واحد منكم حقوق الآخرين يوم القيامة، حتى البهائم العجماوات تُحشر يوم القيامة، وتُحشر الدوابُّ، وكل ما فيه روح يحشر يوم القيامة، قال الله تعالى في سورة الأنعام: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (٣٨)﴾، قال ابن عباس : “يحشر كل شيء حتى الذباب” ؛ تحشر أمم كثيرة، أمة الذر، أمة الطيور، أمة السباع، أمة الحيّات وغيرها.
وفي الحديث، إثبات البعث والنشور والحشر والحساب والجزاء في الآخرة، وأن كل شيء مكتوب في اللوح المحفوظ، حتى أعمال البهائم والطيور والحشرات وغيرها من المخلوقات.
وفيه، أن الله عزَّ وجلَّ حَكَمٌ عدل، وإعلام بأن الحقوق لا تضيع، وإبراز القصاص في صورة تأكيد كمال العدالة بين كافة المكلفين (الإنس والجن)، وبين المخلوقات الخارجة عن التكليف (الحيوانات والطيور والحشرات وغيرها).
وفيه، الحث على المبادرة في أداء الحقوق إلى أصحابها؛ والحقوق جمع حق، وهو يعم حقوق الأبدان، والأموال، والأعراض، وصغير ذلك وكبيره. وأن الله سيحاسب الجميع يوم القيامة على ما عملوا، فيقتص حتى للشاة الجلحاء (التي ليس لها قرن) من الشاة القرناء (التي لها قرن) التي ضربت أختها بقرونها وتؤذيها، فإذا كان يوم القيامة قضى الله بين هاتين الشاتين، واقتص من الشاة المعتدية.
ومن شنائع الأمور التي قد يغفل عنها كثير من الناس هي ما يتعلق بحقوق العباد، وما أعظمَ خيبةَ من وقع فيها وظلم أي أحد؛ لأنَّ القصاصَ يومئذٍ يكونُ بالحسنات والسيئات، ، ثم يقول للمخلوقات الخارجة عن التكليف «كوني تُرابًا»، أما المكلفين فسيكون الجزاء بعد الحساب، إما جنة أو ناراً، قال تعالى في سورة طه: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (١١١)}، وقال رسول الله -ﷺ-: « مَنْ كانتْ له مظلمةٌ لأخيهِ مِنْ عِرْضِهِ أو شيءٍ فَلْيَتَحَلَّله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهمٌ، إن كان لَهُ عَمَلٌ صالح أُخِذَ منه قَدْرَ مظلمته، وإنْ لم تكنْ له حسناتٌ أُخذَ من سيئات صاحبه فحُمِلَ عليه»، نسأل الله السلامة والعافية في الدنيا والاخرة.
فاحذروا كل الحذر من الاعتداء على الحقوق والإيذاء والظلم، وتحللوا من كل من بخستموه حقَّه، والتوبة قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه المال ولا البنون ولا الأهلون ولا أحدا من العباد.
اللَّهُمَّ أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا، وعذاب الآخرة، وتوفنا وأنت راض عنا واجعلنا في موقف القيامة آمنين، ووالدينَا وأحبابنا والمسلمين برحمتك يا أرحم الرَّاحِمِينَ.
وصل اللَّهُمَّ وسلم عَلَى نبينا مُحَمَّدٍ وآله وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.