«هل الذكاء الاصطناعي هو “العبد” أم “السيد”؟»

  • — الجمعة سبتمبر 29, 2023

هل نحن أمام “طوفان” لفقد الوظائف البشرية لصالح “الذكاء الاصطناعي” بسبب مجموعات “انانية” لا تفكر إلا في نفسها ومصالحها الخاصة الضيقة، وتضرب بمصالح الآخرين عرض الحائط؟!

أعلنت شركة “Onclusive” باستبدال نصف موظفيها ببرامج الذكاء الاصطناعي، الشركة التي تعمل في مجال مراقبة الاتصالات والإعلام ومقرها في “كوربفوا”، كشفت عن خطة لتسريح 209 من موظفيها الفرنسيين البالغ عددهم 447 موظفًا. وسيتم استبدالهم بالكامل ببرامج الذكاء الاصطناعي [!!!]

ضع نفسك مكان هؤلاء الذين فقدوا وظائفهم؛ ولديك أسرة وعليك التزامات ومصاريف حياتية، وتأتي الشركة التي تعمل بها باجتهاد وإخلاص وتُبلغك بالاستغناء عن خدماتك فقد أوصى “السيد الذكاء الاصطناعي” بذلك، وسيقوم بعملك بشكل أسرع و أقل تكلفة؟!

لا شك في أن الأمر بالنسبة للشركة الرأسمالية هو توفير مصاريف، وزيادة في الأرباح=جشع؟!

أما بالنسبة الموظفين الذين فقدوا وظائفهم فالأمر بالنسبة لهم كارثيا؛ فقد أصبحوا “عاطلين” وعليهم الآن البحث عن وظيفة جديدة ليعيشوا حياة كريم!!!

أما المهووسون باستخدام الذكاء الاصطناعي مكان البشر، والمروجين له، والخائضين فيه ومعه، والذين صموا آذاننا بالصخب وبأن “الذكاء الاصطناعي” لن يأخذ وظائف أحد”، وسيخلق وظائف و… و… و… إلخ؛ فهم جميعاً شركاء حسب القرب المهني، والفائدة المادية، والدرجة العلمية المتخصصة في هذا المجال، والعقود الترويجية؟!

في مقالة بعنوان “ هل الذكاء الاصطناعي هو السيد أم العبد؟ Is AI a Master or Slave ” يقول “توشكا فيشر” وزير خارجية ألمانيا الأسبق، وكان زعيمًا لحزب الخضر: “والآن بعد أن عبرت البشرية عتبة الذكاء الاصطناعي، يتعين علينا أن نأخذ الأمر على محمل الجد، فهناك احتمال أن يؤدي تطورنا من حضارة إنسانية إلى حضارة آلة (حضارة تكنولوجية قائمة على الذكاء الاصطناعي) إلى الاستغناء العنصر البشري [المغلوب على أمره]، وحتى لو لم يتم القضاء على الجنس البشري، فقد يتم تهميشه بالكامل.

وبقدر ما يبدو هذا الأمر غريبا الآن، فإن الأزمات الأخرى التي خلقناها تجعل هذه النتيجة أكثر احتمالا.

إننا نعيش أوقاتاً حافلة بالأحداث ــ وربما حتى “جامحة” ــ حيث يُصنع العالم بوتيرة سريعة وغاضبة؛ فهناك ثلاث أزمات كبرى حلت بالبشرية دفعة واحدة، وكل تحول من هذه التحولات (الجيوسياسية والمناخية والرقمية) التي نشهدها اليوم يشكل تحديا كبيراً في حد ذاته، وإن الأزمة العالمية الكبرى -غير المسبوقة- التي نشهدها في وقت واحد تهدد بإرهاق قدرات أنظمتنا السياسية والثقافية على التكيف أو الحفاظ على السيطرة.

كل عام يمر تزيد فيه درجات الحرارة القياسية، وحرائق الغابات، وينتشر الجفاف، والظواهر الجوية المتطرفة، ورغم أن تأثيراتها العالمية -طويلة الأمد- معقدة إلى حد غير عادي، فإن الطبيعة الأساسية للمشكلة مفهومة جيدا. إن الحلول معروفة، ولكن السياسة اللازمة لتحقيقها صعبة إلى حد الجنون. وعلى النقيض من ذلك، تظل العواقب المترتبة على التحول الرقمي أكثر غموضا.”

ولكن ما يزيد الأمور تعقيد هما التحولان العظيمان الآخران (الجيوسياسي، والمناخي)، لأن هذا قد يعني أنه ليس لدينا خيار سوى احتضان الذكاء الاصطناعي بشكل كامل.

ثم يتساءل “فيشر”: “هل يمكن تصور بقاء الإنسان على كوكب أكثر سخونة ومتطرفاً إلى حد كبير دون إنشاء حضارة تكنولوجية قائمة على الذكاء الاصطناعي؟

وماذا علينا أن نفعل إذا كان منافسونا الجيوسياسيون يسعون إلى الهيمنة على الذكاء الاصطناعي، بدلاً من السعي وراء السيطرة على الذكاء الاصطناعي بأنفسنا؟

علاوة على ذلك، ماذا سيحدث للتركيبة السياسية الأساسية للمجتمعات البشرية في ظل هذه الظروف الجديدة والمختلفة جذريا عن أية تحولات سابقة؟

فماذا قد يحدث للدول والحكومات والصراع الذي يبدو أنه لا نهاية له فيما بينها، وخاصة إذا أصبح الذكاء الاصطناعي الوسيلة المفضلة لشن ــ أو حتى قيادة ــ الحروب الحديثة؟”

الخلاصة ..

الشركة الفرنسية ليست الأولى في الاستغناء عن البشر الكادحين لصالح الذكاء الاصطناعي، ولن تكون الأخيرة، وإن عدم المبادرة وتراخي الحكومات والسلطات المعنية في ضبط هذا الأمر لصالح المجتمعات البشرية، فإنها ستتحمل عبء ذلك -قريباً أو لاحقاً- وآثره الاقتصادي السيئ، وأثره الاجتماعي والصحي-النفسي والأمني الأسوأ؟!

والله تعالى أعلم.