يتساءل الكاتب منذ بداية الكتاب كفحوى عن امكانية بناء ثقافة التغيير في الوطن العربي كله. انظر حولك لتجد أن مجالس ادارات الشركات حكراً على عدد محدد من الأفراد ولمدة تفوق الخمسة عشر عاماً. رؤساء مجالس ادارات البنوك والشركات العملاقة يجلسون لعقود دون ابداء الرغبة في المغادرة أو احداث التغيير.
مجالس الإدارة والمدراء العاميين يتوسدون امكانهم ولا يغادرونها إلا بالموت وعلى إثره لا تغيير ولا تطور بمعنى إدارة التغيير مفقود في العالم العربي كله وحتى نفوسهم لا تتغير.
يرى المؤلف أننا في العالم العربي كله ادارياً نفتقد لثقافة التغيير وليس لها قبول عندنا. مجلس الإدارة والمدير العام الذي اصبح اسمه بالترجمة الرئيس التنفيذي يبقى عشرات السنوات والشركة تتهاوى ويتم اختراق اللوائح ويسيرون دون نظم ولا رقابة والنتائج كما يقول الكثيرين نراها في فصل الأمطار والسيول وانسياب الماء الغزير الذي نريده دوماً أن يستمر.
المشكلة الرئيسة أن انسياب المياه لا يعترضه صخور وما يعيقه عن الانسياب وكأنه يخالف الواقع الذي نعيشه في أي تغيير يحدث. فالصخر الذي يعترض السيول كما التغيير لأنه يوقف انسياب السيول الجارف فهو غير موجود عند حدوث الأمطار ليوقف الانسياب الرهيب للماء. وهكذا التغيير الغير موجود في الشركات والمؤسسات العربية. المهم أن لا يحدث عندنا في الادارة العربية أي تغيير، بمعنى لا حركة ابداعية وابتكارية جديدة واستمرار نحر وقتل الفكرة الجديدة في مهدها ومن جذورها ومن منبتها حتى لا تطلع مرة أخرى.
يرى الدكتور المنيف في كتابه أن الصورة المؤلمة في غالبية المؤسسات يفرض عليها التغيير من الخارج ويقع تحت تأثير هذا الخارج وبذلك لا يعتبر تغييراً البتة كما يرى المؤلف لأنه ترهيب وليس ترغيب ورهينة اجندة خارجية. التغيير بحاجة كما يرى المؤلف إلى رواد وقادة وأصحاب تصور اداري متميز لأن التغيير له ضوابط وشروط وليس حدث عابر مبتور مفروض من خارج الشركة.
ادارة التغيير تعتبر تحدي وتحتاج إلى عزيمة وريادة وقيادة بكل ملاحظة وتفكير ومتابعة ومشورة وتحفيز ليحمل هذا القائد المتميز شرف التغيير بكل وسائل الاتصال الفاعلة لإيصال التغيير المطلوب والهادف إلى النهايات المحققة للمصلحة العامة لأن أي تغيير يهدف لمصالح ذاتية لابد من أن تكون نهايته إلى الفشل.
التغيير مؤلم وقد يهدد مكانة عدد كبير من القيادات الادارية الحالية ممن يوجهون التشويش على هذا التغيير لأنه يضرهم على المدى القصير. لا شك أن التغيير مجازفة وإهانة للبعض ويكون فيه القائد المتميز فاعلاً فيما اذا اشرك عدد كبير من الاتباع لأن الانفراد في التغيير لا شك سيؤدي إلى الفشل وعدم تحقيق الأهداف، العمل الجماعي والمشاركة في اتخاذ القرار تجعل نجاح التغيير ممكناً فيما اذا انطلق التغيير نحو المستقبل الأفضل.
يرى المؤلف أن التغيير وإدارته تنطلق من رؤيا ورسالة وهدف وأولويات. الرؤيا التي ينقلها القائد إلى فريق العمل والفريق ينقلها إلى الاتباع دون أي استئثار . التركيز من المؤلف على الجماعية والإجماع ضرورة حتمية لبدء التغيير ولهذا يشتق المؤلف عدم التوجه نحو التغيير لأن الثقافة العربية لا تقبل الجماعية ولا تقبل العمل على ايجاد الاجماع. يؤكد المؤلف أن التغيير الفاعل لا وجود فيه للفردية ويتطلب أكثر فأكثر من الجماعية والإجماع الذي يؤتي ثماره في النهاية بالتغيير الهادف.
وصف المؤلف التغيير وآثاره كما يحدث في العائلة الصغيرة عندما تقوم الأم بفطام وليدها الأخير. تقع الاضطرابات في المنزل ويتغير كل شيء وتحدث مشاكل لا حصر لها. التغيير يحتاج إلى ادارة، وإدارة التغيير أهم من التغيير كله لأن نتائج ادارة التغيير هي المحصلة والقيمة المضافة التي تهدف الادارة العليا إلى تحقيقها. لهذا كله تبتعد الادارة العليا ومجالس الادارات عن التغيير لأن التغيير سيؤثر عليهم ولهذا لا تتجه الادارة العليا في العالم العربي نحو التغيير وإدارته.
وقد افتتح المؤلف الكتابة بالآية القرآنية الحادية عشر من سورة الرعد: «إن الله لا يغيِّر ما بقوم حتى يغيِّروا ما بأنفسهم». كما اختتم الكتاب بقوله أنه أي التغيير سهل ممتنع، أي أنه صعب ولكنه ممكن التنفيذ بوجود قيادات ادارية عليا عربية تسعى لتحقيق الامتياز وملتزمة بالأداء ومتشرِّفة بالمهنة القيادية وذات ذكاء عاطفي بكل انضباط ومعايير تميز عالية لديها رؤيا هادفة لتغيير الواقع الاداري المؤلم في العالم العربي كله وصولاً إلى بناء مؤسسي وبناء نظام ومعنويات. كلها محققة لصعود الدول العربية مما هي عليه من تخلف نحو الدول الناشئة الجديدة.
المرجع: كتاب ادارة التغيير في الوطن العربي
المصدر : مجلة المدير | العدد فبراير 2014