«وهم الإنجاز»

  • — الأحد مايو 05, 2024

طبيعة الإنسان تقوده لرغبة تحقيق أكبر قدر من المكاسب دون القيام بمجهود كبير. ابتداءً من إيقاف السيارة في موقف غير مناسب في محاولة لكسب المزيد من الوقت، وانتهاءً بخسارات فاجعة في سوق الأسهم بعد محاولة للربح السريع دون عمل. و يظل إحساس الإنجاز في حياتنا رائع! ؛ إنه «الإحساس» وليس «الإنجاز» نفسه، فالإنجاز موضوع آخر، وهو ما يتطرق له كتاب “وهم الإنجاز»؛ هو كتاب بحثي يتناول مجموعة مواضيع متعلقة بسلوك العامة، ويحاول المؤلف الإجابة على الأسئلة التالية:

  • لماذا ندمن تصوير أنفسنا على قنوات التواصل الاجتماعي، وكيف يؤثر هذا الأمر على حياتنا؟
  • لماذا نهتم برأي الآخرين تجاهنا أكثر من رأينا؟
  • لماذا نسعى بكل الطرق للحصول على المكانة الاجتماعية المرموقة، ونسعى لشراء الأشياء الأعلى من قدراتنا المادية؟
  • لماذا نرسل الكثير من الرسائل في مختلف قنوات التواصل الاجتماعي؟
  • ما هو الفرق بين العمل الحقيقي وما نعتقد أنه عمل حقيقي؟
  • ماذا يعني أن نترك أثرًا؟
  • لماذا يجب أن نهتم بترك الأثر؟

وهناك عشرة نصائح تساعد في التغلب على وهم الانجاز الشخصي، وهي :

١. فلترة السلوك : فرق بين تحكيم عقلك وتحكيم قلبك في كل ما تريد أن تفعله حتى لا يطغى جانب منهم على الآخر، فمثلا لا مشكلة أن تكون في منصب مهم مثلًا وتحب مشاهدة افلام كرتونيه (او تلعب العاب)، لكن إن شغلك هذا عن تأدية عملك أو إنجاز مهام مطلوبة منك فهنا تدرك أن قلبك هو المتحكم في سلوكياتك وليس عقلك، فراجع نفسك.

٢. الفصل بين الإحساس والنتيجة : فنزولك إلى العمل كل يوم وحضورك في مواعيدك وتعبك في الالتزام بهذا ليس معناه أبدًا أنك حققت إنجازًا، ربما يكون أداؤك سيئًا ضعيفًا ليس به أي إبداع في عملك، إذًا فالمحصّلة في النهاية صفر.

٣. استحضار الكتمان : كم مرة قلتِ لزملائك إنك ستبدأ في عمل شيء ما ووجدتِ بعدها أنكِ لم تفعل شيئًا؟
بمجرد إعلانكِ عن هذا العمل كانت معظم الردود إيجابية ومرحبة بمجهود لم تبذله بعد، بمعنى أنك تقريبًا أشبعتِ ذاتك بهذا القبول والاستحسان، فلا داعي أن تبذل هذا المجهود فعليًّا، فستبدأ بالبحث عن شيء آخر تقوله لهم وهكذا، دوامة من “سأفعل” تنتهي بلا شيء.
لذلك احتفظ بأعمالك لنفسك واعمل في صمت حتى تتكلم النتيجة عنك وليس العكس.

٤. توجيه الطاقات نحو العمل الأكثر نفعًا واحتياجاً بدلاً من استهداف إنجاز رقمي :
لو أراد شخص دعم عدد من المحتاجين، فمن المفترض ألا يكون هدفه مجرد تحقيق رقم قياسي مع أي أحد من الذين تساعدهم، والصحيح أن يبحث عن الأكثر احتياجًا وتساعدهم بما هو اكثر نفعا حتى لو كان عددهم يسير.

٥. حدد لأهدافك وقت البداية والنهاية والنتائج التي ترجو تحقيقها: فلو كان هدفك مثلًا أن تتعلم مهارة معينة بدلًا من أن تشاهد مباراة او أفلام بشكل عشوائي دون أي فائدة، ابحث عن مصادر تتعلم منها وحدد كل مستوًى في المهارة متى ستبدأ ومتى ستنتهي وما يفترض أن تكون قد تعلمته ومستوى مهارتك الآن.

٦. تجديد الأهداف: تحتاج إلى أن تجدد أهدافك بتحقيق هدف أعلى من الذي قبله كأن تكون مديرا بدلًا من رئيس قسم او مساعدا للمدير. أو بتغيير نوعية الأهداف نفسها فتستهدف شيئًا جديدًا، فيكون هدفك مثلًا إنشاء مشروع خاص.

٧. ترك الأثر: لو اعتمدت على مفهوم “ترك الأثر” في كل أعمالك سيشكل فرقًا كبيرًا لك، لأنك تريد أن تترك أثرًا وبصمة مختلفة في كل شيء تفعله، ولن يحدث ذلك إلا لو كان العمل في ذاته مفيدًا واقعيًّا ليس وهميًّا أو “عملًا من ورق”. وبالمناسبة، ترك الأثر ليس شرطًا أن يكون من خلال بطولات أسطورية أو أعمال خارقة، نجاحك في عملك ولو كنت تتقاضى عليه أجرًا ماديًّا أو تسعى إلى زيادة دخلك لتحيا حياة كريمة هو هدف سامٍ وعمل حقيقي سينعكس عليك وعلى الآخرين كما سيساعدك على دخول ميادين جديدة من ترك الأثر سواء بالمكانة المرموقة التي ستصل إليها أو بغيرها.

٨. البحث عن الجوانب الحقيقة التي صنعت الناجحين: لا تستقي هذا مما يُقدَّم لك إعلاميًّا فقط، لأن هذه البرامج والمنصات تعرض لك جزءًا من نجاحهم بعيدًا عن التفاصيل التي مروا بها. ابحث عن ذلك في كتب السير والتاريخ.

٩. العمل العميق والمستمر مقابل المختصر: إن كانت المقارنة بين عملين، عمل يحتاج إلى وقت والثاني لا يحتاج إلى أكثر من بعض الدقائق، فاعرف أن الأول سيكون له أثر أقوى واحتمالية أن يكون عملًا حقيقيًّا أكبر، لذلك تمسك به. يتحقق ذلك بالانتظام في العمل وإنجاز نجاحات صغيرة فيه، لا يحتاج إلى ذكاء مرتفع أو شيء مختلف في الشخص بالعكس، ربما يتفوق صاحب الذكاء المتوسط على صاحب الذكاء الأعلى منه بالاستمرارية.

١٠. الممارسة الممنهجة: الاستمرارية مطلوبة، لكن شكل الاستمرارية هو الذي سيحدد نجاحك، بمعنى اذا قررت أن تضيف إلى نفسك نشاطًا جديدًا تحقق به هدف ، قد تشعر بتعب في الأيام الأولى وكانت النتيجة رائعة، لكن بعد مدة، تأقلم الجسم مع هذا النشاط ولم يعد تكراره مفيدًا بنفس الشكل ولا يحقق نتيجة وأصبح مضيعة لوقته. وهنا تبدأ تفهم أن النجاح ليس بالتكرارات النمطية، فقرر زيادة النشاط وأن تطور في أدائك بدلًا من التكرار العديم الفائدة.

إن الممارسة الممنهجة والمتطورة هي عكس “وهم الإنجاز” تمامًا، ربما تفضّل ممارسة عملك بنفس الوتيرة كل يوم طول عمرك وستشعر أنك تؤدي واجبك وقد تفرح بإنجاز غير حقيقي لا يؤتي منه ثمره؛ إن الممارسة الممنهجة والمتطورة هي العمل الحقيقي الذي نتجنبه لأنها شاقة مقارنةً بالإرضاء الفوري الذي يقدمه لنا التكرار العادي السطحي.

وفي الختام.. دورك أن تعرف الأشياء التي يجب أن تقلل وقت استخدامك لها وتستغل هذا الوقت في إنجاز حقيقي.

اعتبر نفسك قد صحوت في يوم من الأيام ووجدت نفسك محبوسًا في مكان ومسموح لك بأن تمارس عمل واحد فقط كل يوم بعيدًا عن أكلك وشربك وصلاتك ونومك، مهمة واحدة فقط ستستمر معك تؤديها كل يوم حتى تخرج من المكان، فكر مع نفسك وقرر عندما تخرج من هذا المكان، هل تريد أن تكون مُحققًا إنجازًا ما، أم ستخرج كما دخلت؟


[من كتاب «وهم الانجاز» للكاتب أحمد حسن مشرف]