ها هو عام أنقضي من أعمارنا وعام جديد أشرق علينا، وأيام الدهر ثلاثة: يوم مضى لا يعود إليك، ويوم أنت فيه لا يـدوم عليك، ويوم غدٍ مستقبل قادم لا تدري ما كتب الله -عز وجل- فيه عليك.
وكم هي سريعة هذه الأيام ، وما أسرع انقضاء العمر؛ تمر السنةُ كالشهرِ ، والشهرُ كالجمعة ، والجمعةُ كاليومِ ، واليومُ كالساعة.
والإنسان الموفق من اتخذ من العبرة من سرعة مضي الأيام وعلم قيمة الوقت فغانمه بما يعود عليه بالخير والنفع في الدنيا و الآخرة ؛ فالإنسان ما هو إلا سيرة تبقى بعد رحيله.
قال الأخفش :
أرى عُمْرَ الأنام كرأس مالٍ .. سعوا فيهِ لربحٍ أو خسارةْ
فمِنهم مَنْ يروحُ بغير ربحٍ .. ومنهم مَنْ له فضلُ التجار
وقال آخر :
يا أيها المعدودُ أنفاسُه .. يوشِك يومًا أن يتمَّ العددْ
لا بدَّ من يومٍ بلا ليلةٍ .. وليلةٍ تأتي بلا يومِ غدْ
انقضاء الأعوام يذكر بانتهاء العمر فهو عبرة لأُلي الأبصار وتذكير بفناء الأعمار، ودنو الآجال، وانقطاع الأعمال، قال سبحانه: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ [الفرقان: 62].
فنحمد الله أن مد في الآجال، ونسأله ﷻ العفو والعافية في الدنيا والآخرة، وأن يتجاوز عن التقصير والزلل والخلل فيما مضى ، وأن يبارك لنا في عامنا هذا، ويجعل ما بقي من العمر خير مما مضى، وأن يأخذ بنواصينا للبر والتقوى ومن العمل ما يرضى، وأن ينسأ لنا في الأثر، ويحسن لنا الختام، ويجمعنا ووالدينا وأهلينا وأحبابنا في أعالي الجنان مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.