المتلاعبون بالعقول … التضليل الإعلامي والوعي المعلب

  • — السبت أغسطس 10, 2024

كتاب (المتلاعبون بالعقول Mind Managers) لمؤلفه الأمريكي “هربرت شيللر”، الذي كان أستاذاً لمادة “وسائل الاتصال” بجامعة كاليفورنيا، وغيرها من الجامعات، ويتحدث عن كيفية يتم التحكم في الرأي العام والتضليل الإعلامي وصناعة التصور والمعرفة والوعي المعلب في الولايات المتحدة الأمريكية.

الكتاب زاخر بالمعلومات التي -حتما- تغيّرت كثيراً منذ تاريخ صدور الكتاب (1973)، لكن الأُطُرَ العامة لم تتغيّر، وفيما يلي مقتطفات متفرقة من الكتاب:

يقول المؤلف في مقدمته: “تقوم أجهزة الإعلام في أمريكا بوضع أسسٍ لعمليةِ تداولِ (الصورِ والمعلوماتِ)، ويشرفون على معالجتها، وتنقيحها، وإحكامِ السيطرة عليها؛ تلك الصور والمعلومات التي تُحدّد معتقداتِنا، ومواقفَنا، بل تحدّد سلوكنا في النهاية، عندما يعمد مديرو أجهزة الإعلام إلى طرح أفكارٍ وتوجّهاتٍ لا تتطابق مع حقائق الوجود الاجتماعي فإنهم يتحوّلون إلى (سائسي عقول) … 

إن تضليل عقول البشر هو – على حدّ قول باولو فرير – (أداة للقهر) إنه يمثل إحدى الأدوات التي تسعى (النخبة) من خلالها إلى تطويع الجماهير لأهدافها الخاصة.

إن امتلاك وسائل الإعلام والسيطرة عليها متاحٌ لمن يملكون رأس المال، والنتيجة الحتمية لذلك هي أن تُصبح المحطات والصحف، والمجلات، وصناعة السينما، ودور النشر مملوكةً لمجموعة من المؤسسات المشتركة والتكتلات الإعلامية، وهكذا يصبح الجهاز الإعلامي جاهزاً للاضطلاع بدور فعال وحاسم في العملية التضليلية.

 إن فهم آليات الصناعة الثقافية الأمريكية أصبح ضرورةً ملحة؛ فمنتجاتُ ومبتدعات هذه الصناعة يتمّ إنجازها وَفْقاً لمواصفاتٍ محدّدة، وبمقوّماتٍ اُخْتُبِرت عملياً. ويُشار على المتلقين (المشاهدين، المستمعين، والقراء) داخل البلاد وخارجها أن يعوّدوا أنفسهم على هذه السمّات المميزة.

إلا أنه يتعيّن أن نلاحَظَ أنّ هذا التعوّد أو (التعويد) يمكن في ظروف معينة أن يُلحق الضرر بصحتّكم العقلية!!!

• صناعة التلاعب بالعقول تتم عن طريق خمس أساطير جرى ترويجها بعناية وذكاء، حتى باتت تلك الأساطير تشكل الإطار التضليلي الذي يوهم عقولنا بادعاء الحقيقة، وتتمثل هذه الأساطير التي تسيطر على الساحة الإعلامية بوصفها حقائق في (الفردية والاختيار الشخصي، الحياد، الطبيعة الإنسانية الثابتة، غياب الصراع الاجتماعي، والتعددية الإعلامية)

• تصاب المجموعات، والشركات ذاتُ النفوذ الاقتصادي القوي بتوترٍ بالغ إذا ما تمّ لفتُ الأنظار للممارسات الاستغلالية التي تشارك فيها!

 • في أمريكا يحوّل النظام التنافسي الأخبار إلى سلع، ويتحقق الامتياز لمن يسبق الآخرين في الحصول على تلك السّلعة السريعة التلف (أي: الأخبار) وبيعها للمستهلك. ومن الأمثلة النموذجية لذلك حالة “جاك أندرسون”، وهو كاتبُ عمودٍ حقّق نجاحاً واسعاً، وسجّل انتصاراتٍ صحفيةً عديدة نالت شهرة واسعة؛ انساق إلى توجيه العديد من التهم -دون وثائق- ضد “ثوماس ايجلتون” الذي كان يخوض معركته من أجل البقاء ضمن لائحة مرشحي الحزب الديموقراطي (عام 1972م) لمنصب نائب الرئيس، وعند مواجهته بعدم صحة معلوماته، وبعد أن أضرّ “بايجلتون” ضرراً بالغاً، اعتذر “أندرسون” بالوضع التنافسي؛ فلو أنه لم يشرع هو في الاتهام لسبقه إلى ذلك صحفي آخر؟!

• عند وقوع أزمة فعلية، أو كاذبة، ينشأ جوٌّ هستيريٌ محموم بعيدٌ تماماً عن المعقولية؛ ويؤدي الإحساس الزائف بالطابع الملحّ للأزمة المترتب على الإصرار على فورية المتابعة، يؤدي إلى النفخ في أهمية الموضوع… ونتيجةً لذلك تضعف القدرة على التمييز بين الدرجات المتباينة للأهمية… (على أن الأحداث المهمة يحتاج استيعابها إلى مدة كافية من الزمن)، وليس مما يسهّل فهم هذه التطورات أن تنقل الأقمار الصناعية رسائل الأخبار (كل بضع ثوانٍ)، فالانشغال التامّ باللحظة يدمّر الروابط الضرورية بالماضي، وبالحاضر والمستقبل، ويضعف قدرة العقل على اتخاذ القرارات الحكيمة التي لا يتبيّن خطؤها، إلا بعد فوات الأوان!

 • لقد أصبح (حَجْبُ المعلومات) أكبرَ أداةٍ للسيطرة والتحكم، يقول “جورج ريدي”، السكرتير الصحفي السابق للرئيس “ليندون جونسون” : من الآن فصاعداً ستجدون أن جانباً كبيراً من النشاط الفعلي للحكومة قد تركز داخل البيت الأبيض نفسه حيث يجري حجبه من خلال الامتياز التنفيذي؛ بالتالي تجد الصعوبات التي تتعيّن مواجهتها فيما يتعلّق بالحصول على المعلومات الصحيحة.

• يقول “جون هنري مارتن” في شهادته أمام إحدى لجان الكونجرس، وكان حينذاك مراقباً عاماً للمدارس في ولاية نيويورك: “إن النشاط التجاري الصناعي الكبير قرر أن تصبح (صناعة المعرفة) نشاطاً مربحاً؛ ثم إنَّ مركز الثقل بالنسبة إلى التغيير التعليمي ينتقل الآن من مواضع السلطة القديمة؛ هيئات التدريس، ومكتب المراقب العام – إلى حاشية السلطة التنفيذية”.

 • وتحت عنوان: هل تقدم استطلاعات الرأي حقائق موضوعية؟ يقول المؤلف: أن إجراء استطلاعات للرأي العام حول قضايا اجتماعية وسياسية بحتة في ظل النماذج القائمة من نشر المعلومات المجزأة في الولايات المتحدة، وفي أماكن أخرى عديدة، يمكن اعتباره أكثر التحايلات انطواءً على الخداع. فإذا كان الأفراد يجدون أنفسهم في واقع ينظمه لهم جهازٌ للوعي (بالمدرسة والمنزل)، فما هي الجدوى التي يمكن أن تنطوي عليها إجاباتهم عن أسئلة تزيد من اختزال السياق العام للقضية المطروحة؟

ما سبق بعض المقتطفات من الكتاب، والصورة التي يمكن أن يخرج بها القارئ صحيحةٌ -إلى حد كبير- خاصة لمن لدبهم فكر وثقافة، وترى ما يصدقه أو يكذبه في ضوء الواقع، وماله علاقة بما يجري على الساحة الأمريكية؛ بقدحُ زناد العقل لنكون أقرب ما يمكن من الحقائق فلا نكون من المتلاعب بعقولهم، ويسوق عليهم وعياً معلباً، وان أمست الحقائق أكثر صعوبة في زمن “الذكاء الاصطناعي والتزييف العميق”!!!