«الحُمْق و الجَهْلُ»

  • — الأربعاء أغسطس 07, 2024

قسّم الله بين عباده المدارك والعقول، وجعلهم على تفاوت بيّن ، وتنوّع واضح ، فمنهم من سُلِب العقل بالكليّة، ومنهم من آتاه الله الحكمة، ومنهم بين ذلك .والإنسان محتاج إلى أن يعرف اختلاف مدارك الناس وتباين عقولهم حتى يُحسن التعامل مهم ، ويجتنب إساءتهم .

من الشخصيات التي ينبغي معرفة سماتها وخصائصها وكيفية التعامل معها شخصية: الأحمق؛ فهو ناقص العقل، ضعيف الإدراك، فاسد الرأي ، ويُطلق عليه السفيه والجاهل .

يقول صالح بن جناح اللخمي [1] في كتاب “الأدب والمروءة” في ذكر الأحمق:

” وأكثرهم دخولًا فيما لا يدخل فيه وأرضاهم بما لا يكفيه عدوه أعلم بسره من صديقه وصديقه قد غص منه بريقه، ولا يؤمن نصحه ولا يتوهم من خدعه ولا يأمن إلا من يخونه ولا يتحفظ إلا ممن يحفظه ولا يكرم إلا من يهينه.

أشبه شيئًا خلقًا باللئيم إن أحسنت إليه لم يشكر، وإن أسأت إليه لم يشعر لا ينفعك من وجه إلا ضرك من وجوه، وإن أقبل عليك لم ينزل، وإن أدبر عنك لم يضرك، وإن أفسد شيئًا لم يحسن أن يصلحه وإن أصلح شيئًا أفسده، إن أحببته فرأى منك حسنًا لم يحسن أن ينشره وهو مع ذلك بخطائه، أشد إعجابًا من العاقل بصوابه.

إن جلس إلى العلماء لم يزدد إلا جهلًا وإن جلس إلى الحكماء لم يزدد إلا طيشًا (١١)، وإذا جعل نفسه المحدِّث لهم يكلفهم أن يكونوا المنصتين له.

أعيى الناس إذا تكلم، وأبلدهم إذا تعلم وأصحبهم لمن يشينه وأرفضهم لمن يزينه وأشدهم في موضع اللين وألينهم في موضع الشدة وأجبنهم في موضع الشجاعة.

إن افتقر عجب من الناس كيف يستغنون وإن استغنى عجب من الناس كيف يفتقرون, لا يفهم إن حدثته ولا يفقه إن أفهمته، ولا يقبل إن وعظته، ولا يذكر إن ذكرته.

ويقول شعراً:

المرء يصدع ثم يشفى داؤه … والحمق داء ليس منه شفاء

والحمق طبع لا يحول مركب … ما إن لأحمق فاعلمن دواء …”

لذا ابتعد عن الأحمق ولا تعوّل عليه، ولا تثق فيه ولا تركن إليه، ولا تصدّق حديثه، ولا تأخذ بدعواه، ولا يغرنّك تنسكه، ولا يخدعنك ملمسه. والتعامل مع الأحمق يكون بتركه والإعراض كما هي وصية القرآن {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجاهلون قَالُواْ سَلاَماً.}، ويتضمن ذلك ألا تمنحه قدرا، لأنه يزداد شَرّا، ويتعاظم بَطَرا، وينتفخ كِبْرا.

وأصل ذلك أن تعلم أن الله -عز وجل- وهب العقول للناس، ومنح الأحلام للخلق ، لتكون حاجزا عن القبائح، ومانعا من السوء والفضائح ، والأحمق حُرم ذلك لسوء طَوِيَّتِهِ، من الحُمق والحَمقى.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.


[1] من الحكماء العرب أدرك التابعين في القرن الثاني من الهجرة إبان الدولة العباسية، وقد تتلمذ الجاحظ على يده.