“انفلونسر Influencer “، ” يوتيوبر YouTuber” ، “تيكتوكر TikToker” ، “فاشونيستا Fashionista” ، “جيمر Gamer”؛ باتت تلك الأعمال تَقبع على رأس الطموحات المهنية النشء والأجيال المعاصرة.
لقد أضحى أعداد الذين يعملون في صناعة المحتوى -بدوامٍ كامل- تتزايد عالمياً بشكل كبير؛ حيث تُشير توقّعات مؤسّسة “غولدمان ساكس ” المصرفيّة الأمريكية بأنّ هناك (50 مليون) شخص حول العالم يعملون في صناعة المحتوى الرقمي، أما إحصائيّة موقع ” ستاتيستا Statista ” الألماني المتخصص في بيانات السوق والمستهلكين، تُشير بأن أعداد من يُطلقون على أنفسهم صانعي محتوى تَخطّت (300 مليون) شخص في تِسعٍ من الأسواق العالميّة الكبرى!!!
قبل عقدين من الزمن كانت الطموحات المهنيّة التي تَحتل الأولويّة بالنسبة إلى جِيل الألفيّة تدور في فضاء المجالات الطبية والهندسية والصحية والخدمات الاجتماعية، وبغض النظر عن أسباب اختيارهم لهذه المِهَنِ، لكن لا يمكن نفي وجود توجُّهٍ فَرديّ ومجتمعيّ لديهم لخدمة مجتمعاتهم واوطانهم والبشرية!
أنت المحتوى
تحوّل الاهتمام المهني والوظيفي من مجالات الخدمة المجتمعية إلى مجالات الخدمة الذاتيّة التي ارتبطت بجاذبية المال والشهرة التي يتباهى بها مشاهير العالم الافتراضي، مُضافاً إليها الأوهام التي يقدمها هؤلاء عن بساطة وسهولة الحصول على المال دون خبرة أو تعلّم أو اجتهاد بمجرد دخول عالم التواصل الاجتماعي، حتى أصبحت ظاهرة؛ ويستثني من ذلك المحتوى الهادف العلمي الرصين والتثقيفي والتوعوي مع الَتحفّظ على بعض مَن يُقدّم المزيَّف منها للاستعراض والشهرة فقط.
تقول “كاثرين سارة” مُؤثرة في “تيك توك”: “عندما يقوم أحد بإخباري أن عمل صناعة المحتوى ليس عملاً حقيقيّاً، فإن مقطع “تيك توك” واحد كفيلٌ بأن يُسدّد الإيجار المترتّب عليّ بالكامل”، مثل هذه العبارات الواهمة، والمحتوى الترفيهي الأقرب للتفاهة والمُوجّه في أكثره إلى الأطفال واليافعين الذين يشكّلون الجمهور الأكبر للمؤثرين وصانعي المحتوى، قد أدّوا بشكل أو بآخر إلى تفاقم هذه الظاهرة.
ذاك الانتقال السريع من شخص مغمورٍ متوسط الدخل إلى مشهور ثَريٍّ لَهُوَ سحر يأخذ بالألباب، وتحقيق ذلك يبدو ظاهرياً بسيطاً جداً، لا تحتاج إلّا إلى عدسة الكاميرا لتكون شريكةً لك في كل خطوة تخطوها.
يقول لاعب كرة قدم شهير : “اكتشفت ان ابني لدية موقع سري في “الإنستغرام” وفي يوم واحد وصل عدد متابعيه مليون شخص وجعلته يحذف الحساب في الحال… لأنني اريده ان يعرف القيمة الحقيقية للعمل الجاد”.
تقول “أنجلي كريستين”، أستاذ مشارك في جامعة “ستانفورد”، وباحثة في مجال الصناعة نقلاً عن صحيفة “واشنطن بوست”: “الكُتَّابُ يُؤلّفون الروايات، والمُلَحِّنون يُؤلّفون الموسيقى، أما مع المؤثرين “الانفلونسر”، فأنت المحتوى؛ هؤلاء مهتمون بشأنهم الخاص فقط، يجب ألا يتوقفوا عن خلق أفكارٍ جديدةٍ ليتحدثوا بها عن أنفسهم، عن آرائهم وشعورهم، ما يَمرُّون به، وما هي الصعوبات التي تواجههم؛ فهم عبارة عن “شركة بعاملٍ واحد، تقدم منتجات عن نفسها”!