اشرفت على رسائل ماجستير بالعلوم الأمنية لثلاث قادة بجامعة نايف العربية خلال الاعوام الماضية مختصة بحقل الدوافع والحوافز التنظيمية بإيجاد الرابطة ما بين الانتماء والولاء والرضا كأبعاد ثلاث مترابطة وكيفية تحقيق الرضا الوظيفي من خلال زراعة الولاء وتجذير الانتماء. الهدف من الرضا الوظيفي اساسه هو كسب الولاء الذي يقود بالنهاية إلى تحسين الأداء؛ هذا هو الأثر المستهدف في تحسين الأداء.
السبب الرئيس لإيجاد الرابطة ما بين الموظف الفرد والهيئة أو الشركة التي يريد أن يعمل بها أن اهداف الفرد وقيمه قد لا تتفق في بعض الاحيان مع غايات وأهداف وحتى قيم المنظمة في بداية التوظيف وتوقيع عقد الأذعان بدخوله العمل في تلك الهيئة. تعمل الادارة العليا والمتوسطة والتنفيذية على ارغام الفرد لتحقيق هذا الانتماء أولاً. الهيئة استثمرت مادياً بعقد التوظيف من خلال عمليات وإجراءات التحكم والسيطرة لتحصل على تعاون الفرد قسراً في البداية لتحقيق هذا الانتماء.
قد يحصل الانتماء القسري لرغبة الفرد تحقيق اهدافه بإيجاد وظيفة تحقق له هدف العمل وكسب المعاش لتحقيق احتياجاته الحياتية. قد يطول وجوده في هذا الانتماء القسري دون الحصول على اداء متميز. كما يلاحظ في هذه الحالة بالانتماء القسري كثرة الغياب وكثرة التأخر في دخول العمل وتزداد نسبة الغياب وترتفع نسبة دوران العمل، أي يزداد عدد تاركي العمل. لابد أن لهذه الحالة من اسباب مرتبطة بأسلوب التحكم والسيطرة والمستخدم من المديرين، ولابد كذلك من اسباب مرتبطة بعدم قدرة التنفيذيين وهم ثمرة مدرائهم وقادتهم على ايجاد الدوافع والحوافز وأساليب التعاون والألفة والتكامل لتشجيع هذا الموظف المفروض عليه الانتماء أن يتحوَّل انتماءه هذا إلى ولاء.
الولاء الوظيفي أعمق وأثرى وأنقى وأرقى من الانتماء لأن تطابق الأهداف والقيم للشركة مع أهداف وقيم الفرد الموظف قد تطابقت بسبب الاشراف والقيادة التي تمكَّنت من ايجاد هذه الرابطة من خلال الإثراء الوظيفي ليعمل بجد ونشاط وإخلاص ويبدء في تحقيق ذاته المفتخرة بالارتباط والعمل بتلك الهيئة. قد يزداد الانتماء شكلاً وموضوعاً بما يؤدي إلى ما اسماه أبو البيروقراطية دوانز»بالغيورين» وأثرهم قد يشكِّل خطراً في بعض الأحيان على الهيئة.
نحن نسعى إلى الانتقال السلس من الانتماء إلى الولاء دون أن يصبح هذا الولاء مشبعاً بالغيرة نحو المؤسسة وأهدافها بما يجعل بعض الوبال كنتيجة لهذه الغيرة وبما يعمي أبصار القيادة كنتيجة لقلة المعلومات والمعارف والحقائق ويؤدي إلى كوارث تطيح بالقيادة نتيجة ازدياد هذا الولاء عن الحد التوازني المطلوب.
لا شك أن الانتماء والولاء وجهان لعملة واحدة كون الانتماء عُرفاً يسبق الولاء. كثيراً ما تفشل بعض مناهج الادارة في القطاع الحكومي والقطاع الخاص معاً من الانتقال الهادف إلى الولاء لأنه أعظم و أنقى وأرقى من الانتماء. كثيراً ما تفشل الادارة في زرع واستنبات الولاء لأنه يحقق اهداف المنظمة بالفعل في ازدياد الانتاجية وحب العمل وتقليل التأخر والغياب. لذلك يجب علينا أن نعتمد على معرفة ومهارة وسلوك القيادة. سبق للقائد الفرنسي المعروف نابليون أن قال: «لا يوجد جنود سيئون بل يوجد قادة سيئون».
العنصر الثالث بعد الانتماء والولاء الذي نود غرسه بالفرد أن يتحقق الرضاء الوظيفي. بالطبع يهمنا في المقام الأول أن نتوسم بالقيادة أن تطرح رؤيا ورسالة وهدف متميز عن المؤسسات الأخرى بدون الفرد لأن يلتحق بكونه يفخر بتلك المؤسسة قبل كل شيء. وبعد كل شيء يرى بعينيه نماذج قيادية هادف يفخر بالعمل تحت رايتها. وفوق كل شيء يتعرَّف على الحوافز المعنوية والمادية التي قد تدفعه لتحقيق الولاء بعد الانتماء.
وقد يتحقق لنا الولاء ونبحث عن الرضا الوظيفي لأنه يختلف عن الانتماء الوظيفي بالطبع لأنه متغيِّر بتغير معرفة ومهارة وسلوك الفرد على راس العمل، بمعنى أن الانتماء فقط استجابة للعمل في الهيئة من عدمه والرضا نابع من الولاء نتيجة تطابق المعرف وتنافسية المهارة مع الأقران وتوجهات ايجابية في السلوك. الذكاء العاطفي للفرد جامع مانع للمعرفة والمهارة والسلوك كذلك.
البحوث الادارية التي عاد لها طلبة الماجستير الثلاث كثيرة ومتعددة وفيها استعراض نظري لآراء المفكرين وبحوثهم ونتائج هذه البحوث التي تداخلت وأصبحت مثل مقولة البيضة والدجاجة. فمثلاً هل الرضا يسبق الانتماء أم العكس وهل الولاء سبب للرضا أم نتيجة له.
النتيجة التي خلص لها الباحثون الثلاث من جهات حكومية في المملكة العربية السعودية هي أن الولاء التنظيمي سبب للرضا الوظيفي وليس نتيجة له. كما أن الولاء التنظيمي سبب رئيس لتقليل معدل دوران العمل ويؤدي أكثر إلى انخفاض الغياب والتأخر عن العمل.
على قادة المؤسسات والهيئات والشركات تركيز معرفتهم وقدراتهم وسلوكهم على زرع وتحصين وتجذير الرضا الوظيفي عن طريق استنبات الولاء تحقيقاً لهدفهم الأسمى بزيادة الانتاجية ورفع الأداء.
المصدر: عبد الله السلامة، الخصائص الشخصية والوظيفية وأثرها على الولاء التنظيمي- جامعة نايف العربية، 2000م (مجلة المدير)