العلاقة الحميمية مع “الصديق الروبوتي”!!! 

  • — الجمعة أغسطس 16, 2024
(الصديق الروبوتي)

ظهر جهاز ذكاء اصطناعي قابل للارتداء ” AiPin ” يسوق على أنه “قاتل الهواتف الذكية”، قيمة 700 دولار، ويصل أحياناً مكسورًا؛ جاء مخيبا لآمال مستخدميه، وجعل المؤسسين يحاولون الآن التخلص من الشركة وبيعها؟!!

ثم ظهر جهاز “Rabbit”، وهو جهاز بالكاد يعمل، ولم يقدم إلا القليل جدًا مما وعد به، ويقوم بالأشياء ببطء ممل، وبشكل غير صحيح، لكنه على الأقل يأتي ملونًا.

ولدينا جهاز آخر يسمى ” الصديق Friend”، هو أحدث جهاز يمكن ارتداؤه (تعليقه)، — في الحقيقة مجرد غلاف فاخر لبرنامج ChatGPT — يمكن أن نضيفه إلى الأجهزة التي مصيرها مقالب النفايات ، فهو يحاول بيعنا حلمًا أقرب إلى الكابوس “الديستوبي: أو المدينة الفاسدة”، وأنت تشاهد المقطع الدعائي الخاص بالإطلاق، سيمنحك النكهة “الديستوبي” المعروضة، وفي نهاية الإعلان المحرج حيث يجلس زوجان في مكان سري، وتقول الزوجة التي تحمل جهاز “Friend” الخاص بها، “لم أحضر أي شخص آخر إلى هنا، سوى “الصديق الروبوتي”!!!

لقد أثبت الحالات وبشكل مؤلم قضية فقاعة الذكاء الاصطناعي وضجيج منتجاتها.

فبغض النظر عن قضية شكل الجهاز أو صناعته الجيدة، فإن هذه الأجهزة لا معنى لها؛ إنها أساسيات التصميم التي يبدو أنهم لا يفقهونها؛ ابدأ بالمشكلة، وليس الحل.

الفكرة اضغط على الزر، وتحدث إليه، ثم عندما يكون جاهزًا للتحدث إليك (سيفكر “صديقك” للحظة، ويتوصل إلى شيء جيد ليقوله لك)، سيرسل إليك رسالة نصية.

 يبدو ذلك لطيفًا، لكن إلى هذا الحد تنتهي الأوقات الجيدة، حيث تبدأ السلبيات، ومنها الادعاء بأن الجهاز ليس صديقًا “خيالياً”.

إذن، ما هو هذا الشيء اللعين؟!

[بعيداً عن أي شخص قد يقفز ويقول: أن “الذكاء الاصطناعي هو سباق” أو “الذكاء الاصطناعي هو كائن حقيقي وصديق”، نقول: إنه ليس صديقاً، وهو مجرد جهاز (آلة)، حيث تتحدث إلى شيء موجود فقط في شكل أسطر من التعليمات البرمجية، والأفضل بعد أن لا تكمل قراءة المقالة، واحصل ربوت صديق واغلق الباب على نفسك معه، وتحدث إليه حتى تصاب بالجنون].

كيف يساعد هذا الهراء في حل مشكلة الشعور بالوحدة؟

عندما تفكر في الأمر فهو ليس حتى محادثة، أنت تتحدث بصوت عالٍ إلى آلة تستمع -تجمع- ثم تضع كل هذه الكلمات في إطار عمل “ChatGPT”، وتخرج لك استجابة بالكاد تكون مقبولة، وكما يصفه الموقع الإلكتروني: “عند الاتصال عبر البلوتوث، يستمع دائماً صديقك إليك، ويشكل أفكاره الداخلية الخاصة. لقد منحنا صديقك إرادة حرة عندما يقرر التواصل معك”.

يبدو أن هذا الصديق ليس له حدود!!!

إذا كان هذا هو الحل للشعور بالوحدة، فنحن لسنا بعيدين عن مجتمع متهالك؛ جهاز مثل هذا أكبر مصدر للقلق، ولن يؤدي إلا إلى تفاقم الشعور بالوحدة والانطوائية؛ فأنت لا تتفاعل فقط مع أسطر من التعليمات البرمجية، وتشارك في “محادثة” مع آلة، بل أيضا تجري نصف هذا التفاعل من خلال التحديق في هاتفك، وإن روجت أجهزة الذكاء الاصطناعي الأخرى بأن غرضها الرئيسي هو مواجهة كثرة اعتمادنا على هواتفنا.

الواقع أنه لا يقدم سوى مزيد من الأسباب للبقاء مدمنين على جهاز يستهلك وقتنا ومواردنا العقلية، والمزيد من الإغراءات لجذب إدمان “الدوبامين” الذي نحاول محاربته، والمزيد من الإشعارات لإشغالنا.

ما الذي يمكن أن يستفيده أي شخص من هذا الصديق المحمول؟

من الواضح أن “الصديق المبرمج” مجرد منتج خدعة صُنع من مؤسس أناني يحاول يائسًا الاستفادة من فقاعة دون أي اعتبار؟!!

إنه مثال صارخ على ما يسمى “الطريقة التقنية” لحل المشكلات المجتمعية، التي تتجاهل السبب الجذري للمشكلة، وتخلق بدلاً من ذلك جهاز/خدمة لتحقيق ربح منها من خلال التسويق -التدليس- لقضية من المفترض أنه يحلها!!!

إن الذكاء الاصطناعي التوليدي، بالتحديد، GenAI، يمر بنقطة تحول وانكشاف، إن استخدام ChatGPT بدء يتضاءل، ولم ينفع كثيراً إطلاق مولدات “الفيديو” في إعادة تضخيم الضجيج.

لقد ألغت شركة “Meta” مؤخراً صور المشاهير للذكاء الاصطناعي لأن لا أحد يهتم؛ تعترف المنظمات والمبدعون على حد سواء بأنهم لا يفهمون حقًا كيف يمكن أن يجعلهم ذلك أكثر إنتاجية، والبعض يقول إنَّ النتيجة جاءت عكسية.

ما تحتاج إليه صناعة الذكاء الاصطناعي اليوم هو حالات استخدام حقيقية وملموسة تتجاوز إعادة صياغة الأشياء الموجودة أصلاً، وليس مزيداً من الأحلام البائسة؛ إنها بحاجة إلى انتصارات لوقف موجة الرأي العام التي تتحول ببطء ضد هذه الموجة من التقنية.

هناك شيء خاطئ بشكل أساسي في الآلة – سواء كانت روبوتًا أو نماذج اللغات الكبيرة (LLM) – التي تحل محل الرفقة البشرية الفعلية، إن الأدوات التقنية التي تهدف إلى استبدال التواصل البشري بدلاً من تعزيزه، هي خط أحمر لا ينبغي عدم تجاوزه إذا كانت مجتمعاتنا تهمنا.  

إن الصديق الإنسان يقدم لك النصائح/الدعم/المحادثة، المبنية على الواقع والخبرة المعاشية؛ يتواصلون معك لأنهم يعرفونك، لأنهم يفهمونك، لأنهم يستطيعون التواصل معك، لأنهم يستطيعون مشاركتك في حياتك، فهل ننقل هذا إلى “روبوت” محادثة؟

لسنا بحاجة إلى معرفة كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ فهذا مؤشر آخر على ما ينتظرنا من مستقبل مظلم من شركات التقنية المتوحشة في هذا العالم المتغير؛ وحيدون ومعزولون، كلٌ يعيش في عالمه الخاص، خاليًا من اللمسة الإنسانية، ينتظر بقلق “صديقنا الروبوت” كي يرسل إلينا رسالة نصية ليخبرنا بأننا سنكون بخير!!!