اعلم أن العرب قد تجعل للشيء الواحد اسمًا، وَيُسَمَّى بالشيء الواحد أشياء فإذا سنح لك ذكر شيء فاذكره بأحسن أسمائه، فإن ذلك من المروءة، وإنما المرء بمروءته؛ فالمروءة اجتناب الرجل ما يشينه، واجتنائه ما يزينه، وأنه لا مروءة لمن لا أدب له، ولا أدب لمن لا عقل له، ولا عقل لمن ظن أن في عقله ما يغنيه، ويكفيه عن غيره، وشتان ما بين عقل وافر معه خمسون عقلًا كلها وافر مثله، وأوفر منه، وبين عقل وافر لا تاره معه.
وما أدب الإنسان شيء كعقله … ولا زينة إلا بحسن التأدب.
إن الأفئدة مزارع الألسن، فمنها ما ينبت ما زُرع فيه من حسن، ولا ينبت ما سَمُجَ، ومنها ما ينبت ما سَمُجَ، ولا يُنبت ما حَسُنَ، ومنها ما يُنبِتُ جميع ذلك، ومنها مالا ينبت شيئًا، وإن من المنطق ما هو أشد من الحَجَر، وأنفذُ من الإِبر، وأمرّ من الصبر، وأحر من الأسنة وأنكد من زُحل، ولربما احتقرتُ كثيراً منه على حرارته ومرارته ونكده، مخافة ما هو أحر منه، وأمر وأفظع وأنكد.
لقد أسمع القول الذي كاد كلما … يذكرنيه الدهر قلبي يصدعُ.
فأُبدى لمن أبداه منى بشاشة … كأني مسرور بما منه أسمعُ.
وما ذاك من عجبٍ به غير أنني … أرى أن ترك الشر للشر أقطعُ.
[من كتاب “الأدب والمروءة” لصالح بن جناح اللخمي؛ من الحكماء العرب، أدرك التابعين في القرن الثاني من الهجرة، وقد تتلمذ الجاحظ على يده]
اللهم أَغْنِينا بالعلم، وزَيِّنِّا بالحِلْمِ، وأَكْرِمْنِا بالتقوى، وجَمِّلْنِا بالعافية.