عندما نفكر في عام 2024، سنتذكره بأشياء كثيرة، ولكن الأهم من ذلك كله اعتباره عام فوضى الذكاء الاصطناعي.
أصابت الفوضى كل جانب من جوانب ثقافتنا، وطغت عليها.
أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي فوضى.
أصبح جوجل فوضى.
غرقت الصحافة في الفوضى.
تمتلئ الحملات السياسية في جميع أنحاء العالم بالفوضى.
غمرت الفوضى منصات الكتابة.
غالبية البرامج التلفزيونية والفلام وألعاب الفيديو ليست سوى فوضى مرسومة بالأرقام. فوضى مصنعة على نحو مفرط.
أصبح التسويق والإعلان فوضى.
يمكن للمرء أن يزعم أن المعايير الثقافية (وغيرها) كانت في تدنٍ لسنوات ماضية – على الأقل منذ فجر الخوارزميات، والتقييم بمقاييس عدد المشاركة فوق كل اعتبار آخر ذي قيمة – فقد شهد هذا العام (2024) تفجير القاع حقًا، وتفاقم الأمر، بسبب، الذكاء الاصطناعي التوليدي.
لقد انخفضت أولوية الإبداعات البشرية بجميع أشكالها كما لم يحدث من قبل، بينما تلوث الخوارزميات كل منصة برواسب الذكاء الاصطناعي معدومة الروح والقلب؛ فإن جميع المشتبه بهم المعتادين هم المديرون التنفيذيون الجشعون ومجالس الإدارة، ورأس المال الاستثماري، والتحول المستمر من قيمة المستهلك إلى قيمة المساهمين.
الآن، يسمح الذكاء الاصطناعي التوليدي لأي شخص تقريبًا بتوليد أي شيء تقريبًا -ويزعم البعض أن هذا مفهوم نبيل- لكن المخرجات يفتقر إلى الأساسيات التي تجعل جميع الحرف ذا قيمة تستحق الاستعمال؛ من دون إبداعات البشر، وفوارق الأذواق والآراء، والتنوع في الأسلوب والتقنيات، والعيوب والنواقص، والحرفية والخبرات اللازمة لتشكيل الأشياء، فإن غالبية هذا الناتج لا روح له، ولا هدف له، وبصراحة لا فائدة منه، ولا سيما في سياقه الثقافي.
نظرية “الإنترنت المميتة”
إنها حقًا نظرية إنترنت مميتة تقول – لأولئك الذين لا يدركون ذلك- أن الإنترنت يتكون الآن على نحو أساسي من نشاط الروبوتات والمحتوى المولَّد الذي يتم التلاعب به من خلال التنظيم الخوارزمي، وتتجه هذه النظرية قليلاً إلى “نظرية المؤامرة” هو السبب وراء هذا التحول – للسيطرة على السكان والحد من النشاط البشري العضوي (سنترك الآن الحديث عن هذا الجزء ليوم آخر).
قد يكون عصر الفوضى الذكاء الاصطناعي هذا، الذي تغذيته الذكاء الاصطناعي التوليدي، أنه أصبح في كل مكان نلتفت إليه على الشبكة، وعبر كل وسيلة نستخدمها تقريبًا، وهو على وشك أن يزداد سوءًا، وهي النقطة التي يصبح فيها الجزء الأول الأقل تشاؤمًا من النظرية حقيقة واقعة؛ بعض المنصات والمواقع موجودة بالفعل بمحتوى جرى إنشاؤه بواسطة ملفات تعريف الذكاء الاصطناعي، التي تتفاعل معها حسابات الذكاء الاصطناعي الأخرى.
ماذا عن المحتوى على نطاق أوسع؟ لقد أصبحت كل القطاعات تكافح من أجل كيفية إدارة الذكاء الاصطناعي التوليدي، أو تحديد كيفية تنفيذه في أقرب وقت ممكن، وبينما يقاوم الكثيرون – احتجاجات بعض النقابات المهنية – يرى المسؤولون التنفيذيون الجشعون إنتاج المزيد مع عدد أقل من الأشخاص، أو بعبارة أخرى، المزيد من الأرباح مقابل نفقات أقل، لا أعتقد أن ذلك سيتوقف في أي وقت قريب؛ ربما دخلنا للتو في عصر النفايات، وفي العام المقبل (2025)، سنرى مؤلفات وأعمال فنية جرى إنشاؤها بالكامل (،وإن لم تكن جيدة جدًا)، وكتب، وكتّاب وغيره -موجودة بالفعل، ولكن ليست واسعة النطاق حتى الآن- والمزيد سيركب التيار، وسيكون هناك المزيد من المحتوى لإضافته إلى بئر محتوى ممتلئ بالفعل بالقمامة، وبأقل جهد وفكر وقلب.
إن ما يحدث يعتمد كثيرًا على المستهلك/ المستخدم، ويسير في اتجاهين:
الأول: تستمر المنصات، سواء الاجتماعية، أو البث المباشر، أو المعلنون، أو مواقع الوسائط، في زيادة إنتاجها -جزئيًا أو كليًا- بواسطة الذكاء الاصطناعي التوليدي؛ نحن كمستهلكين، نستمتع بذلك، ونطلب من السيد الذكاء الاصطناعي “هل يمكننا الحصول على المزيد”، وتظل مقاييس عدد المشاركات كما هي أو ترتفع، ويفتح الأبواب على مصراعيها لتصبح الحقبة الدائمة.
الاتجاه الثاني: تستمر المنصات، سواء الاجتماعية، أو البث المباشر، أو المعلنون، أو مواقع الوسائط، في زيادة إنتاجها – جزئيًا أو كليًا- بواسطة الذكاء الاصطناعي؛ نحن كمستهلكين نقول: “مهلاً، اذهب إلى الجحيم”، تنخفض مقاييس عدد المشاركات، مما يؤثر في أسعار الأسهم وقيمها، ويسبب الذعر في غرف الاجتماعات، مع ترك المديرين التنفيذيين في حالة تعرق، مما يجبر المنصات والخدمات على تقليص كل شيء.
بالتأكيد، القوة ليست في أيدينا تمامًا، وسيسعى كثير من الأسياد والمديرين التنفيذيين في مجال التكنولوجيا إلى تحقيق نتائج مهما كلف الأمر، لكن أعمالهم استثمرت الكثير، ونتائجهم حتى الآن سيئة مما جعلهم يجلسون على بيت محفوف بالأخطار من الورق يحتاج إلى الذكاء الاصطناعي التوليدي لتوليد شيء مفيد بالفعل – المال.
لكن هناك رأي.
يمكننا زيادة النتائج السيئة، ومتابعة الأشياء التي تجلب إلينا السعادة بالفعل، وليس ما يُقال لنا أن نستهلكه/نستخدمه؛ يمكننا أن نحاول، مهما كان الأمر صعبًا، تنظيم خلاصاتنا واهتماماتنا وتجاهل النتائج التي تحركها الخوارزميات التي يولدها الذكاء الاصطناعي، لقد رأينا ذلك من قبل: ردود الفعل العنيفة تجاه الإعلانات أو العلامات التجارية أو محاور الأعمال التي أجبرت بنجاح شركة أو منصة على تغيير المسار.
نحن حقًا في عصر من الفوضى، وإلى متى سيستمر هذا العصر؟!
حسنًا، هذا متروك لنا نحن المستخدمون.