«اتَّبِعوا ولا تبتدِعوا»

  • — الأربعاء سبتمبر 11, 2024

طريقُ أهل الإيمان والتوحيد لُزومُ السنة، واتِّباعُ الأثر، ونبذُ البدع والخُرافات، وردُّ المُحدثَات والضلالات، والبراءةُ منها ومن أهلِها. مضَت الصحابةُ والتابِعون وأتباعُهم وعلماءُ السنَّة على هذا مُجمِعين مُتَّفقين.

يقول حبر الأمة وترجمان القرآن عبدُ الله بن عباس -رضي الله عنهما-: “إن أبغضَ الأمور إلى الله: البِدَع”.

وقال المحدث والفقيه عبدُ الله بن عمر -رضي الله عنهما-: “كل بدعةٍ ضلالةٌ وإن رآها الناسُ حسنة”،

وقال فقيه الأمة ومقرئها عبدُ الله بن مسعود -رضي الله عنه-: “اتَّبِعوا ولا تبتدِعوا؛ فقد كُفِيتُم، وكل بدعةٍ ضلالة”، وقال -رضي الله عنه وأرضاه-: “عليكم بالعلمِ، وإياكم والتبدُّع والتنطُّع والتعمُّق”. وقال: “الاقتصادُ في السنَّة خيرٌ من الاجتهاد في البدعة”.

وقال حافظ سر رسول الله -ﷺ- حُذيفةُ بن اليمان -رضي الله عنه-: “كل عبادةٍ لا يتعبَّدُها أصحابُ رسول الله -ﷺ- فلا تعبَّدُوها؛ فإن الأولَ لم يدَع للآخر مقالاً”.

وكتبَ رجلٌ إلى عُمر بن عبد العزيز يسألُه عن القدر، فكتبَ: “أما بعد: أُوصيك بتقوى الله، والاقتصاد في أمرِه، واتِّباع سُنَّة نبيِّه -صلى الله عليه وسلم-، وتركِ ما أحدثَ المُحدِثون”.

وقال الإمام أبو حنيفة -رحمه الله تعالى-: “عليك بالأثر وطريقة السَّلَف، وإياك وكل مُحدَثة؛ فإنها بدعةٌ”.

وقال الإمام مالكٌ -رحمه الله تعالى-: “من ابتدَعَ في الإسلام بدعةً يراها حسنةً فقد زعمَ أن مُحمَّدًا -ﷺ- خانَ الرِّسالة؛ لأن الله يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) [المائدة: 3]، فما لم يكن يومئذٍ دينًا فلا يكونُ اليوم دينًا”.

وقال الإمام الشافعيُّ -رحمه الله تعالى-: “يسقُطُ كل شيءٍ خالفَ أمر النبي -ﷺ--، ولا يقومُ معه رأيٌ ولا قياسٌ؛ فإن الله قطعَ العُذرَ بقولِه -ﷺ-“.

وقال الإمام أحمدُ -رحمه الله تعالى-: “أصولُ السنَّة عندنا: التمسُّك بما كان عليه أصحابُ رسول الله -ﷺ-، والاقتِداءُ بهم، وتركُ البدع، وكل بدعةٍ فهي ضلالةٌ”.

وقال الإمامُ الأوزاعيُّ -رحمه الله تعالى-: “ندورُ مع السنَّة حيث دارَت”.

وكان ابنُ عونٍ -رحمه الله تعالى- يُوصِي عند موتِه، ويقول: “السنَّةَ السنَّةَ، وإياكم والبِدع، السنَّةَ السنَّةَ، وإياكم والبِدع”.

وقال الإمامُ الآجريُّ -رحمه الله تعالى-: “رحِم الله عبدًا حذِرَ هذه الفِرَق، وجانَبَ البِدَع، واتَّبَع ولم يبتدِع، ولزِمَ الأثرَ، فطلَبَ الطريقَ المُستقيمَ، واستعانَ بمولاه الكريم”.

وقيل للأوزاعيِّ: إن رجُلاً يقول: أنا أُجالِسُ أهلَ السنَّة وأُجالِسُ أهلَ البِدَع. فقال: “هذا رجلٌ يُريد أن يُسوِّيَ بين الحقِّ والباطِل”.

وقال ابن عباس -رضي الله عنهما- في تفسير قولِه -سبحانه-: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) [آل عمران: 106]، قال -رضي الله عنه وأرضاه-: “تبيضُّ وجوهُ أهل السنةِ والجماعةِ، وتسوَدُّ وجوهُ أهل البِدعَةِ والفُرقَة”.

وعن جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا خطَبَ احمرَّت عيناه، وعلا صوتُه، واشتدَّ غضبُه، وكان مما يقول: “أما بعد: فإن خيرَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ -ﷺ-، وشرَّ الأمور مُحدثاتُها، وكل بدعةٍ ضلالة”. أخرجه مسلم.

فالزَموا هذا النَّهجَ القويم، والطريقَ المُستقيم؛ تفوزُوا بجنَّةِ النَّعيم.

لقد أطلَّت رُؤوسُ الزنادِقَة الأرجَاس، والكذَبَة الأنجاس، أصحاب المذاهِبِ الفاسِدة، والعقائِد الخَبيثَة، وأخذَت في نشر البِدَع والضلالات، والخُرافات والخُزعبَلات، والمآتِم والشِّركيَّات بين عوامِّ المُسلمين، مُجاهِرين بها في وسائل إعلامِهم، وفي تجمُّعات المُسلمين، مُستغلِّين الفقرَ والجهلَ وغفلةَ المُوحِّدين عن واجبَةِ حمايَةِ جنابِ التوحيد والدِّين.

قومٌ هم أشدُّ الناس بُغضًا وكراهيةً للسُّنَّة، يُفارِقُونَها، ويُصادِمُونها، ويُحارِبُونَها، ويُعانِدونَها، يقتُلون دُعاتَها، ويُقاتِلُون حُماتَها، ويُحاصِرون أهلَها، وقديمًا وحديثًا وجَّهُوا سِلاحَهم لمُواجَهَة أهل التَّوحيد والسُّنَّة للقضاء على دعوتِهم ومساجِدهم ومعاهِدهم العلميَّة، ومدارِسِهم السلفيَّة.

فيا أتباعَ سيِّد البشر مُحمَّدٍ -ﷺ-: كُونوا حُماةَ العقيدة، وجُنود التوحيد، وذُبُّوا عن سُنَّة سيد المُرسَلين، ذُبُّوا عن سُنَّة سيد المُرسَلين محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وهل يُذبُّ عنها إلا بلُزومِها والتمسُّك بها، ونشرِها، وتعليمها، ومُواجَهة أعدائِها، والدفاعِ عنها وعن أهلِها، والجِهاد في سبيلِ الله لإعلائِها.

فالبِدارَ البِدارَ، فالبِدارَ البِدارَ، قبل استِفحال الداء، وإعوازِ الدواء.

جعلَني الله وإياكم من أنصارِها، وحمانا جميعًا من كيد أعدائِها.

لُزومُ السنَّة نجاةٌ وبركة، وتركُها خِزيٌ وفتنةٌ وهلَكَة، (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63].

وعن العِرباض بن سارية -رضي الله عنه- قال: وعظَنا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- موعِظةً بليغةً، وجِلَت منها القلوب، وذرَفَت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله: كأنَّها موعِظةُ مُودِّعٍ، فأوصِنا. فقال: “أُوصِيكم بتقوى الله، والسَّمع والطاعة، وإن تأمَّر عليكم عبدٌ حبشِيٌّ؛ فإنه من يعِش منكم فسيرَى اختِلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخُلفاء الراشِدين المهديين، عضُّوا عليها بالنواجِذ، وإياكم ومُحدثَات الأمور؛ فإن كل بدعةٍ ضلالة”. أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي.

وقال الإمامُ الأوزاعيُّ -رحمه الله تعالى-: “خمسٌ كان عليها أصحابُ رسول الله -ﷺ-: لُزومُ الجماعة، واتِّباعُ السنَّة، وعِمارةُ المسجِد، وتلاوةُ القرآن، وجهادٌ في سبيل الله”.

ثم صلُّوا وسلِّموا على أحمدَ الهادي شفيعِ الورَى طُرًّا؛ فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائِه الأربعة، أصحاب السنة المُتَّبعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، والتابعين وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنِّك وكرمِك وجُودِك يا أرحم الراحمين.


(*) تفريغ خطبة لفضيلة الشيخ صلاح بن محمد البدير إمام وخطيب الحرم النبوي الشريف