الضَّعْفُ قدَرُ اللهِ في البَشرِ، وسِمَتُهم في الوجودِ. وأشدُّ ما يكونُ ذلك الضَّعْفُ عند انعدامِ الحيلةِ، وجُثُومِ البلاءِ، واستبهامِ وجوهِ الأسبابِ، وانسدادِ أُفُقِ الفرَجِ في الواقعِ المنظورِ، وانقضاضِ جنودِ اليأسِ على مملكةِ القلبِ الضعيفِ المكْلُومِ بالتَّحزينِ والتخريبِ؛ شأنَ طبيعةِ اليأسِ البشريِّ التي أبانَها الخالقُ -سبحانه- بقولِه: {وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا} [الإسراء: 83].
بَيْدَ أنَّ لأهلِ الإيمانِ في ذلك الموقفِ العصيبِ خصيصةَ رحمةٍ ربانيةٍ يتميَّزونَ بها عن الغَيْرِ؛ يَنْظُرُونَ من خلالِها للواقعِ المَريرِ نظرةَ فأْلٍ لا يراه بها إلا مَن عَمَرَ الإيمانُ قلبَه، وتربَّعَ على مَعْقِدِ عرشِه، ونظرَ للواقعِ بمنظارِ اليقينِ؛ وكان مُفْعَمَاً بما يَضُخُّه الإيمانُ من قوةِ عبادةِ انتظارِ الفرَجِ العظيمةِ؛ لِيَخِفَّ بها وطْأةُ البلاءِ، ويُفْتَحَ للأملِ المُشْرِقِ نافذةً كبرى لا يُمكنُ أيُّ بلاءٍ سَدَّها مهما استحكمتْ شِدَّتُه واحْتلكتْ ظلمتُه.
لقد خلق الانسان في كبد، والمؤمن مبتلى في هذه الحياة، والشدّة لا تدوم، والألم لا يبقى، ولا شك أن ما من عسر إلا ويعقبه يسر، وإنْ بَارَ كلُّ سببٍ فثمةَ سببٌ لا يَلْحقُه بَوارٌ البتةَ؛ دعاءُ اللهِ، وصبْرٌ باللهِ، وانتظارُ فرجِ اللهِ! فلنْ يَغلبَ عسرٌ يسريْنِ، والشدةُ بتْراءُ لا تدومُ. قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ الأنصاري -رضي الله عنه-: ” إِذَا جَاءَكَ أَمْرٌ لَا كِفَاءَ لَكَ بِهِ؛ فَاصْبِرْ، وَانْتَظِرِ الْفَرَجَ مِنَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- “، فإمّا يُذْهِبُ اللهُ الشدةَ، أو يُعينُ عليها بالصبرِ والتعايشِ والاسترواحِ بارتقابِ الفرجِ، وقال ابنُ رجبٍ -رحمه الله-: “انتظارُ الفرجِ بالصبرِ عبادةٌ؛ فإنَّ البلاءَ لا يدومُ”، وما من ضائقة إلا ويزيلها فرج الله.
وإن من الإيمان بالله اليقين بأن الله -جل وعلا- هو من قضى وقدّر الأقدار، وأجّل الآجال، وسبّب الأسباب، وإليه ترجع الأمور، وأنّه -جل جلاله- لم يعط أحداً من عباده خيراً إلا بفضله، ولم يصب أحداً من عباده بسوء إلا بعدله، وأن كل شيء قدّره بحكمته، وأنّه سبحانه لا يريد بعبده إلا خيراً؛ فعن أبي يحيى صهيب بن سنان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ” عجباً لأمر المؤمن إن أمره كلّه خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ” رواه مسلم.
فما أجمل أن نوطن أنفسنا على انتظار الفرج من الله؛ لأنه لا محالة قادم، فتنال أجر انتظاره، والفوز برفع الدرجات.
فانتظر الفرج أيّها المكلوم بإيمان وعمل خالص وحسن ظن بالله، ولا تخرم وثيقة الإيمان بسخط أو جزع، أو اعتراض لا يجدي.
وانتظر الفرج أيّها المحزون بقلب آمن ومطمئن، وبلسان ذاكر شاكر، وبجوارح عاملة باذلة وبإقامة للعبادات وللطاعات، وتوبة من المعاصي والمنكرات، وبتذلل لله وخضوع وابتهال إليه وخشوع.
إنَّ الله كريم العطاء، وإنَّ الشِّدَّة إلى انتهاء، فلا تستطيلوا البلاء، ولا تتركوا الدُّعاء، وإنَّ البلاءَ لَيَنْزِلُ، “فيَتَلَقَّاه الدعاءُ، فيَعْتَلِجَانِ إلى يومِ القيامة”.