«شركات الأعمال الزراعية الكبرى والتربح من أزمات الغذاء»

  • — الثلاثاء نوفمبر 12, 2024

من الصعب التنبؤ بموعد ارتفاع أسعار الغذاء، ولكن لا شك أن المزيد من الصدمات قادمة، ومن المرجح أن تتفاقم العواقب إذا ظلت بعض شركات الأعمال الزراعية الكبرى تتمتع بسلطة مفرطة على أنظمة الغذاء في العالم.

الزراعة

في السنوات الأخيرة، تسببت جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا في ارتفاع أسعار السلع الأساسية، مما أدى إلى تقويض الأمن الغذائي العالمي بشدة. وانخفضت أسعار الغذاء العالمية عن ذروتها خلال الوباء، ولكن محنة الغذاء في العالم لم تنته بعد، ولا يزال خطر التقلبات الإضافية في الأسعار مرتفعا.

فمع إلغاء الرئيس الروسي “بوتن” لمبادرة الحبوب في البحر الأسود، والهجمات على البنية الأساسية للتصدير في أوكرانيا، ارتفعت أسعار الحبوب مرة أخرى، وتشكل أسواق الغذاء غير الوظيفية خطرا عالمياً طويل الأجل؛ لا يزال سعر القمح أعلى من ضعف سعره قبل الوباء، وعلاوة على ذلك، لا يزال التضخم في أسعار الغذاء يتجاوز 5% في معظم البلدان النامية، ويصل إلى 30% في بلدان مثل مصر ورواندا، ومن المرجح أن ترتفع أسعار الغذاء العالمية مرة أخرى.

إن المشكلة الحقيقية هي القوة السوقية المتنامية لشركات الأعمال الزراعية الكبرى التي تزيد من خطر تحول التقلبات الشديدة في أسعار الغذاء إلى قاعدة الأساس.

ولنتأمل قطاع الأسمدة.

لقد أدى ارتفاع أسعار الأسمدة في الفترة 2020-2022 ــ إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية ــ مدفوعا جزئيا بارتفاع تكاليف الأسمدة النيتروجينية، وهو ما يعكس أيضاً ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي.

ومع ذلك، تظهر البيانات الجديدة من GRAIN/IATP أن الشركات الزراعية رفعت أسعار الأسمدة بما يتجاوز كثيرا ما كان مطلوبا لتغطية تكاليف الإنتاج المتزايدة، مما أدى إلى زيادة أرباحها التشغيلية إلى 36%، حتى مع بيعها عددا أقل من المنتجات، وكانت نسب الربح الناتجة أعلى بثلاثة أضعاف مما كانت عليه قبل بدء حرب أوكرانيا، وأعلى كثيرا من متوسط ​​13% الذي كانت سجلته شركات S&P 500؟!

وبالمثل، تمكن تجار الحبوب العالميون من ترجمة الإمدادات الأكثر صرامة إلى أرباح قياسية؛ في منتصف عام 2022، سجلت شركة الحبوب متعددة الجنسيات “آرتشر دانييلز ميدلاند (ADM) ” أعلى أرباح ربع سنوية لها على الإطلاق، كما حققت منافستها “كارغيل” أرباحًا قياسية، حيث ارتفعت الإيرادات الإجمالية بنسبة 23٪.

فشركات مثل “ADM، Cargill، Bunge، Dreyfus – تسيطر على ما بين 70-90٪ من سوق الحبوب العالمية، وتمثل أربع شركات فقط 75٪ من إنتاج الأسمدة النيتروجينية في الولايات المتحدة و 72٪ من سوق الأسمدة البوتاسية على مستوى العالم.

وعلى مدار عقود من عمليات الدمج والاستحواذ، تمكنت مثل شركات الأعمال الزراعية الرائدة من جمع كميات هائلة من بيانات السوق، ومن توسيع نفوذها صعودا وهبوطا في سلسلة التوريد؛ وتتمتع بقوة هائلة في إدارة العرض وتحديد الأسعار، على غرار دور أوبك في أسواق النفط، ولا تخشى من استخدام هذه القوة في ارتفاع الأرباح في قطاعي الأسمدة وتجارة الحبوب؛ اعترفت شركة Nutrien، أكبر شركة أسمدة في العالم في ملف قدمته إلى الجهات التنظيمية الأمريكية (عام 2021)، بأن “أسعار البيع المرتفعة تعوض بشكل كبير تكاليف المواد الخام المرتفعة وحجم المبيعات المنخفض”.

إن ارتفاع أسعار الغذاء قد يكون مدمراً بالنسبة إلى فقراء العالم الذين ينفقون ما يصل إلى 60% من دخولهم على الغذاء، ثم إنَّ ارتفاع تكاليف استيراد الغذاء والأسمدة يشكل أحد الأسباب التي تجعل كثيراً من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل تواجه الآن أسوأ أزمة ديون منذ ستين عاماً.

ومن ناحية أخرى، يعجز المزارعون في الأغلب عن الاستفادة من ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ويرجع هذا إلى حد كبير إلى ارتفاع تكاليف المدخلات ــ التي توفرها إلى حد كبير شركات كبرى تتمتع بقوة سوقية هائلة ــ بوتيرة أسرع من أسعار السلع الأساسية، ومع هبوط أسعار المزارع، وارتفاع الديون (بسبب ارتفاع أسعار الفائدة)، يكافح كثير من المزارعين من أجل البقاء.

والآن مع تصاعد أسعار القمح بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، أصبح من الواضح أن أسعار الغذاء قد ترتفع دون سابق إنذار. ولا شك أن المزيد من الصدمات سوف تأتي، ومن المرجح أن تتفاقم العواقب إذا ظلت بضع شركات تتمتع بمثل هذه القوة المفرطة على أنظمة الغذاء في العالم.

لقد ظهرت دعوات مقنعة لتغيير الحوافز لفرض ضريبة على الأرباح غير المتوقعة التي تحققها الشركات الزراعية وإعادة استثمار الأموال في أنظمة غذائية قادرة على الصمود في مواجهة التغيرات المناخية، وهناك حاجة أيضا إلى تدقيق حكومي في التلاعب بأسعار الأسمدة ــ طالبت به جماعات المزارعين ــ إلى جانب فرض سياسات المنافسة بشكل أقوى للحد من عمليات الاندماج والاستحواذ المفرطة التي تؤدي إلى الاحتكار، حيث يتعين على الحكومات أن تفكر في القيام بما كانت مترددة في القيام به؛ التدخل لتفكيك الاحتكارات؛ تقييم نوع الدمج الذي يصب حقا في المصلحة العامة وإرسال رسالة واضحة: بعدم التسامح بعد الآن مع التربح من أزمات الغذاء.

ولهذا ومن أجل المصلحة العامة يتعين على الحكومات أن تتحرك قبل أن تباغتنا الأزمة القادمة.


https://www.project-syndicate.org/