دخلَ أبو طلحة الأنصاري يوماً على زوجتهِ أم سُليم -رضي الله عنهما- فقال لها: قد سمعتُ صوتَ رسول الله -ﷺ- ضعيفاً، أعرفُ فيه الجوع، فهل عندك شيء؟
فقالت: نعم، وأخرجتْ أقراصاً من شعير.
فأرسل أبو طلحة أنسَ بن مالكٍ -رضي الله عنه- ليدعو النبي -ﷺ-، فذهبَ أنسٌ فوجده جالساً في المسجد ومعه الناس، فلما رآه النبي -ﷺ- قال له: أرسلكَ أبو طلحة؟
فقال: نعم
فقال: أَلِطعام؟
فقال: نعم
فقال النبي -ﷺ- لمن معه: قوموا!
يقول أنس فَانْطَلَقَ النبي -ﷺ- وانْطَلَقْتُ بيْنَ أيْدِيهِمْ، ولما وصلوا إلى بيت أبي طلحة، قال أبو طلحة لأم سُليم: يا أم سُليم قد جاء رسول الله -ﷺ- والنَّاسُ، وليسَ عِنْدَنَا مِنَ الطَّعَامِ ما نُطعمهم!
فقالتْ له: الله ورسوله أعلم.
فدخلَ النبيُّ -ﷺ- وأخذ الخبز من أم سُليم وفتَّه بيده الشريفة، ثم صبَّتْ عليه أم سُليم مرقاً من عندها، فلما خلطه، دعا بالبركة، وطلب من أبي طلحة أن يُدخل عليه عشرة رجال، فدخلوا وأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا فدخل عشرة غيرهم فأكلوا حتى شبعوا، وبقيَ على هذه الحال حتى دخل سبعون رجلاً كانوا رفقة النبي -ﷺ-، فأكلوا جميعاً وخرجوا، والطعام على حاله، ببركة دعاء النبي -ﷺ-.
انظُرْ إلى حُبِّ الصحابة للنبي -ﷺ-؛ أحس أبو طلحة -رضي الله عنه- أن النبيَّ -ﷺ- جائع من صوته دون أن يسأل، فبادر وذهبَ إلى بيته يبحثُ عن طعام؛ وهكذا هم أَمَاثِلُ الناس وفضلاؤهم، لمَّاحون يعرفون حاجات الناس، فيسارعون في قضائها، ويغنونهم عن السؤال والطلب!
كان الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: “إني لا أسأل الله الرزق، فقد فرغَ من قسمته، ولكني أسأله البركة فيه”.
فالبركة هي ثبوت الخير الإلهي في الشيء وتطلق على النماء والزيادة (عكس النقص)؛ فإذا حلت في قليل كثرته، وإذا حلت في كثير زاد نفعه، ولهذا كانت البركة امرا مهم وضروري في حياة المسلم؛ فالقليل الذي تحل فيه البركة خير من الكثير الذي تُنزع منه!
اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وانت خير الرازقين.