جاء في «العقد الفريد» لابن عبد ربه الاندلسي ما حكاه الأصمعي عن جود الصحابي سعيد بن العاص -رضي الله عنه- قال: “كان سعيد بن العاص يسمر معه سماره إلى أن ينقضي حين من الليل، فانصرف عنه القوم ليلة ورجل قاعد لم يقم، فأمر سعيد بإطفاء الشمعة وقال: حاجتك يا فتى؟ فذكر أنّ عليه دينا أربعة آلاف درهم.
فأمر له بها، وكان إطفاؤه للشمعة أكثر من عطائه”.
وسَعِيد بن العاص من أشراف قريش وأجوادهم وفصحائهم، وهو أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان بْن عفان-رضي الله عنه-، وكان حليماً وقوراً مشهوراً بالكرم والبر، والناس يقصدونه في حاجاتهم.
والشاهد هنا أنه لما أدرك أن الفتى له حاجة، أطفأ الشمعة ليحفظ ماء وجهه مراعياً حياءه؛ يعلق الأصمعي على القصة بقوله: “وكان إطفاؤه للشمعة أكثر من عطائه” يعني مراعاته لكرامةِ وماءِ وجه الفتى أعظم في الإحسان من العطية.
قال الشاعر:
ذُلُّ السُؤالِ شَجىً في الحَلقِ مُعتَرِضُ.. مِن دونِهِ شَرَقٌ مِن خَلفِهِ جَرَضُ
ما ماءُ كَفِّكَ إِن جادَت وَإِن بَخِلَت.. مِن ماءِ وَجهي إِذا أَفنَيتُهُ عِوَضُ
ما ماءُ كَفِّكَ إِن جادَت وَإِن بَخِلَت.. مِن ماءِ وَجهي إِذا أَفنَيتُهُ عِوَضُ
قال الله ﷻ: {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} [البقرة].
الكرام أهل الجود حقاً هم من إذا أعطوا لم يسلبوا شيئاً آخر، ولا يمنون بها بل يراعون أن تكون عطيتهم صافية خالصة لله، بل ويعطون من المواساة، ويحرصون على مراعاة السائل بنحو مما يعطون.
اللهم اجعلنا منهم، ومن حزبك المفلحين، ومن أوليائك المتقين، وعند الموت من المستبشرين، ويوم الفزع الأكبر من الآمنين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.