كريستوفر ميمس | وول ستريت جورنال
أنا مثل غيري مؤمن جداً بالقدرة التحويلية للحوسبة السحابية، والهواتف الذكية، التي تسعى دوماً لاسترجاع البيانات، ولا جدوى منها بدون السحابة، وأي شركة لا تسارع لدفع بياناتها وبرمجياتها في مركز بيانات آخر فهي تهيء نفسها -في رأيي- حتى يقضي عليها منافسوها.
غير أن مؤيدي السحابة مولعون بالإعلان عن أن 100٪ من الحوسبة ستتم يوما ما في السحابة. وهناك العديد من الشركات التي تتاجر بترويج هذه الفكرة. وتكمن هنا حقيقة هامة وهي: أن إرسال البيانات إلى السحابة أو اخذها منها، أصعب بكثير مما يقر به معظم المهندسين، أو على الأقل مدراءهم في كثير من الأحيان.
المشكلة هي عرض النطاق الترددي، فإذا كانت الشركة تسعى لكي توفر على نفسها التكلفة والمصاعب التي تصاحب تخزين بياناتها بنفسها، فإن السحابة كبيرة بما يكفي، طالما أن كل ما عليك القيام به هو نقل البيانات عبر الموصلات عالية السرعة .
ولكن في عالم الاتصال الجماهيري، الذي أصبح الناس فيه بحاجة إلى الحصول على المعلومات في مجموعة واسعة من الأجهزة النقالة – فإن النطاق الترددي بطيء جدا. وأي شركة تقوم بإرسال البيانات إلى الأجهزة النقالة، سواء كان في نظم حجز الطيران للمستهلكين أو بيانات الأعمال . ولقوة مبيعات الهاتف المحمول، تخوض صراعاً مع القيود المفروضة على الشبكات اللاسلكية. ووفقا للمنتدى الاقتصادي العالمي، فإن الولايات المتحدة تحتل المرتبة 35 في العالم من حيث عرض النطاق الترددي لكل مستخدم.
وهذا أحد الأسباب التي تجعل تطبيقات الجوال أصبحت الوسيلة السائد للتعامل مع الإنترنت، على الأقل على الهواتف الذكية. حيث أن بعض البيانات والقدرة على المعالجة تتم داخل الجهاز.
ومشكلة كيفية انجاز الامور مع الاعتماد على السحابة أصبح أكثر صعوبة كلما أصبحت الأشياء “ذكية” أكثر فأكثر، أو قادره على إدراك بيئتها، والاتصال بالإنترنت، وحتى تلقي الأوامر عن بعد. فأي شيء بدأ من محركات الطائرات النفاثة إلى الثلاجات، أصبحت متصلة بالشبكات اللاسلكية ومرتبطة “بإنترنت الأشياء”.
الشبكات الخلوية الحديثة الجيل الثالث والرابع 3G و 4G هي ببساطة ليست سريعة بما يكفي لنقل البيانات من الأجهزة إلى السحابة بالوتيرة التي يتم إنتاجها بها، وبما أن كل شيء في المنزل أو في العمل بات مرتبطاً بهذه “اللعبة” فإن الأمور على ما يبدو ستزداد سوءاً.
ولحسن الحظ هناك حل واضح: أوقف التركيز على السحابة، ثم ابحث عن كيفية معينة لتخزين ومعالجة سيل البيانات التي يتم إنشاؤها بواسطة إنترنت الأشياء (وتعرف أيضا بشبكة الإنترنت الصناعية) على الأشياء نفسها ، أو على الأجهزة التي تربط بين الأشياء والإنترنت.
لقد تمكن المسوقين في شركة سيسكو سيستمز بالفعل من ابتكار تسمية لهذه الظاهرة، وهو: حوسبة الضباب.
أنا شخصياً يعجبني هذا المصطلح. وكنت أحب الحوسبة السحابية أيضا قبله- وهو أيضاً مصطلح تسويقي لظاهرة كانت جارية بالفعل، انها استعارة بصرية جيدة لما يجري.
وفي حين أن سحابة ” تقبع هناك” في مكان ما في السماء، بعيدة و نائية، فإن “الضباب” على مقربة من الأرض. وهو لا يتكون من خوادم قوية، ولكن من أجهزة كمبيوتر أضعف وأكثر تشتتا من النوع الذي يشق طريقه إلى الأجهزة والمصانع والسيارات، وأضواء الشوارع وكل قطعة أخرى من ثقافتنا المادية.
سيسكو تبيع أجهزة “الراوتر”، وهي مختلفة عن أجهزة التخزين، التي يجب أن تكون من نوعية الأعمال الأقل إثارة في مجال التقنية . ولجعلها أكثر جاذبية، ولبيعها في أسواق جديدة أمام المنافسين الصينيين الذين يعرقلون التدفقات الحالية لإيرادات سيسكو، ترغب سيسكو في تحويل “راوتراتها” إلى مراكز لجمع البيانات واتخاذ القرارات حول ما يجب أن تفعله بها. وفي تصور سيسكو، فإن “راوتراتها” الذكية لن تتحدث أبدا إلى سحابة إلا إذا بادرتها هي بذلك- بتنبيه للمشغلين بحالات الطوارئ على سيارة السكة الحديد التي يعمل فيها أحد “الراوترات” بمثابة المركز العصبي .
شركة الدولية لأجهزة الأعمال لديها مبادرة مماثلة لدفع الحوسبة بعيداً “إلى الحافة”، وهو كما يقول المدير التنفيذي لشركة IBM بول برودي، محاولة لتحويل الإنترنت التقليدية الحالية القائمة على السحابة (عندما يتحدث الناس عن “حوسبة الحافة” ما يقصدونه حرفيا هنا هو حافة الشبكة، وهو المحيط الذي تنتهي عنده الإنترنت ويبدأ العالم الحقيقي. ومراكز البيانات تقع في “مركز” الشبكة، بينما تقع أجهزة الكمبيوتر الشخصية والهواتف وكاميرات المراقبة على الحافة.)
وتماماً كما تتكون السحابة عمليا من خوادم يتم استخدامها معا، فإن مشروع بحثي تابع لشركة IBM، فالحوسبة الضبابية تتكون من كافة أجهزة الكمبيوتر التي من حولنا، والمتصلة ببعضها البعض. وفي أحد المستويات، بمطالبة أجهزتنا الذكية، على سبيل المثال، أن ترسل تحديثات البرامج إلى بعضها البعض، بدلا من توجيهها لها من خلال السحابة، مما يمكن أن يجعل من “الحوسبة الضبابية” منافسا مباشرا للحوسبة السحابية في بعض الوظائف.
وخلاصة القول، أننا الآن لدينا كم هائل من البيانات، والطائرات خير مثال على ذلك. ففي طائرة جديدة من طراز بوينج 747، كل جزء تقريبا من الطائرة متصل بشبكة الإنترنت، يسجل، وفي بعض الحالات يرسل، سيل متدفق من البيانات حول وضعه. وقالت شركة جنرال الكتريك أنه في رحلة واحدة لأحد محركاتها النفاثة ينتج نصف تيرابايت من البيانات.
فأجهزة الاستشعار الرخيصة تقوم بتوليد الكثير من البيانات “الكبيرة”، والشيء المدهش انها مفيدة. إن ما يسمى بالتحليلات التنبؤية يساعد الشركات مثل جنرال إلكتريك GE على معرفة أي جزء من المحرك النفاث قد يحتاج إلى الصيانة، حتى قبل أن تهبط الطائرة التي يوجد بها.
وإلا فلماذا تعتقد أن شركات جوجل والفيسبوك تتحدث عن وسائل بديلة للوصول إلى الإنترنت، بما في ذلك عن طريق البالونات والطائرات بدون طيار؟
إن أجهزة نقل الخدمة القائمة حاليا ليست قادرة على القياه بهذه المهمة. وحتى تحصل الولايات المتحدة على الإنترنت السلكية واللاسلكية السريعة التي تستحقها، فإن الأشياء المحوسبة ستكون الأقرب إلى المستخدم بحيث يكون من الضروري جعل إنترنت الأشياء تستجيب بما فيه الكفاية لأن تكون قابلة للاستخدام .
مستقبل الكثير من شركات الحوسبة يكمن في السحابة، ولكن الحوسبة التحويلية الفعلية في المستقبل، ستحدث هنا، في الكائنات التي تحيط بنا – في الضباب.
المصدر: http://online.wsj.com e