عالمياً تعتبر «الزراعة» المتهم الأول باستهلاك المياه، و «خطط المعالجة» تنحو -دائماً- في اتجاه الحلول التقليدية للمحافظة على المياه لتلبية الزيادة في الطلب دون الالتفات إلى طرق أخرى تسهم في ترشيد استهلاك مياه الري؛ كاعتماد أساليب حديثة تقوم على التربة وتحسينها، بما يقلل من تأثير الزراعة بالتقلبات المناخية في هطول الأمطار ومصادر المياه المتجددة… كيف؟
الأمر يتعلق بكيفية إدارتنا للمخلفات العضوية، وكيفية جعلها تحمي التربة من سرعة الجفاف والاحتفاظ بالرطوبة أطول فترة ممكنة!
تعد «المياه الخضراء» المخزّنة في التربة مكوّناً مهماً في الدورة الهيدرولوجية؛ حيث يدخل الماء إلى التربة أثناء هطول الأمطار أو الري؛ فإذا كان هطول الأمطار أو الري سريعاً جداً، لن تكون عملية امتصاص الماء كفاية، وبما أن الهدف هو بقاء أكبر قدر من الماء في التربة حيث يمكن للنباتات الوصول إليه؛ مع الأخذ في الاعتبار الفروقات الكبيرة بين أنواع التربة وكيفية تفاعلها مع المياه من ناحية الامتصاص والتسرب والحفظ والتخزين؛ وهذا ما يمكن أن توفره عملية إدارة مخلفات المواد العضوية في التفاعلات بين الماء والتربة!
إدارة مخلفات المواد العضوية
من البديهي لدى المختصين في التربة أن زيادة تركيز المادة العضوية في التربة تؤدي إلى زيادة مساحة المسام من خلال توفير «صمغ» يمكنه تجميع الجزيئات المعدنية، حيث تسمح مساحة المسامّ المتزايدة للماء بالتدفق إلى التربة بسرعة أكبر وتوفر أسطحاً يمكنها التمسك بالمياه بمجرد وجودها في التربة، كما تجمع جزيئات التربة معاً؛ هذا التجميع يجعلها أكثر مقاومة للتآكل؛ هذه الطريقة الأكثر فعالية لزيادة محتوى المادة العضوية في التربة، في فترة زمنية قصيرة هي إضافة تعديلات عضوية إلى التربة؛ السماد العضوي، والمواد الصلبة الحيوية، والأسمدة… كلها تفي بالغرض.
تجارب
أجرت جامعة “واشنطن”، تجربة وجدت فيها أن زيادة المادة العضوية في التربة من 1.5 في المئة إلى 3 في المئة، يمكن أن تؤدي إلى زيادة القدرة على الاحتفاظ بالمياه بمعدلات تحميل أعلى تبلغ بين 10 في المئة و20 في المئة، مع زيادة الإنتاج في جميع المحاصيل بنسبة 16 في المئة، وأحياناً إلى أكثر من 25 في المئة.
بمعنى: زيادة المواد العضوية في التربة ترفع قدرتها على الاحتفاظ بالمياه وتزيد الإنتاج للري؛ وقد رصدت الدراسة نفسها التغيرات في رطوبة التربة بعد تطبيق استخدام السماد على ثمار أشجار الفاكهة (حيث تعتبر إنتاج الفاكهة ضخمة في كل من واشنطن وكاليفورنيا، والأخيرة أكبر منتج للوز في العالم)، وقد أثبتت التجارب أن إدارة المخلفات العضوية زاد “الكربون” في التربة بنحو 24 في المئة، كما زادت قدرة التربة على الاحتفاظ بالمياه بنحو 50 في المئة.
وفي دراسة لجامعة “نيو ساوث ويلز” الأسترالية، حول استخدام المواد العضوية في زراعة الفاكهة، لوحظت زيادة في رطوبة التربة تتراوح بين 10 في المئة و80 في المئة مع استخدام المخلفات العضوية كـ«مهد» أو «بطانية» تحمي التربة من أشعة الشمس والتبخر. كما لوحظت زيادة في المحصول بنسبة 20 في المئة إلى 400 في المئة، ولم يكن ذلك مرتبطاً بالمياه فقط، بل بجودة التربة أيضاً.
إلا أن ما تم تأكيده هو التالي: عندما تستخدم المخلفات العضوية كغطاء للتربة، تظهر الدراسات انخفاض الطلب على مياه الري نتيجة انخفاض التبخر من أسطح التربة بنسبة تتراوح بين 30 في المئة و70 في المئة!
وأشار التقرير الصادر عن مجلس موارد الهواء ووكالة حماية البيئة في كاليفورنيا، (عام 2011)، إلى وفر قدره 3700 ليتر من الماء لكل طن من المخلفات العضوية المستخدمة، وتراجعاً في تآكل التربة بين 91 و 328 رطلاً (الرطل 2.5 كلغ) لكل طن من المخلفات المستخدمة.
وتعمل النشارة العضوية على تقليل تبخر المياه من التربة، بالتالي تقليل متطلبات ري النباتات.
في حين أن الكمية الدقيقة من المياه التي يتم توفيرها ستختلف بناء على عوامل التربة والنبات والمناخ المحددة؛ فإن المشكلة تكمن في عدم وجود ما يكفي من المواد (المخلفات) العضوية؛ كبقايا الطعام والنفايات العضوية التي يمكن تحصيلها من مصادر أخرى؛ لذلك تضاف إليها نشارة الخشب الناجمة عن التحطيب أو المناشير أو صناعة الأخشاب، واستخدام مادة التبن بعد درس القمح أو غيرها من الأعشاب، إضافة إلى ما ينتج عن تعشيب الأحراج والأشجار ونباتات وسطيات الطرق والحدائق في المدن والقرى وجمع بقايا أسواق الخضار وتحويلها إلى “كومبوست” يسهم في تغطية وجه التربة ويحافظ على بقاء النباتات والأشجار، كما يجنّب التربة والمياه الجوفية إمكانية التلوث.
الخلاصة
لا تحتاج النباتات إلى الماء فقط لكي تنمو. بل تحتاج أيضاً إلى عمليات تفاعل كتلك التي تحول ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى مادة نباتية؛ يعد الماء وثاني أوكسيد الكربون من المكونات الرئيسية المطلوبة لإنتاج النشويات والسكريات والبروتينات في النبات… وكل ما يأتي من عملية التمثيل الضوئي.
ويمكن أن يؤثر المناخ في زيادة الطلب على المياه أكثر مما هو مطلوب لعملية التمثيل الضوئي، من خلال زيادة الطلب على الرطوبة العميقة؛ وهو ما يحدث في عملية انتقال الماء من جذور النباتات عبر الأوراق إلى الغلاف الجوي، وتؤدي درجات الحرارة المرتفعة والرطوبة المنخفضة والسماء الصافية إلى ارتفاع الطلب على هذه الرطوبة العميقة، كي تحافظ النباتات على التوازن في ضغط الماء الداخلي فلا تذبل.
وعلى غرار الطريقة التي يتعرق بها الناس، فإن درجات الحرارة المرتفعة والرطوبة المنخفضة ستجبر النباتات على إطلاق الماء في الغلاف الجوي؛ وكلما زادت الحرارة وقلّ الماء الذي يدخل جذور النباتات من التربة كان الطلب مرتفعاً جداً على الرطوبة الداخلية للنبات، وهذا ما يفسر الذبول النباتات؛ أي جفاف الماء بداخل النبات.
وكما يتقي الإنسان من أشعة الشمس الحارقة عبر وضع مظلة أو عطاء على الرأس، أيضاُ يمكن حماية التربة من تبخر المياه عبر وضع المخلفات العضوية فوقها وبالتالي توفير الكثير من مياه ري النباتات.
فهلا جعلنا إدارة النفايات العضوية جزءا من الزراعة وتحت مظلة إدارتها؟
اللهم حقق الآمال.