||بيت العنكبوت||

  • — الإثنين يناير 06, 2025

سُميت سورة في القرآن الكريم باسم حشرة “العنكبوت”، وورد ذكرها وبيتها في آية واحدة؛ حيث ضربها الله مثلا للأصنام المنحوتة والآلهة المزعومة ، فقال تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ٤١ [العنكبوت].

ومحور السورة يدور حول الدعوة إلى توحيد الله والإيمان بأن لا شريك له؛ ومِن أهَمِّ مقاصِدِها، ذِكرُ الابتلاءِ والامتحانِ، وبيانُ حالِ أهلِ البلوَى في الدُّنيا والآخِرةِ، والسورة تتحدث إجمالاً عن الفتن؛ وقد يتبادر للذهن ما علاقة “بيت العنكبوت” بذلك؟!

الاجابة بإيجاز، أن الله عزوجل ضرب هذا المثل لمن يتخذ من دونه أولياء؛ آلهة، أصنام وغيرها ليعبدوها ويعتمدون عليها‏،‏ ويرجون نفعها وشفاعتها‏، وغالبية الناس يعلمون مدى وهن بيت العنكبوت ولكن ربما لا يدرك البعض لم يدركوا تفاصيل الوهن، وبالتالي جاء في نهاية الآية قوله جل وعلا: {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}!

وإذا أخذنا ما جاء في الدراسات العلمية في علم الحشرات عن طبيعة حشرة العنكبوت؛ نجد أنه جاء ذكر أنثي العنكبوت {كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ}، لأن بيت العنكبوت من أكثر البيوت شراسة ووحشية‏،‏ وانعداماً لأواصر القربى‏، ‏ومعاني المودة والرحمة التي يقوم على أساسها كل بيت؛ فذكر العنكبوت لا يستطيع أن يبني بيتاً، وأن التي تقوم ببناء البيت هي أنثى العنكبوت فقط، من خلال مغزل خاص موجود في نهاية بطنها، ولا يوجد مثله عند الذكر، وهي تقوم ببناء بيتها بخيوط منسوجة بتداخلات  خاصة بحيث تكون شديدة الحساسية لأية اهتزازات خارجية، وهذه الخيوط مشبعة بمادة لزجة صمغية تلتصق بها أية حشرة بمجرد مرورها عليها أو الاقتراب منها، وهذه الخيوط تقوم بتكبيل الحشرة حتى تأتي أنثى العنكبوت فتفترسها،

وبالنسبة لذكر العنكبوت، فبعد أن تتم عملية التزاوج وينتهي الذكر من تلقيح أنثى العنكبوت ، تذهب إلى مكان بعيد آمن حيث تضع بيضها، وبينما الذكر في البيت، إذا بالأنثى تنقض عليه فتأكله، لهذا يطلق على أنثى العنكبوت لقب «الأرملة السوداء» لأقدامها على التهام الذكر بعد الانتهاء التلقيح، وهذا الأكل ضروري لأن أنسجة الذكر -كما يقول العلم- مهمة في عملية إنضاج البيض، ليس ذلك فقط بل في بعض الحالات تلتهم الأنثى صغارها دون أدني رحمة، ‏وفي بعض الأنواع تموت الأنثى بعد إتمام إخصاب بيضها الذي عادة ما تحتضنه في كيس من الحرير، وعندما يفقس البيض تخرج العناكب الصغار‏ فتجد نفسها في مكان شديد الازدحام بالأفراد داخل كيس البيض‏،‏ فيبدأ “الإخوة” في الاقتتال من أجل الطعام، والمكان حتي تنتهي المعركة ببقاء عدد قليل من “العنيكبات” التي تنسلخ من جلدها‏،‏ وتمزق جدار كيس البيض لتخرج الواحدة تلو الأخرى لتستكمل بعدها دورة الحياه .

وهكذا نلاحظ أن الله سبحانه وتعالى وضع الكلمة في مكانها الدقيق في إحكام مذهل لكي نعلم أن اتخاذ الأنداد من دون الله هي أوهن من “بيت العنكبوت”، وإنّ تداخل الفتن يشبه خيوط العنكبوت؛ فالفتن متشابكة ومتداخلة، فلا يستطيع المرء أن يميز بينها، لكثرتها وتعقيدها، لكنها في نفس الوقت هشة وضعيفة إذا استعان العبد بالله -جل وعلا- وتفقه في دينه واتبع المنهاج الصحيح وسنة المصطفى عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم. فتبارك الله جل وعلا عن الشريك والند والمثيل.

نعوذ بالله من شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللَّهُمَّ تَوَفّنَا مُسْلِمِينَ، وَأَحْينَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالحينَ، غَيرَ خَزَايَا وَلا مَفْتُونِينَ. آمين.