عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما، قَالَ: «اسْتَمِعُوا عِلْمَ الْعُلَمَاءِ، وَلا تُصَدِّقُوا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمْ أَشَدُّ تَغَايُرًا مِنَ التِّيُوسِ فِي زُرُبِهَا»
إنّا لنعلَمُ يقيناً، أنّ خطاب خبر الأمة هاهُنا؛ إنّما يتوجّه نحو (علماءَ) القرون الأُولى ممن حازوا السّابقة في الفضيلة، على النحو الذي أظفرهم «الخيريّة» بكلّ حمولتها الدّالةِ على الاصطفاءِ تفضيلاً!
إلا أنّه مع كلّ هذا الشأوِ، من هذه المقاماتِ التي قد بلغوها، لم تجد بُدّاً – يا حبر الأمة – مِن التوصيف لحالات «تغايرهم» بالتيوس في زربها، بل وإنهم لأشدّ تناكراً وإزراءً بأنفسهم من «التيوس»!
حسب تشخيص الحال التي كانوا عليها/ويكونون إبان “التشاغب” فيما بينهم كلاماً، وما كنتَ -وفق توصيفهم- لتعدو الحقيقة، ذلك أنهم في البدء والمنتهى ليسوا (ملائكةً) أو استثناءً من قاعدةِ «البشر» أيّاً تكن الألقاب الفخمة التي تُصنع بين أيدي «أسمائهم» فتهبهم بالتالي وضعيّةً من تقديسٍ لئن تطاول أمدها دون ردع فإنها ستأتي على أبوابٍ من التوحيد خرماً لأصله أو لكمالاته!
وبكل حال.. فإن الذين جاؤوا من بعد ابن عباس -رضي الله عنه- إنما أضافوا لمقالتِه بُعداً آخر يمكن أن نعدّه وإن أتى في معنى «الشرح» استفاضةً في الإبانةِ غير أنّه يشي على وجهٍ من التحقيق بأنّه توصيفٌ لظاهرةٍ لم يزدْهَا الزمن غير إمعانٍ في التّجذر/تأصّلاً، إذ أخذت حالات «التغاير» فيما بين -أهل العلم/ وطلبته – منحىً أشد وعورةً في مسالك من «فجورٍ» في الخصومة وتقوّلا واستعداءً للسلطة، يدفعهم شهوة خفية، نسأل الله السلامة والعافية.
والمحققون كثيراً ما ردّدوا القول بأنّه: «يجب ألا يلتفت إلى كلام ابن أبي ذيب في مالك، وافتراء ابن معين في حقّ الشافعي، ولا في تقوّل النسائي على أحمد بن صالح، لأن هؤلاء أئمة مشهورون، صار الجارح لهم كالآتي بخبر غريب، لو صح لتوافرت الدواعي على نقله، وكان القاطع قائماً على كذبه».
ورحم الله ابن تيمية حيث يقول: «حتى إن الرجل ليشار إليه بالزهد والدين والعبادة، ولسانه يفري في لحوم الأحياء والأموات وهو لا يبالي ما يقول…».
يقول الإمام الذهبي -رحمه الله- : «كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به، ولاسيما إذا كان لحسد أو مذهب أو هوى».
وهذا الإمام السُّبكي -رحمه الله- يقول: ورأيت في كتاب (معين الحكام) لابن عبدالمعين من المالكية وقع في المبسوطة من قول عبدالله بن وهب أنه: لا يجيز شهادة القارئ على القارئ، يعني العلماء؛ لأنهم أشد الناس تحاسداً وتباغضاً، وقاله سفيان الثوري، ومالك بن دينار…»
ولنعد للإمام الذهبي- ثانيةً – حيث قال في «ميزان الاعتدال» في ترجمة أبي نعيم صاحب «الحلية»: كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به، ولاسيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد، وما ينجو منه إلا من عصم الله، وما علمت أن عصرا من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين.
كيف لو أنّ هؤلاء أدركوا شيئاً من بشاعةِ ما نعيشه في أيامنا هذه ونحن في سيادةِ زمنِ وسائل التواصل «الإلكتروني» التي ما من سترٍ إلا وقد هتكته؟!
وشيءٌ من برهان هذا القول؛ باستطاعتك أن تبصره رأي العين في «تويتر X» بوصف هذا الأخير يأتي أنموذجاً صارخاً لمقارفاتٍ مبتذلةٍ وهجينةٍ، إذ قد بلغت حداً متناهياً من الإسفافِ تباغضاً وتحاسداً وتجادلاً مقيتاً وكذباً من القول وزورا.
ألفينا فئام من الناس – في عموم وسائل التواصل- يتندّرون صبحهم والمساء، قد أُتوا من قبِل ضعف تربيتهم ومن قصور في تدينهم ومن ولاءاتٍ لتحزّباتٍ ما أنزل الله تعالى بها من سلطان.. فضلاً عن تهافتٍ رخيصٍ على «الظهور» ما أورث انكفاء على الدنيا وتنافساً على حُطامها!
اللهم فلا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم.