«الطوافون سرَّاق الأوقات»

  • — الجمعة فبراير 21, 2025

العقل كأسٌ يأبَى إلا أن يُملأ، فإن دَفَقْت عليه صافي العلومِ ونبيلَ الفِكَر، فاض على قلبك وجوارحك بالفضائل ومحاسن الأخلاق، وإن أهملتَه مُلئ بعَكِر الأفكار وآجِنها وأسوأ الخصال؛ فوثب عليك وَثْبَ الصائل.

يطوِّف علينا وباختيارنا عالمٌ بعلمه، وأديب بأدبه، وقارئٌ ينثر درَّ قرأته للكتب المفيدة. كذلك يطوِّف علينا سرَّاق النفائس -نعني سُرَّاق الأوقات والأخلاق والرضى- وهؤلاء الطوَّافون السراق الذين يسكبون في رؤوسنا (كؤوسنا)، إما فارغ بفراغه، وتافهٌ بتفاهاته، وسخيف بسخافاته وتُرَّهاته، أو مُفاخِرٌ بأمواله أو جاهه، وذو عقل مريض، وضال سقيم، ومروج لسموم أفكاره وترهاته.

من يفتح للطوَّافين الباب؟

نحن من يفتح لأولئك الطوافين طيِّبهم وردِيئِهم، وشريفهم ودنيئهم؛ لملءِ كأس العقل، بل ونمنحهم بكرم وسخاء من نفيسِ أوقاتنا حين نأذَنُ لهم أن يطرقوا مسامعنا، ويملؤوا أبصارنا، فيتركوا أثرهم علينا، شعرنا بذلك أم لا.

نتابعهم في وسائل التواصل الاجتماعي، ونضيفهم في مجالس قوائمنا، ونضع كؤوسنا (عقولنا) بين أيديهم على راحتين، وفي ساعة وساعتين؛ ليملؤوها بما شاءوا! وكيف شاءوا!

من البيئةِ الأخلاقُ تُنْشأُ في الفتى… فَـتِلكَ بهِ في كلِّ يومٍ تُؤثِّرُ

كيف نُصفِّي كأس العقل من الشوائب؟

نُصفِّي الكأس من الشوائب بتصفية الطوَّافين، فكم من طارقٍ سارق! وكم من طوَّاف جرَّاف! يجرف المرءَ من دينه وقِيَمه ومبادئه وأخلاقه، ويُلقِيه في لُجَّة الفتن ورديء الأخلاق.

فلا تفتح إذًا، لا تفتح لهم الباب، أَبْقِهِ مُوصدًا، في قائمتك التي تتابعُها وتُشرِّفها بوقتك الثمين اجعَلْه يَضُوعُ مِسكًا وطِيبًا، املَأْه من طوَّافي الفضيلة والعلم والفائدة وكريم الأخلاق، وبزُلال فوائدهم املَأْ كأسك؛ لترى أثر ذلك الطِّيب عليك!

تنزَّهْ عن مجالسةِ اللِّئامِ… وَأَلْمِمْ بِالكِرامِ بَنِي الكِرامِ

ما لك ولطوَّافٍ ينشر زبلَ الألفاظ والأفكار وزائغها؟!

قومٌ إذا جَالَسْتَهم… صَدِئَتْ بِقُرْبِهِمُ العقولُ!

أو مُفاخرٍ مُباهٍ بماله، ينازعك قناعتك بما لديك، تمد عينَيْك إلى ما عنده، ثم تنظر بعين النقيصة لِما في يدك؟!

“قال حكيم لابنه: إذا ملأتَ عقلك بصغائر الأمور، فلن يبقى فيه مكانٌ لكبارِها؛ فالعقل كالحقل، إن لم تتعاهده بالنباتات الجيدة، نَمَت فيه الحشائشُ الضارة”.

انفُضْ يدَيْك منهم، واترَعْ كأسَك بما يُرضي الباري، ويسمو بك إلى المعالي.

اللهم وفِّقنا لاغتنام الأوقات بما يفيد، واعمُرْ ألسنتَنا بالباقيات الصالحات، واجعلنا مفاتيحَ للخير مغاليقَ للشر، مفيدين مُبارَكين صالحين مصلحين. آمين