||كلمة “الذكاء الاصطناعي” الطنانة||

  • — الجمعة فبراير 21, 2025

“تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي مجرد نماذج إحصائية مبرمجة تستخدم الرياضيات لاستنتاج الأنماط دون وجود ذكاء حقيقي”.

في الوقت الذي كانت الحقيقة والواقع الموضوعي -على الرغم من تآكلهما بشكل كبير وتقويضهما باستمرار- لا يزالان يعنيان شيئًا و مؤثرين؛ حتى الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI “سام ألتمان”، ثاني أسوأ رجل في مجال التكنولوجيا بعد “إيلون ماسك”، كان عليه أن يوقف الشائعات التي تفيد بأن شركة OpenAI على وشك إنشاء “ذكاء اصطناعي فائق الذكاء” يُعرف أيضًا باسم (AGI)، قادر على التفوق على الإنسان في أي مهمة.

كان بإمكانه بسهولة السماح لطاحونة الشائعات بالدوران أو حتى تغذيتها لتعزيز قيمة شركته وفي النهاية ملء جيوبه، لكنه لم يفعل؛ كان يعلم أن الضجيج حول OpenAI يجب أن يشبه الواقع على الأقل للحفاظ على قيمته المبالغ فيها بشكل مذهل وضخم؛ ولكن ومع كل ذلك أصبح الآن خارج من النافذة؛ لم يعد الواقع مهمًا، وأعلن “ألتمان” أن الذكاء الاصطناعي العام على وشك الحدوث.

فما الذي حدث؟ 

إنه عصر جديد من عدم الواقعية والاضطراب والخداع… وإليكم الوضع:

إن كلمة “الذكاء الاصطناعي” التي تستخدمها شركات التقنية هي مجرد كلمة “طنانة” لحلب جيوب المستثمرين، وهي ليست ذكاء حقيقي ولا يمكنها أن تتطور إلى ذكاء اصطناعي عام كالبشر، كما يروجون لها ؛ [لقد تناول واقع شركات الذكاء الاصطناعي الكثيرين على مدار العام الماضي، بعيدا عن الضجيج والهراء]؛ وباختصار، أنظمة “الذكاء الاصطناعي” التي لدينا حاليًا ليست سوى نماذج إحصائية مبرمجة تستخدم الرياضيات لمحاولة تكرار الأنماط وهذا ليس بذكاءً !؟!

والأكثر من ذلك أننا نصطدم بالفعل بحدود ما يمكن أن تفعله هذه النماذج؛ قد يمكننا أن نجعلها أكبر حجمًا وأكثر تعقيدًا بشكل كبير، لكن هذا لن يحسن قدرتها الذكية بشكل كبير على الإطلاق لتكون كالإنسان، والأسوأ من ذلك أنك مهما طورتها فأنها لا تستطيع سوى تكرار الأنماط؛ ولا توجد طريقة يمكن من خلالها لهذه النماذج الإحصائية أن تطور حتى مظهر الذكاء أو الحدس أو إطار الفهم، وبالتالي لا ينبغي أن يطلق عليها “ذكاء اصطناعي”!

فالحدس والفهم هو ما يمكننا كبشر من التعلم والتفكير والعمل بدقة لا تصدق، حتى في المواقف الجديدة؛ ولا نعرف بعد كيف يحقق علم الأعصاب لدينا هذا؛ في الواقع، نحن لسنا حتى قريبين من اكتشافه.

ولكن هناك شيء واحد واضح للغاية لكل ذي عقل ناضج: إن التكنولوجيا المطلوبة لإنشاء “الذكاء الاصطناعي العام”، فمختلفة تمامًا عن تقنية الذكاء الاصطناعي التي يروج لها اليوم، لدرجة أنه لا يمكن التفكير فيها كمادة مشتقة منها، أو تطوير لها؛ وحتى إذا نجحنا في إنشائها -يومًا ما- فسوف تكون فرعًا جديدًا تمامًا من الرياضيات والبرمجة والفكر الحاسوبي.

ونتيجة لهذا، فمن غير الممكن أن تمتلك شركة OpenAI الأنظمة اللازمة لبناء الذكاء الاصطناعي العام كما يزعمون؛ ومن غير الممكن أن توجد مثل هذه التقنية في العقد المقبل، وهذه ليست فكرة جديدة اخترعت من فراغ؛ فهناك جيش حقيقي من علماء الحاسوب يصرخون الآن بهذه الحقيقة ويصفون ادعاءات مثل ادعاءات “ألتمان” بأنها مجرد هراء.

إن مزاعم ألتمان بشأن الذكاء الاصطناعي العام مستمدة من منشور مدونة نشره مؤخرا، يزعم أن “الأنظمة التي بدأت تشير إلى “الذكاء الاصطناعي العام” أصبحت في الأفق”، وكيف سيكون هذا متاحا للجميع في غضون عقد من الزمان، ومدى التأثير الهائل الذي سيحدثه؛ وعند قراءة هذا المنشور، ستشعر حقا وكأنك أما شخصية دكتور “فرانكن شتاين”، الذي يحاول يائسا تحذير العالم من ابتكاره الرهيب الذي يغير العالم.

ببساطة: “ألتمان” يعلم أن شركة OpenAI لا تستطيع البقاء في العالم الحقيقي المكشوف؛ فهي لا تحقق أرباحًا ولا سبيل لها إلى تحقيق ذلك (اقرأ المزيد هنا). لذا، فهو بحاجة إلى العمل بعيدًا عن الواقع قدر الإمكان؛ وقد منحه “الرئيس ترامب” هذه القدرة مؤخراً.

ولكن مع انتقالنا من عصر ما بعد الحقيقة إلى عصر إنكار الواقع بشكل قاطع، فقد رأى “ألتمان” فرصة لتوسيع الفجوة بين حقيقة ما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يفعله وإدراك ما يمكنه أن يفعله؛ إنها أزمة واقع حيث يحاول اقتصادنا وصناعتنا التخلص من الواقع والانتقال بالكامل إلى فضاء إلكتروني مضاربي غير موجود.

العلم يؤكد لنا أن الذكاء الاصطناعي العام لن يتحقق قبل عقود أو ربما قرون، ولكن “ألتمان” لا يكترث. فهو -إلى جانب كل ملياردير آخر من أصحاب المليارات في مجال التكنولوجيا- يدفع العالم إلى عصر جديد من الوهم حيث لا تقل التكهنات بوجود “الذكاء الاصطناعي العام” عن ذكاء البشر العام في جودته وحقيقته وقيمته.

يبدو في هذا العصر الجديد، لابد من التخلص من حقيقة علمك وعملك وقيمتك وذكائك ومعاناتك وصوتك حتى ترتبط بعالم لا وجود فيه بما يسمى “الذكاء الاصطناعي العام” إلا لملء جيوب التكنوقراط الجشعين؛ أقرّ، “سام ألتمان”، وفي حديثه خلال مؤتمر World AI الأخير، “بأن فوائد الذكاء الاصطناعي قد لا يتم توزيعها بشكل عادل، الذكاء الاصطناعي قد يجعل الغني أكثر غنى والفقير أكثر فقراً؟ وأوضح ألتمان أن الشركات الكبرى التي تمتلك الموارد والقدرة على الاستثمار في الذكاء الاصطناعي قد تكون المستفيد الأكبر، ما قد يؤدي إلى زيادة التفاوت الاقتصادي بدلاً من تقليصه، كما أشار إلى أن الذكاء الاصطناعي سيغير سوق العمل بشكل جذري، مما يثير تساؤلات حول تأثير هذه التقنية على سوق العمل والاقتصاد”.

يبدو أننا مرحلة عالم العجب العجاب في الخداع والتدليس الذي يحركه “الذكاء الاصطناعي المغشوش”، وقد يؤدي -مع التنافس المحموم غبر المنضبط- إلى فوضى ورعب نفسي حقيقي سيتأثر به الجميع وعلى نطاق غير مسبوق، مالم يتدخل عقلاء البشر للحد وتقليل التأثيرات السلبية على الجميع.