نتيجة لتطور دور الدولة واتساع مهمامها حتى شملت أوجه الحياة الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية وغيرها، فقد زادت المشاكل التنفيذية التي تقابلها، وزاد عدد الوزارات والأجهزة الحكومية، وتضاعفت أعداد العاملين فيها؛ مما استدعى ضرورة الاهتمام بالعلاقات الجيدة مع الجماهير وإنشاء وحدات متخصصة في العلاقات العامة؛ لكي تنظم هذه العلاقات وتبني جسورا من الثقة بين الأجهزة الحكومية وجماهيرها، الأمر الذي استدعى وبشكل ملحّ وجود قنوات اتصالية عديدة تربط الحكومة بالمواطنين، فالحكومة بالمفهوم الحديث أضحت مسألة إدارية معقدة نتيجة تداخل أدوارها المتعددة، التي تحتاج بالضرورة لشرح وتفسير وتوضيح؛ حتى تستطيع أن تبقى على صلة مباشرة بالمواطنين، والإدارة الحكومية المؤثرة تنمو وتزدهر من خلال قربها من المواطن ومشاكله، فقد أثبتت التجارب أن استقرار الدول وتطورها مرهون بطبيعة العلاقة السائدة بين الحكومة ومواطنيها. فعندما يسود التفاعل بين الحكومة والمواطنين؛ تتقلص الفجوة فيما بينهما ويسود التفاهم، والعكس أيضاً صحيح؛ فحين تغلق أبواب التواصل والحوار تتسع الفجوة وتبرز المشكلات والأزمات والخلافات، وتنعدم الثقة؛ ولا يتوقف الأمر عند حدود العلاقة التي تربط الحكومة بمواطنيها؛ بل قد يتعدى ذلك ليمتد إلى خارج الحدود، فالدول لا تعيش منعزلة؛ بل متفاعلة مع محيطها الدولي.
وخلال العقدين الأخيرين؛ تزايد دور العلاقات العامة في جميع المجالات، وأصبح هناك حاجة للاعتماد على العلاقات العامة باعتبارها نموذجاً من نماذج الاتصال الإقناعي؛ الذي يؤثر في اتجاهات الجمهور وممارسته.
مفهوم العلاقات العامة
ظهر مفهوم العلاقات العامة Public Relation في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، وشاع استخدامه في منتصف القرن العشرين، وتعددت تعريفاته، وبالرغم من شيوعه في أوساط الأعمال إلا أنه كان يستخدم لوصف مجموعة متنوعة وواسعة من النشاطات؛ وهو ما ألبسه الغموض والإبهام. وأبسط تعريف هو: تعتبر العلاقات العامة حلقة الوصل مابين المنظمة والجمهور؛ بحيث إن الجمهور ينقسم إلى قسمين: الداخلي (يشمل العاملين داخل المنظمة) والخارجي (يشمل المستفيدين وصناع القرار ووسائل الإعلام والمساهمين والمستثمرين والنخب في المجتمع…..إلخ ).
أهداف العلاقات العامة الحكومية
تهدف أجهزة العلاقات العامة إلى تطوير العملية الإدارية للجهاز الحكومي من خلال تغذيته بالمعلومات الدقيقة حول اتجاهات الرأي العام، كما تساهم في اكتشاف مدى التأثير الذي تحدثه القوى الاجتماعية داخل المجتمع، ويمكن تلخيص أهداف العلاقات العامة في الأجهزة الحكومية بما يلي:
- الحصول على تأييد الرأي العام، ومد جسور الثقة والتواصل بينه وبين الحكومة؛ وذلك من خلال إمداده بالمعلومات الصحيحة والاعتماد على الصدق والأمانة في إيصال المعلومات إليه.
- القيام بشرح أهداف النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي السائد في الدولة.
- شرح القوانين الجديدة وأي تغييرات أو تعديلات في القوانين، بالإضافة إلى شرح مسوغات اتخاذ هذه القوانين أو التعديلات التي تجري عليها.
- تنمية الإحساس بالمسؤولية لدى المواطنين من خلال وسائل الاتصال المعروفة .
- إرشاد المواطنين لما فيه مصلحتهم والمصلحة العامة.
- تحسين العلاقات سواء أمع الجمهور الداخلي أم الخارجي.
- ضرورة تبليغ المواطنين الخدمات والوظائف التي تزاولها الحكومة حتى يمكن أن يسهم فيها ويفيد منها بالكامل.
- تدعيم العلاقة مع وسائل الاتصال المعروفة من صحف وتلفزة وغيرها.
- الدفاع عن موقف الدائرة الحكومية إذا تعرضت لأي انتقاد من قبل الآخرين.
- رصد ما ينشر أو يبحث من خلال وسائل الاتصال، ومتابعته وتقويمه والرد علية إذا لزم الأمر.
- تقويم آثار لتحقيق الأهداف من خلال تقديم معلومات دقيقة بصورة مستمرة ومنتظمة.
- تقديم المشورة للمسؤولين فيما يتعلق بردود الفعل الحالية والمستقبلية المتوقعة للسياسات القائمة أو المرتقبة.
مبادئ العلاقات العامة الحكومية
يستند نشاط العلاقات العامة في المنظمات الحكومية على عدة أسس ومبادئ، ونذكرمنها ما يلي:
- إن المتطلبات الأولية لبرامج العلاقات العامة الجيدة هو توفير المنظمة الحكومية ذاتها لخدمة جيدة، وهذا الاعتبار الهام يلقي الضوء على أهمية إدراك الإدارة العليا للمنظمة الحكومية للمسئولية الاجتماعية.
- يتوقف مستوى جودة الخدمة التي تؤديها المنظمة الحكومية على مدى قبول وإشباع هذه الخدمة لحاجات ورغبات معينة لأفراد المجتمع.
- يجب تشجيع كل نقد بناء، والرد على مختلف الانتقادات لسياسات أو خطط أو إنجازات المنظمة بصدق وصراحة وواقعية. فإن محاولة الهرب من مواجهة الآراء الانتقادية دليل على فشل برنامج العلاقات العامة.
- إن دراسة حاجات المجتمع ووضع الخطط اللازمة لإشباع هذه الحاجات، هما نفساهما مادتان جيدتان للنشر والإعلام.
- من الأهمية بمكان ارتباط الإعلام بموضوعات تهم الجمهور والمتوقع نشرها في الوقت المناسب.
- يجب أن تصاغ المادة الإعلامية بحيث توافق مقدار الوقت والاهتمام والتفكير الذي يحتمل أن يعطيه الجمهور للمادة الإعلامية الموجهة له؛ وذلك بالدقة في اختيار وتفسير وإبراز الحقائق وتبسيطها بدون تحريف أو تشويه لها.
- يجب أن يكون برنامج العلاقات العامة بمثابة خدمة حقيقية للجمهور، فمن ناحية يجب أن يعاون هذا البرنامج الجمهور على الحصول على أقصى قدر من الخدمات التي توفرها المنظمة الحكومية؛ ومن ناحية أخرى يجب أن ينقل ويفسر هذا البرنامج للعاملين في المنظمة حاجات ورغبات الجمهور.
وظائف العلاقات العامة في الأجهزة الحكومية
إن وظائف العلاقات العامة الحكومية تتجاوز حدود تقديم المعلومات للمواطنين والاستشارات للمسؤوليين الحكوميين، ونرى أن أجهزة العلاقات العامة في المؤسسات الحكومية يجب ان تقوم بالوظائف التالية :
الوظيفة الإعلامية المعلوماتية
تهدف هذه الوظيفة إلى إعلام المواطنين بالقوانين والأنظمة الحكومية، والمشاريع التي تنفذها أو تسعى لتنفيذها، والنشاطات الاعتيادية التي يقوم بها المسؤولون الحكوميون، إلى جانب قرارات الحكومة في المجالات المختلفة،. ومن الجانب الآخر إعلام صانعي السياسات والقرارات بما يتوفر من معلومات حول ردود الأفعال السريعة للرأي العام ، ووسائل الاتصال حول نشاطات الحكومة وسياساتها وقراراتها ومشاريعها المختلفة، وتتركز هذه الوظيفة على الأخبار وجمع المعلومات الأولية عن مجريات الأحداث اليومية والأحداث الاعتيادية؛ من خلال استطلاعات الرأي العام السريعة التي تبحث في تحديد اتجاهات الجمهور بخصوص القضايا المختلفة؛ إلى جانب متابعة ما ينشر أو يبحث عبر وسائل الاتصال المختلفة.
الوظيفة التفسيرية
وتذهب هذه الوظيفة إلى أبعد من عملية الإخبار وجمع المعلومات، فهي تقدم تفسيرا للسياسات والقرارات المختلفة؛ بمعنى تقديم رؤية الحكومة ومسوغاتها لانتهاج سياسة معينة، أو لاتخاذ قرار معين؛ بما في ذلك البحث في الأسباب والنتائج المتوقعة. ويشمل ذلك سياسات وقرارات الحكومة على الصعيدين الوطني والدولي.
الوظيفة الإقناعية
تهدف هذه الوظيفة إلى إقناع الرأي العام بضرورة اتخاذ إجراءات معينة، أو اعتماد سياسات محددة، أو اللجوء إلى قرارات ذات طبيعة خاصة، فحين تقوم الحكومة بتبني سياسات أو قرارات مصيرية يجري بها (أي بالوظيفة الإقناعية) إقناع مواطنيها بهذه السياسات أو القرارات، وتوضيح موقفها، وتقديم براهينها وأدلتها التي تدعم ضرورة ذلك. فالمواطن لا يميل إلى تقبل القرارات المفاجئة؛ خاصة إن كانت تؤثر في مجريات حياته ومعيشته اليومية. والتمهيد لاتخاذ مثل هذه القرارات يساعد على تجنب الصدمة التي قد تحدثها مثل هذه القرارات لدى الجمهور، والتي قد تقود إلى حالة من الاضطراب والفوضى.
الوظيفة التقويمية
تضم هذه الوظيفة النشاطات المتصلة بإعداد التقارير المرجعية، والتحليلات والدراسات التي تبحث بعمق في نتائج السياسات والخطط الحكومية الحالية، والظاهرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية داخل المجتمع، وقياس اتجاهات الرأي العام بشأنها. وتعتبر هذه الوظيفة من أهم الوظائف التي تقوم بها العلاقات العامة؛ نظرا ً لأهميتها للمخططين في مجال السياسات العامة؛ حيث توفر لهم معرفة مسبقة باحتياجات المواطنين وتطلعاتهم. وتستند هذه الوظيفة لدراسات وبحوث الرأي العام السريعة؛ التي تسعى لتوفير معـلـومات مفيدة حول اتجاهات الرأي العام في إطارها العام، في حين تقدم دراسات وبحوث الرأي العام معلومات حول اتجاهات الرأي العام؛ وذلك من حيث عمقها، واتساعها وشدتها، إلى جانب الأسباب والدوافع التي تقف وراء تشكيلها.
الوظيفة التثقيفية
تشمل هذه الوظيفة حفظ وتصنيف الوثائق الرسمية، والقوانين والقرارات الحكومية، والتصريحات الرسمية التي تتعلق بمواقف الحكومة، ومواقف الحكومة من الاتفاقات الدولية، إلى جانب القوانين الخاصة في مجال الاتصال، والاحتفاظ بقوائم المؤسسات الإعلامية والصحافية وأسماء العاملين فيها. ويتوقف دور أجهزة العلاقات العامة في مجال التوثيق على المجال الذي تخدمه، بالإضافة إلى مستواه. فالأجهزة الوطنية تخدم الحكومة بكافة مؤسساتها، أما الأجهزة المؤسسية فتخدم القطاع الذي تعمل فيه.
الوظيفة التشريفية
ترتكز هذه الوظيفة على تقديم الخدمات وتنظيمها مثل استقبال الوفود الرسمية ومرافقتها وتسهيل إجراءات إقامتها في البلد، وكذلك تسهيل مهمات الصحافيين والإعلاميين، وتنظيم الاجتماعات والندوات والمؤتمرات، وتعمل على تهيئة الأجواء المناسبة لها، وتنظيم لقاءات الصحافيين والإعلاميين بمسؤولي الحكومة، وتسهيل مهمات إدارة المؤسسة التي ينتمي إليها جهاز العلاقات العامة.
أهمية ودور العلاقات العامة
إن مساندة وتأييد الرأي العام لسياسات الأجهزة الحكومية عامل قوي في نجاحها وتحقيق أهدافها. وهنا يظهر أهمية توفير اتصال ذو اتجاهين بين المؤسسات وجمهورها، وهذا بدوره يساعد على التصرف بما يتفق واتجاهات الرأي العام. وهناك وسائل عديدة لاتصال المنظمة الحكومية بجماهيرها ومنها الاستقصاءات أو الاستبيانات للوقوف على آراء ورغبات الجماهير بشأن مسائل معينة ، وكذلك المطبوعات والنشرات الإعلامية في الصحف والمجلات والإذاعة والتلفزيون وغيرها من وسائل الإعلام ، وأتباع سياسة الباب المفتوح open door plicy ، وكفالة حق الجمهور في تقديم الشكاوي والتظلمات إلى المسؤولين بالجهاز الحكومي، وغير ذلك من أساليب .
وفي الختام فإن ما سبق يؤكد على أهمية تخطيط برامج العلاقات العامة في المنظمات الحكومية وإعداد بحوث لقياس الرأي العام ، والتي بدونها ستكون اتصالات المنظمة الحكومية غير واقعية حيث لن تعرف المنظمة ما يرغب الجمهور في معرفته من معلومات وحقائق، فضلا عن الوقوف على آرائه ومقترحاته وردة فعله لسياسات وقرارات وإنجازات المنظمة الحكومية. وبديهي أنه في ظل هذه الظروف لن تحقق الاتصالات من طرف واحد أهدافها، ولنا أن نتصور كيف سيكون الوضع في منظمة عامة تنفق أموالا كثيرة في مجالات الاتصال بدون أن تتوفر لها معلومات عن أية نتائج؛ عن رد فعل الجماهير لإنجازاتها ولسياساتها ولقراراتها إضافة للأثر النفسي السيئ الذي سيحل لدى الجماهير والتي ستشعر بأن آراءها ومقترحاتها ليست محل اهتمام وليس هناك من يبحث عنها ويهتم بها، وهو أمر قد يدفع الجماهير لتكون أكثر انتقادا لسياسات وأوضاع وإنجازات المنظمة الحكومية وبالتالي عدم الثقة فيما بين المنظمة الحكومية والجمهور.
إنه من الأهمية بمكان الاهتمام بتخطيط برامج العلاقات العامة في الجهاز الحكومي وتوفير المعلومات والحقائق التي تركز عليها خطط وبرامج العلاقات العامة والالتزام بالتخطيط كجزء هام وضروري لأي برنامج إعلامي ناجح .
—
المراجع :
- العلاقات العامة مفاهيم وممارسات، الدكتور محفوظ أحمد جودة، دار زهران للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2008.
- مبادئ العلاقات العامة في البلدان النامية، الدكتور مختار التهامي، الدكتور إبراهيم الداقوقي، دار المعرفة، الطبعة الأولى، 1980.
- العلاقات العامة في الإدارة (المبادئ والأسس العلمية(، الدكتور لبنان هاتف الشامي، الدكتور عبد الناصر جرادات، المركز القومي للنشر، الطبعة الأولى، 2001.
- العلاقات العامة الأسس والمبادئ، الدكتور محمد نجيب الصرايره، مكتبة الرائد العلمية، 2001.