يعتقد خبراء الإدارة -الاستشاريين- بأن العمل في أية مؤسسة هو عملية منطقية مجردة تُدار بالأرقام، وأن النماذج النظرية التي يطرحونها خطوة بخطوة تحقق النجاح إن نُفذت بدقة، ومع أن بعض المؤسسات طبقت تلك النماذج، وأعتمدت في صناعة قراراتھا على الأرقام فحسب، فنجد أن طريقة سیر أعمالها لیست منطقیة إلى ھذا الحد، ولا تحقق النجاح المرجو [!!!]
تقول الكاتبة “كارین فیلان” في كتابها : “اعْتَذَرَ.. لقد دمرت مؤسستك I’m Sorry I Broke Your Company“ ، تزایدت النظریات والأسالیب الإداریة الحديثة على مدار العقدین المنصرمین، وفرضت نفسھا بقوة على المؤسسات باعتبارھا أفضل الممارسات التي یمكن تطبیقھا لتحقیق الأھداف؛ كتحسین الكفاءة، وتوحید المھارات، ورفع مستوى الأداء… الخ.
من أبرز الأسالیب الإداریة المطبقة في عالم الأعمال ھي: بطاقة الأداء المتوازن، والأجر مقابل الأداء، وتطویر إمكانات أصحاب المھارات، و التنافسیة؛ كل ھذه الأسالیب رائجة جداً رغم قلة الأدلة التي تثبت نجاحھا وفاعلیتھا كما یزعم البعض، فهي في مجملها تنزع السمة الآدمیة من بیئة العمل؛ فالبشر في إطارھا یعامَلون باعتبارھم آلات یجب الاستفادة منھا إلى أقصى حد، تتعطل نھائیاً عن العمل، أما المھارات الفردیة المتمیزة لكل منھم فلا وزن لھا في ھذه المنظومة.
يعتقد خبراء الإدارة -الاستشاريين- بأن العمل في أية مؤسسة هو عملية منطقية مجردة تُدار بالأرقام، وأن النماذج النظرية التي يطرحونها خطوة بخطوة تحقق النجاح إن نُفذت بدقة، ومع أن بعض المؤسسات طبقت تلك النماذج، وأعتمدت في صناعة قراراتھا على الأرقام فحسب، فنجد أن طريقة سیر أعمالها لیست منطقیة إلى ھذا الحد، ولا تحقق النجاح المرجو [!!!]
وللأسف ینسى واضعو تلك النظریات أن رأس المال البشري لیس جزءاً من العمل وحسب، بل ھو العمل بأسره، فإذا خسرتَه خسرتَ معه مؤسستك، فلا یتبقى لدیك إلا مجموعة من المكاتب والمعدات والأجهزة الصماء. الواقع الذي ینساه أغلب مستشاري الإدارة أن المؤسسات تعتمد بالكامل على العنصر البشري الذي یتصرف بشكل لا منطقي وعاطفي وغیر متوقع ومبدع ومبھر، بل في بعض الأحیان یكون لدیك موظفون غایة في البراعة والذكاء لدرجة تمنعھم من العمل طبقاً للنظریات المفروضة علیھم والتي تقیِّد أداءھم.
كیف ندیر ھذا الزخم الإنساني بالمنطق فقط؟!
مشكلة الخطط الاستراتیجیة أنھا تعتمد على قدرتك في توقع المستقبل؛ على قدرتك في وضع توقعات دقیقة للظروف الاقتصادیة للسوق، والتغیرات المستقبلیة، والسلوكیات التنافسیة، ورغبات الزبائن، وھذا بالطبع یكاد یكون مستحیلاً؛ لأنه لو كان ممكناً لاستطاع خبراء وفطاحل الاقتصاد على مستوى العالم أن یتوقعوا مثلاً الأزمة المالیة التي حدثت عام 2008 ، لكن أحداً لم یفعل ھذا. ومع ذلك، ما زال ”توقع المستقبل“ ورسم خطة بناءً على تلك الرؤیة المستقبلیة ممارسة متبعة في كثیر من المؤسسات!!
الطريقة المعتادة لبلورة رؤیة مستقبلیة ھي الاستعانة بمستشار إداري (أو أكثر) لإجراء كثیر من الأبحاث عن مجال عمل المؤسسة والاتجاھات السائدة والجدیدة فیه، ثم تقدیم تقریر نھائي بنتائج البحث، بعد ذلك یعقد المستشارون جلسة عصف ذھني مع مجموعة صغیرة من قادة المنظمة لوضع خطة شاملة ذات أھداف استراتیجیة تعتمد على نتائج البحث، وحالما تصاغ تلك الرؤیة بشكل واضح، تصبح مھمة القادة حث بقیة الموظفين على الإیمان بھا وتبنیھا، بعد ذلك یعمل فریق الإدارة على التأكد من اتخاذ المؤسسة كل الإجراءات التي تؤدي إلى تحویل تلك الرؤیة إلى واقع ملموس. في ھذه الحالة تحتاج المؤسسة توجیه كل مواردھا لتحقیق ھذا الھدف، ولا یمكنھا الانشغال بأي أمر آخر قد یقتطع جزءاً من تلك الموارد، ویفقد الموظفون أعمالھم بسبب ھذا الأسلوب في التفكیر -وقد تفلس المؤسسة- والمشكلة ھنا أن أغلب من آمنوا بفكرة الخطة الاستراتیجیة المعتمدة على توقع المستقبل، واعتبروھا الحل الأمثل لحل كل المشكلات، فھذه بالتأكید لیست الطریقة المثلى للتخطیط للمستقبل.
التخطيط
قیمة أي الخطة في حد ذاتھا محدودة، لكن عملیة التخطیط نفسھا ھي ما يضیف قیمة إلى المؤسسة؛ فالتعرف على الاتجاھات السائدة والجدیدة، والسیناریوھات الاقتصادیة المختلفة، ونقاط قوة وضعف المنافسین، وآراء الزبائن، ھو ما یثري رؤیة وحكمة صناع القرار في أیة مؤسسة، وتجعل تلك المعرفة قادة الأعمال أكثر براعة وقدرة على التصرف في المواقف المختلفة، وعلى معرفة الفرص الجیدة واقتناصھا، یوسِّع التخطیط أفق الأفراد، بینما یحد اتباعه للخطط الاستراتيجية من قدرته على التفكیر،
في النھایة، الھدف الرئیسي من وضع أیة استراتیجیة ھو صقل المھارات الفكریة للموظفین، لا كبتھا، وتتفاقم المشكلة عندما تستعین بمستشارین من خارجھا لإجراء التحلیلات ورسم الخطط الاستراتيجية؛ فتتبدد كل المعرفة والمعلومات التي جمعت خلال عملیة البحث حالما ینتھي المستشارون من عملھم ویغادرون المكان، وبدلاً من رفع وعي وخبرة العاملین ، یصبحون مجبرین على التعامل مع ملف نظري مكون من عشرات الصفحات عن الخطة المنشودة، والذي لا یھتم بالاطلاع علیه إلا قلیلون، ناھیك عن محاولة فھمه !!!
یجب ألا یكون الھدف فقط وضع خطة لینفذھا الموظفون، بل یكون اكتساب المعرفة والحصافة اللازمتین للتصرف بالشكل الملائم مع عالم سریع التغیر وفي إطار إمكانات المنظمة؛ بھذه الطریقة عندما تظھر فرص جدیدة، یستطیع الموظفون تمییز الغث منھا من الثمین.
مشكلة الخطط الاستراتيجية الجاھزة [المكررة] أنھا لا یمكن الاعتماد علیھا للتعامل مع الفرص الغیر مخطط لھا، التي قد تظھر في أي وقت وأي مكان. بعض تلك الفرص قد یكون الوسیلة التي تحقق بھا المؤسسة النجاح في المستقبل، وھذا ما حدث بالضبط مع ”میكروسوفت“ و”أبل“ و”جوجل“، كلھا مؤسسات اضطلعت بالریادة في السوق، لیس بتوقع المستقبل، وإنما بتمییز الفرص الجیدة واقتناصھا بالشكل المناسب.
إن اقتناص أفضل الفرص یتطلب الاستعانة بأكبر عدد ممكن من الموظفین، تصوغ غالبیة المؤسسات استراتیجیاتھا بالاستعانة بمجموعة قلیلة للغایة من أفرادھا، الذین عادةً ما ینتمون إلى فریق القادة [الإدارة العليا]، وغالباً لا یكونون على احتكاك حقیقي ومباشر بالزبائن أو المنافسین، ولا یعرفون الكثیر عن الاتجاھات السائدة في السوق؛ ویعتبر الموظفون [الإدارة الوسطى، والإدارة الدنيا] ھم الأقدر على تقدیم ثروة من المعلومات والبیانات عن السوق والعملاء وحتى الشركات المنافسة – فبعضھم على الأرجح عمل ذلك من قبل – وبالتالي من المھم إشراكھم .
إن تبادل المعلومات عبر جميع المستويات الإدارية في المؤسسة بأسرھا عن قیمھا وإمكاناتھا، ومشروعاتھا الناجحة والفاشلة، ورغبات عملائھا، وتقنیاتھا الجدیدة، ھي مسألة مھمة وضروریة لعملیة صناعة القرار، ویحتاج العاملون معرفة هذه الأمور السابقة لتمییز الفرص الجیدة والتعامل معھا؛ وھذا ھو جوھر التخطیط الاستراتیجي – وضع الأسس المطلوبة لاتخاذ قرار حصیف وسلیم.
فكِّر
من الأسھل أن تعمل مع موظفیك وفقاً للطبیعة البشریة، لا ضدھا، ولا تسعى إلى دفع البشر للعمل كآلات، والتصرف بشكل مناقض لطبیعتھم البشریة، ومن نفس المنطلق غالباً ما یرى المدیرون أن سبب فشل مبادراتھم الإداریة ھو افتقار موظفیھم للنظام؟!!
إن البشر الذین سافروا إلى الفضاء، وابتكروا الإنترنت، وأبدعوا أفلام الرسوم المتحركة، وغیرھا من الابتكارات والإبداعات، غیر قادرین على العمل كالآلات واتباع كل الأوامر بدقة، ولا یمكنھم التفكیر بعقلانیة طیلة الوقت؛ ھذه ھي الطبیعة البشریة، لذلك، وبدلاً من انتزاع صفة الآدمیة من مكان العمل، یجب تنمیة الروح الإنسانیة إلى أقصى درجة ممكنة.
وتتحمل إدارة أي منظمة فشلها في إدارة موظفیھا، ، لأنھا قد تستعین بأولئك المستشارین الخارجيين كي یفكروا بالنیابة عنھا، أو یطوروا استراتیجیاتھا، أو یعیدوا ھیكلة نظام العمل، أو یحددوا جدوى صفقة استحواذ، لتجد في النھایة أن هناك أشخاصاً لا یعرفون أي شيء عن مؤسستك ھم من یتخذون القرارات المھمة بالنیابة عن قادتھا والعاملین فیھا.
قد تعتبر خطوة تغییر تفكیرنا صعبة، وفي نفس الوقت أسھل ما یمكننا فعله حتى تحقق ذلك، عليك التفكیر دون الاستعانة باستشاريين خارجيين – تعلم كيف يمكنك اختيار المستشار الإداري المناسب ومتطلبات ينبغي توافرها فيه، وبعض المحاذير التي ينبغي أن تتجنبها- والخروج من سیاق الھوس بالموضات الإداریة الجدیدة، لتؤسس نموذجاً ناجحاً لبیئة عمل مناسبة وصحیة وصحیحة.
یجب أن تفكر دائماً في النتائج المترتبة على أي منھجیة أو ممارسة أو حل جدید قبل الشروع في تطبیقه، فلا یعني قيام مؤسسات أو منظمات أخرى بتطبیق أنه بالضرورة سلیم وناجع؛ ومقاس واحد یصلح للجمیع، وما دمت تملك فریق عمل متعاوناً، فاعلم أنك ستتمكن من تخطي كل الصعاب حتى لو بدأت من الصفر؛ فالموظفون ھم من یتسببون في المشكلات، وھم من یحلونھا أیضاً!
موظفوك هم رأسمالك.. وهم الحل.. فثق بهم!
(خلاصة الخلاصة من كتاب “ عذراً.. لقد دمرت مؤسستك “كارین فیلان” موقع إدارة.كوم)
مقالة رائعة جدا. استفدت منها بصفتي أعمل إستشاري إداري للشركات، وأنا أتفق معكم العمل مع من هم خارج الشركة غير ناجح في كثير من المواقف. الأفضل هو بناء الموظفين الحاليين داخل الشركات والإستثمار فيهم بدلاً من إنفاق المال على الإستشارات الخارجية والتي تكلف الشركات أموال كبرى. ويجب على الشركات التخلص من الموظفين الغير جيدين أخلاقيا أو مهنياً ، ويتم تقييم الموظفين من إدارات مختلفة عن الموظف الواحد ، هل الموظف أمين في عمله، مخلص ، متعاون مع زملائه من الأقسام الأخرى، أم يجلس في المكان بناء على قرابة لفلان أو غيره من الأسباب.
أيضأً أشكرك على ذكرك للمصدر المنقول منه المقالة.
شكراً