كل من له قدر قليل من الاطلاع على الأخبار يدرك أن العالم يعج بالمشكلات، هناك الكثير من التحديات والصعوبات في حياتنا الشخصية وفي العلاقات الدولية وفي البيئة، ولعله من العدل القول بأن العديد من هذه المشكلات هي من صنع البشر وبما كسبت أيديهم بطريقة أو بأخرى.
الزراعة بطبيعتها، مسعى محفوف بالمخاطر، لما تعانيه من تقلبات الطقس وعدم اليقين والآفات والأمراض وأحوال السوق، فالمشكلات أو الكوارث المباشرة قد تحدث بين عشية وضحاها، والمزارع العائلية الصغيرة والمتوسطة تكاد تكون من “الأنواع المهددة بالانقراض”.
وإليكم بعض الإحصائيات في هذا الشأن (أمريكا):
- في عام 2002، بلغ متوسط عدد المزارع التي كانت تتوقف عن العمل في كل أسبوع 330 مزرعة، وأكثر قليلاً عن نصف المزارعين اليوم هم ضمن الفئة العمرية 45 – 64 عامًا، و6٪ فقط من المزارعين هم دون سن 35 عامًا، وأن 7٪ فقط من المزارع العائلية لديها دخل كامل في المزرعة.
- المُزارع يحصل على حوالي 10 سنتات فقط من كل دولار ينفقه المستهلك على طعامه من المنتجات الزراعية، حيث أن حوالي 39 سنتًا من هذا الدولار تذهب للعمالة خارج المزرعة، و8.5 سنتًا للتغليف، و4 سنتات أرباح، و4 سنتات للإعلان، و3.5 سنتًا للطاقة، وباقي السنتات هو من نصيب فئات ثانوية أخرى.
فلماذا تظل العديد من المشكلات التي تؤثر على الإمدادات الغذائية قائمة دون حل؟
بالرغم من أن بعض المشكلات الزراعية قد تعود أسبابها إلى البيئة (كسوء الأحوال الجوية والفيضانات والجفاف وهجمات الآفات والطفيليات والأمراض)، إلا أن المشكلات الناجمة عن الأخطاء البشرية والقرارات السيئة والعواقب غير المقصودة والجشع والغطرسة يمكن أن تكون مدمرة هي الأخرى بنفس القدر أو اكبر.
في الواقع، حتى المشكلات البيئية غالبًا ما تكون ناتجة جزئيًا عن الأنشطة البشرية، فعلى سبيل المثال، إزالة الغابات والاحتطاب بشكل جائر يمكن أن تؤدي إلى الجفاف وتدمير البيئة.
كيف يمكن للمرء أن يتصدى لهذه المشكلات وينبري لحلها؟
نحن للأسف غالبًا ما نتعامل مع المشكلات بطريقة خاطئة، وذلك من خلال محاولة التخلص من أعراض المشكلة أو التستر عليها، دون أن نمس جوهرها.
وكما يبدأ الطبيب أحياناً بمعالجة المريض الذي يعاني من الصداع الشديد عن طريق وصف دواء مسكن للألم، قد يلجأ بعض الخبراء الزراعيين إلى محاربة تفشي آفات المحاصيل الزراعية – كحشرات المن مثلاً – عن طريق رش مادة كيميائية سامة لقتل هذ الحشرات، بدلاً من البحث عن السبب الحقيقي لانتشارها ومعالجة هذا السبب، وبالتالي منع هجوم هذه الآفات على المحاصيل.
ربما كان السبب الحقيقي لانتشار آفات المحاصيل أسبوعًا من الطقس البارد الغائم، مما وضع نباتات المحصول تحت الضغط.
أو لعل تربة هذا المُزارع تعاني من نقصٍ في واحدٍ أو أكثر من المغذيات النباتية، وقد يكون هذا النقص في عنصر الكالسيوم أو الزنك.
لقد خلصت الكثير من الأبحاث إلى أن هجمات الآفات أو الأمراض تعود بوضوح إلى الإنهاك الذي تتعرض له المحاصيل بسبب بعض العوامل البيئية المماثلة، فالنباتات المنهكة تكون أكثر عرضة للإصابة بالآفات والأمراض من غيرها من النباتات الصحية القوية، تمامًا كما تستسلم أجسامنا بسهولة أكبر لجراثيم الأمراض عندما نعاني من قلة النوم أو الاكتئاب أو لا تناول الغذاء الجيد. ومثلما تمتلك أجسامنا جهاز مناعة يمكنه مقاومة الأمراض، فإن للنباتات أيضًا طرقًا مختلفة لمقاومة أو قتل الآفات والأمراض التي تتعرض لها.
معالجة المشكلات Solving problems
لعل أفضل طريقة للمعالجة هي مهاجمة المشكلات Attacking problems، ولكن قبل ذلك يجب علينا :
(1) الاعتراف أولاً بان هناك مشكلة
(2) تحليل المشكلة بعناية، مع ملاحظة أعراضها، وأيضًا بالبحث عن السبب أو الأسباب الحقيقية التي تقف خلفها
(3) ثقف نفسك حول المشكلة، والسبب (المسببات) وطرق منع السبب (المسببات) أو التغلب عليه.
(4) التصدي للسبب (المسببات) الحقيقي (cause(s ، وليس فقط الأعراض symptoms.
عند الشروع في تحليل مشكلة ما، كن على حذر من مصدر المعلومات، قد لا يخبرك بعض “الخبراء experts” بالقصة الكاملة (بل قد لا يعرفونها حتى بأنفسهم)، وربما لأنهم يريدون الترويج لطريقة معينة أو يبيعون منتجات معينة.
الحلول التي نتبناها للمشكلات الصعبة يجب أن تكون صواب، ولا يجب أن تتسبب في خلق مشكلات أخرى في نفس الوقت، ومن الأفضل التحقق من الاقتراحات المقدمة لمعالجة المشكلة وإخضاعها للتقييم من وجهات نظر عديدة، بما في ذلك المزارعين الآخرين الذين حققوا نجاحًا في معالجة مشكلات مشابهة.
قد تكون شركة أو منتج معين مفيد جدًا، ولكن من المهم أيضًا تثقيف نفسك حول كيفية عمل التربة والنباتات والحيوانات، لأنك كلما فهمت النظام البيئي الزراعي the agricultural ecosystem بشكل جيد، كلما كان بإمكانك اكتشاف كيفية التصدي للمشكلات بشكل أفضل. ويمكن أن تساعدك بعض المواضيع بالبدء في هذا المنحى بما في ذلك:
- المواضيع التي تتعلق بالنظام البيئي والتربة الزراعية، والتي تسلط الضوء على الأنشطة والعلاقات المعقدة اللازمة لزراعة المحاصيل المعافاة من الأمراض
- المواضيع التي تتناول الأسمدة وتحسين التربة والسماد، والتي تبين طرقاً لتحسين ظروف التربة وتغذية المحاصيل بشكل أفضل
- المواضيع التي تتعلق بمكافحة الأعشاب الضارة والآفات، والتي تقدم لك طرق وأساليب لا تعتمد على المواد السامة في معالجة هذه المشكلات.
وبالمثل، إذا كانت حيوانات المزارع مريضة أو لا تنمو بشكل صحيح، فقد تكون هناك عدة أسباب محتملة، كاتباع نظام غذائي غير متوازن أو تناول السموم أو التلوث الميكروبي للطعام أو الماء أو الظروف غير المريحة في الحظائر. ومرة أخرى، بالإضافة إلى علاج المرض بالعقاقير، حاول معرفة العوامل الحقيقية التي سببت المشكلة ومعالجتها.
الأسباب البيئية للمشكلات الزراعية غالبًا ما تكون خارجة عن سيطرة المزارع، ولكن يمكن بالتأكيد التحكم في العديد من العوامل المسببة لهذه المشكلات، ويمكن تقليل بعض الآثار البيئية، مثل تآكل التربة بسبب الأمطار الغزيرة، نظرًا لأن التربة الجيدة تحتوي على مواد عضوية كافية والتربة المحمية بغطاء من المحاصيل تنخفض فيها نسبة التآكل erosion.
العوامل المسببة للمشكلة التي يمكن للمزارع السيطرة عليها تشمل السلالات الجينية المحاصيل وتربية الحيوانات، وحراثة التربة وطرق الزراعة (وتوقيت هذه العمليات)، والأسمدة المستخدمة، وطرق مكافحة الحشائش والآفات، وتناوب المحاصيل، والحصاد وتخزين المحاصيل و/ أو التسويق، وكم من الأراضي يمكن شراؤها أو استئجارها.
ليكن لك نظامك الخاص Get your own system
نظرًا لأنه يمكن للمزارع اتخاذ العديد من الخيارات، فإن أفضل طريقة للتعامل مع المشكلات المحتملة هي تطوير نظام زراعي يمكنه منع أكبر عدد ممكن من المشكلات، ونظام يسمح بالتغلب على تلك المشكلات التي تحدث بسهولة نسبيًا وبتكلفة منخفضة، أي نظام يمكنه تقليل نفقاتك وزيادة أرباحك.
كل مزرعة تختلف عن الأخرى، ولذلك بدلاً من التقليد الأعمى وتبني نفس أساليب الزراعة التي يتبعها ابن عمك في المقاطعة التالية، استخدم معرفتك الأساسية، بالإضافة إلى تجربتك المتراكمة من كل عام، لبدء ممارسة أي تعديلات وابتكارات من المحتمل أن تسهم في تحسين عملياتك الزراعية.
هناك العديد من المتغيرات التي يجب مراعاتها، ليس فقط معالجة التربة الخاصة بك، واختيار المحاصيل والتناوب، ومعالجة الأعشاب الضارة والآفات، ولكن أيضًا الآلات المتاحة ومصادر العمل والتمويل، على سبيل المثال لا الحصر. شاور شريكك أو الممولين أو أرباب العمل، ثم قم بتقييم وضعك. اعقد جلسة للعصف الذهني. لا تخف من الحلم، فكر في بعض الأفكار الجامحة، فكر في الأهداف والأساليب الجديدة لاستخدام مورد متاح لديك بالفعل، أو لتلبية حاجة السوق. ثم كن أكثر واقعية وفكر في واحد أو اثنين من أفضل الأفكار، وخذ في الحسبان التطبيق العملي، وقم بتقييم الإيجابيات والسلبيات ووازن بين الحاجة إلى التدفق النقدي والنفقات المحتملة.
قم بمراجعة أي متطلبات أو مخاطر قانونية، كقوانين المناطق، وقوانين سلامة الأغذية، وقوانين مكافحة التلوث، والتأمين، وقوانين الضرائب، وقم ببناء خطة عمل مفصلة وحدد الميزانية المتوقعة لمدة خمس أو عشر سنوات.
الإمكانيات اللازمة لنظام الزراعة المصممة حسب الطلب، كثيرة، ربما يمكنك فقط ضبط العمليات الحالية، والتقليل من بعض المدخلات باهظة الثمن كالأسمدة ومبيدات الأعشاب والمبيدات الحشرية، وربما من خلال تحسين التربة و/أو أن تجعلها عضوية، يمكنك زراعة محاصيل أو تربية حيوانات ذات جودة أعلى قد تحقق لك سعرًا أعلى في السوق.
قد ترغب في التخلص من الوسطاء عن طريق معالجة و/ أو تغليف منتجاتك التجارية الخاصة بنفسك، كالفشار أو اللبن، وحتى بيع منتجاتك ولو بالوقوف على جانب الطريق أو من خلال عملية الزراعة المدعومة من المجتمع (CSA).
ليس من الحكمة إجراء تغييرات جذرية مفاجئة على المزرعة بأكملها، إذا كنت ترغب في تغيير طرق التسميد، أو إضافة محصول جديد، فقم بالتغيير في حقل واحد فقط، أو على الأكثر ربع المزرعة في المرة الواحدة. وبهذه الطريقة، سيكون لديك شيء يمكنك التراجع عنه في حالة حدوث خطأ ما. وأيضًا، أي نفقات إضافية لبدء التشغيل ستكون أقل.
نتوقع أن يستغرق الأمر عدة سنوات لتغيير النظام التي تتبعه الآن، وإذا واجهتك الصعوبات على طول الطريق، يجب أن تتحلى بالمرونة وقم بإجراء التعديلات اللازمة.
لا يجب أن تعتمد الزراعة على الأموال المقترضة والأسواق المتذبذبة، يمكنك أن تحقق الأرباح وتشعر بالرضا لأنك بالفعل تنتج للناس طعامًا صحيًا.
المصدر: sustainablesr.org