يفكر البعض في أن يبدأ مشروعًا جديدًا، وينشئ مؤسسة توصّل منتجاتها إلى الناس من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال مراقبة ومحاولة التعلم من المؤسسات المنافسة، كيف تسوّق وتبيع وتصل إلى المشترين، وأن يفهم طريقة عملهم ويحلل نقاط قوتهم وضعفهم ليعرف كيف ينافسهم ؟!.
وبعد أن يبدأ المشروع الذي كان صاحبه مٌفرط في التفائل وتوقع أرباحًا كبيرة كمنافسيه، تجده يخسر بشكل سريع ويغلق مؤسسته ؟!!.
يسمى هذا الوضع “المحيط الأحمر” وهناك الكثير من الأشخاص والمؤسسات والشركات الحديثة يفكرون بنفس الطريقة، ويركزون على المنافسين فقط، وبالتالي تجد كثير من وقتهم وانتباههم يكون في متابعة هؤلاء المنافسين وتحركاتهم بدلًا من التركيز على العمل نفسه وخلق مساحة أكبر في السوق في “المحيط الأزرق” بعيداً عن المنافسين.
فما الفرق بين استراتيجية “المحيط الأحمر و استراتيجية “المحيط الأزرق” ؟
تخيل أن السوق الذي تعمل فيه عبارة عن محيطين: محيط أحمر ومحيط أزرق.
المحيط الأحمر، هو مساحة السوق المعروفة، فيها كل المجالات الموجودة في الوقت الحالي.
أما المحيط الأزرق، فهو مساحة السوق المجهولة، وفيها كل المجالات التي لا نعرف حتى أنها موجودة!
في المحيط الأحمر، تجد الجميع يتنافس على نفس المساحة من السوق، وبالتالي تحاول كل شركة التفوق على المنافسين لاستحواذ حصة أكبر، والمشكلة أن مع ازدحام مساحة السوق بالمتنافسين، تتشابه المنتجات ويصبح العرض أكثر من الطلب، والناس بشكل تلقائي ستقارن الأسعار ببعضها لتشتري المنتج الأقل سعرًا، وبالتالي ستقل الفرصة في تحقيق الأرباح أو النمو، وفي النهاية، تزيد المنافسة الشديدة من احمرار المحيطات الحمراء وتصبح المنافسة فيها خطيرة.
على عكس المحيط الأزرق، الذي يعمل على مساحة سوق خالية من المنافسة، مساحة لم يصل إليها أحد، وذلك عن طريق ابتكار طلب جديد على السلع، و التفكير في إيجاد فرص للنمو والربح قابلة للزيادة بسبب إنشاء هذا الطلب الجديد والسيطرة عليه.
فبدلًا من أن تنافس الشركات الكبيرة على نفس العوامل ونفس المنتجات، تبتكبر شيئًا جديدًا في مجالك لم يفكر فيه أحد، وتحاول أن تستغلها لخلق طلب جديد عليها، أو تدمج فكرتين لتخرج بفكرة جديدة غير الأفكار المنتشرة في السوق.
وبذلك يتحدى المحيط الأزرق فكرة راسخة عندنا، وهي أن النجاح معناه التميز والفوز على المنافسين، وهي فكرة ليست دائمًا صحيحة، لأن التميز يضعك بين خيارين: إما منح الزبائن قيمة ممتازة بسعر مرتفع عليهم وتكلفة مرتفعة عليك، أو منحهم قيمة معقولة بتكلفة قليلة؛ وهذا ما لا تركز عليه استراتيجية المحيط الأزرق.
في المحيط الأزرق تحاول أن تجعل مشروعك يحقق التميز وفي نفس الوقت بتكلفة منخفضة.
السؤال كيف؟
الجواب : تحاول أن تفتح منطقة سوقية جديدة أو تضيف قيمة جديدة إلى منتجك تجعل المنافسة مع المؤسسات والشركات الأخرى غير مهمة، لأنك لن تنافسهم في نفس المناطق التي يعملون عليها ولا على نفس السلع، بعنى انك ستعمل في منطقة خالية من المنافسة (محيط أزرق)، ولأن العمل في سوق تكون المنافسة فيه عالية وتحاول أخذ نسبة منه لن يكون أفضل استثمار (محيط أحمر)، بالتالي أنت تحتاج إلى أن تفعل شيئًا مختلفًا، تحتاج إلى أن البحث عن محيطًا أزرقاً تعمل فيه، وهو ما يمكن توضيحه في النقاط التالية : أولاُ، اكتشاف المحيط الأزرق، ثم الانشاء من خلال أداة الأفعال الأربعة.
أولاً : اكتشاف المحيط الأزرق أو يمكن أن نسميها (إعادة إنشاء حدود السوق)
إن اكتشاف المساحة التي لم يصل إليها ولم يفكر فيها أحد ، من خلال التفكير بشكل يتخطى الحدود التي وضعتها المنافسة التقليدية، بشكل يمكّن من توسعة حدود المجال الحالي، وكلمة السر هنا هي “البحث”، الشركات التي تعمل في نفس المجال لها نطاق معين والمساحة المعروفة من السوق تحتاج إلى اكتشاف .
فمثلًا، ما المكان الحالي أو النشاط الذي يستثمر فيه المنافسون؟ وما الجوانب التي يتنافسون عليها من منتجات وخدمات؟ وما يحصل عليه الزبائن من عروض تنافسية تقدمها لهم هذه الشركات؟
وعندما تجد إجابات للأسئلة السابقة ستقدر على إعادة إنشاء حدود السوق وستتمكن من التحرر من المنافسة المتشابهة ومن التنافس ككل وستفتح مساحة خاصة لك.
وإليك الطرق التي ستساعد على اكتشاف المحيط الأزرق (إعادة إنشاء حدود السوق).
- البحث في البدائل. (بدلًا من التركيز على المنافسين)
نادرًا ما يفكر أصحاب العمل بعقلية الزبائن في المقارنة بين البدائل، وهذا يعميهم عن فهم السوق وكسب فرص جديدة، بمعنى أن كثيرًا من المنتجات والخدمات مختلفة في الشكل لكن لها وظيفة واحدة وتقدم منفعة واحدة، فمثلاً نجد قليلًا من التشابه بين المطاعم مثلًا ودور العرض (السينما) وكل منهما تؤدي وظيفة مختلفة ( من وجهة نظر صاحب العمل طبعًا)، لكن من وجهة نظر الزبون عندما يقرر أن يقضي ليلة خارج البيت ليستمتع بوقته، سيقارن بينهما، وبالتالي فالمطعم والسنيما بدائل بعض، الزبون عندما يأخذ قرارًا، أول ما سيفعله هو تقييم البدائل.
الشخص الذي يحاول أن ينشئ محيطًا أزرق، يلزمه التركيز على العوامل الرئيسة التي تدفع الزبائن لاختيار البدائل بين المنتجات مثل الرفاهية والقرب المكاني وقلة السعر والخدمة الجيدة. - البحث في كل المجموعات الاستراتيجية داخل الصناعة، والمجموعات الاستراتيجية هي مجموعة من الشركات تعمل في مجال واحد وتضع استراتيجيات متشابهة، فمثلًا في مجال الملابس، سنجد الشركات التي تعمل فيه مقسمة أكثر من مجموعة استراتيجية: شركات تركز على الملابس الرياضية – وشركات تركز على ملابس الرجال – وشركات تركز على ملابس الأطفال وهكذا. وتظهر هذه المجموعات منفصلة في عملها، لكنها في الحقيقة مترابطة، وتعمل على شيئين: السعر والقيمة، إذا زاد السعر زادت القيمة. وفي السيارات مثلًا، تختص مجموعات استراتيجية في بيع سيارات رياضية، وتختص مجموعات استراتيجية أخرى في بيع سيارات اقتصادية. والشركات التي تعمل في مجموعة لن تهتم بالشركات التي تعمل في مجموعة أخرى، لأن من وجهة نظرهم لا توجد بينهم منافسة. والسر هنا : هو دراسة المجموعات الاستراتيجية المختلفة في مجال ما والتحرر من الرؤية المحدودة للمجموعة التي تعمل فيها، من خلال معرفة العوامل التي تجعل الزبون يأخذ قرارًا من أي مجموعة منهم سيشتري،
- إعادة تعريف مجموعات المشترين.
اسأل نفسك: تُرى من الذي سيشتري منتجك؟
هل الأم مثلًا هي التي ستشتري لأولادها؟ أم الزوج، أم الأب؟ أم الأولاد أنفسهم؟
إن كان أغلب المشترين أمهات سيتمكن أحمد من بيع المنتجات لهم بطريقة تناسبهم، بخلاف لو كان الذي يشتري هو الشخص نفسه الذي سيرتدي هذه الملابس. من خلال معرفة سلسلة المشترين والمجموعة التي يركز عليها مجالك بشكل أساسي والتمكن من تغييرها، يمكنك أن تفتح المجال لسوق جديد لم يصل إليها أحد من قبلك. - البحث في عروض المنتجات التكميلية والخدمات والعروض.
وللأسف قليل ما يفكر أحد في المنتجات والخدمات التكميلية، لكن لتدفع نفسك إلى التفكير في المنتجات التكميلية وتعرف ما هي بالضبط المنتجات التكميلية الخاصة بمنتجك، يمكنك أن تتخيل ما يحدث قبل وبعد استخدام منتجك.
فمثلًا إذا اشترت بنت فستان لتخرج به في مناسبة، فغالبًا ستحتاج إلى حجاب يناسب لون الفستان. وهنا يأتي دورك، فمن خلال التفكير في استغلال منتجك أو خدمتك لحل مشكلة ما أو إضافة منتج آخر كعرض تكميلي أو خدمة بجوار منتجك، يمكنك أن تنشئ محيطًا أزرق. - إعادة التفكير في الجاذبية الوظيفية أو العاطفية للمشترين.
ذكرنا سابقًا أن التنافس بين الشركات يكون وفق شيئين: الجودة والسعر، وبالتالي يصبح كل تركيزك منصبًّا عليهما! لكن هل فكرت من قبل في جاذبية المنتج للعميل؟ أو أن يلبي المنتج متطلبًا وظيفيًّا له؟
وإليك مثالًا بسيطًا على المتطلب الوظيفي.. هل من الأفضل أن أحلق شعري عند حلاق يجعلني أنتظر دوري ساعة ويحلق شعري في نصف ساعة أم أن يستغرق الانتظار والحلاقة كلاهما ثلث ساعة؟
طبعًا ثلث ساعة.
ويحدث هذا عندما يكون الحلاق محترفًا، ينهي عمله سريعًا ولا يتكلم كثيرًا، وحبذا أن يكون الوقت الذي يفصلني عن دوري معروفًا مثلًا من خلال تطبيق أو حتى عداد بالأدوار، بحيث أصل في الميعاد بالضبط، بدلًا من الانتظار.
وبذلك يطوّر الحلاق الجانب الوظيفي ويحسن من عمله ليريح الزبائن أكثر.
أما الجانب العاطفي؛ فهذا ما فعلته شركة ستاربكس في صناعة القهوة عندما حولت بيع القهوة من سلعة إلى مناخ عاطفي يستمتع فيه الزبائن.
اسأل نفسك، هل تنافس صناعتك على الجانب الوظيفي أم العاطفي؟ إن كنت تنافس على الجانب الوظيفي، فما العوامل التي يمكنك أن تضيفها أو تزيلها لتنافس على الجانب العاطفي؟ والعكس. - إعادة تحديد المشكلة التي تحلها الشركة للزبائن.
بما أن الخدمة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، فزبائن يعانون من مشكلة المقاس عند أخذ قرار الشراء. إذ لا سياسة تضمن لهم إرجاع المنتج إن لم يكن المقاس مناسبًا، لكن من خلال إعادة تحديد المشكلة وحلها، ستصبح قادرًا على إنشاء محيط أزرق.
وهكذا نكون قد عرفنا المحيط الأزرق الخاص بعملنا، والآن جاء وقت الدخول في المرحلة الثانية من مراحل إنشاء المحيط الأزرق، وهي استخدام أداة يتمكن من خلالها منح الزبائن قيمة جديدة بتكلفة منخفضة. أو “أداة الأفعال الأربعة” :
كي تستطيع أن تعطي القيمة للمشتري من خلال منتجه، يحتاج الأمر إلى أربعة أفعال: الإزالة/ التقليل/ الرفع/ الإنشاء.
كل فعل له سؤال يساعد على أداء هذا الفعل.
الإزالة ، وهنا سنسأل : ما العامل الذي تعتبره الصناعة أمرًا مسلمًا به، لكن يجب أن نزيله؟
وهذا ما سيجد إجابته من خلال التفكير في العوامل التي تعتبرها الشركات في مجاله أمورًا مسلمًا بها، رغم أنها لم تعد ذات قيمة أو ربما قلت قيمتها.
التقليل، وسيسأل: أي عامل من العوامل يجب خفضه تحت معايير الصناعة بشكل كبير؟
سيجبره هذا السؤال على معرفة ما إذا كانت المنتجات والخدمات في المجال الذي يعمل فيه قد صممت بصورة مبالغ فيها خلال المنافسة بين الشركات، أم نتجت عن احتياج حقيقي؟
الرفع، وسيسأل: أي عامل من العوامل يجب رفعه فوق معايير الصناعة بشكل كبير؟
سيكشف هذا السؤال عن التنازلات التي تجبر الصناعةُ العملاءَ عليها، مثل عدم وجود ضمان ضد عيوب التوصيل، أو عدم تجربة المنتج.
الإنشاء، سيسأل: أي عامل من العوامل لم تقدمه الصناعة من قبل، ويجب ابتكاره؟
وهذا ما سيساعده على اكتشاف مصادر جديدة تمامًا للقيمة سيحصل عليها المشترون، وإنشاء نوع جديد من الطلب، وتغيير استراتيجية تسعير الصناعة بأكملها.
وأخيراً ، ماهي معايير قابلية نجاح أفكار المحيط الأزرق تجاريًّا أو “سمات الاستراتيجية الجيدة” ، للاستراتيجية الجيدة ثلاث سمات، لو استطاعنا تطبيقها على الخطه، فستنجح بنسبة كبيرة، وهي :
التركيز: هل سيطور كل عوامل التنافس مثل الشركات الأخرى، أم سيختار عاملًا واحدًا يركز مجهوده عليه؟
الاختلاف: هل سيقلد الشركات في كل نقاط قوتها، أم سيخرج من منحنى القيمة الجديد بميزة مختلفة ينشئ من خلالها مساحة جديدة في السوق ليس عليها تنافس؟
الشعار المقنع/ أو الشعار القوي الصادق: هل سنستطيع ابتكار شعار يقدم رسالة واضحة تعلن عمّا يقدمه، أم سيصبح مجرد شعار يتسبب في أن يفقد الزبائن ثقتهم بالمشروع (المؤسسة) واهتمامهم؟
وفي الختام، استراتيجية المحيط الأزرق مبنية على التجربة والمحاولة ولها مخاطر يجب أن يُنظَر إليها، إذ يمكن أن تكون الأفكار جديدة ومبتكرة لكنها لم تدرس بشكل كافٍ أو إذا حاولت تطبيقها لا يتقبلها من في السوق، ولذا يجب الحذر والدراسة الجيدة والتأني والتفكير وقت تطبيق هذه الاستراتيجية، لِمَ لَمْ يعمل أحد على هذه النقطة من قبل؟
قراءة في كتاب “استراتيجية المحيط الأزرق” لمؤلفيه: “دبليو تشان كيم” و “رينيه موبورني” : موقع أخضر