التضخم أمر سيء على العموم؛ فالتضخم في أي عضو من جسد الإنسان مؤشر غير محمود ويدل على أن الخلايا في هذا العضو تتكاثر أو تنمو بطريقة غير منسجمة، بل ربما فوضوية، ولكن هناك تضخما غالبا ما نغفل عنه وهو سبب من أسباب المشكلات، إنه تضخم “اﻷنا”، الذي قد ﻻ ننتبه له؛ إنه حالة من تعظيم الذات، أو حب الذات المفرط إلى الحد المرضي وقد اتفق علماء النفس في تحليلهم للأنا المتضخمة اختصارا “أن المصطلح يعني شخصية متمركزة على ذاتها وبشكل متطرف، وتتمظهر بسلوك استعلائي من ذات نرجسية متضخمة”.
وهناك العديد من التقارير التي تتحدث عن ضعف القيادة (الإدارة) التي تحركها الأنا المتضخمة على الموظفين، كما جاء في مجلة “عالم المديرين التنفيذيين CEOWORLD magazine” فقد وجد الباحثون أن 76٪ من الموظفين يقولون إن لديهم حالياً مديرًا متضخم الأنا سيئ (أو كان لديهم مؤخرًا رئيسًا سيئًا)، وقال 54٪ من العاملين إن الرؤساء السيئين وزملاءهم يتكلمون بكلام سيء، و 52٪ منهم يركزون على إثبات أنهم على صواب” وهذه بعض علامات القادة أو المديرين الذين تحركهم الأنا المتضخمة (أو المتورمة).
ولعلنا في هذه الأسطر نحاول تشخيص هذا الداء في القطاع العام ونجتهد في وصف الدواء.
التنافس على المناصب والطموح الشخصي أمر طبيعي، ولكن الأنا المتضخمة، تريد أن تكون الأولى في سباق محموم غير منضبط بأية قاعدة، بحثا عن سلطة أكثر، ومغانم أكبر!!. وﻻ شك أن المناصب هي التجلي الأكبر لممارسة هلوسات وشطط هذه الأنا المتضخمة، حيث يصبح الآخرون مجرد أصفار وأرقام، ﻻ قيمة لها، فيصبح الأمر حالة مرضية تستدعى الانتباه.
هناك خيط رفيع بين الثقة بالذات و “الأنا المتضخمة”؛ إذا تضخمت “الأنا” لدى الشخص (قيادي أو غيره) أسرف في استعراض نفسه وعمله واجتماعاته وزيارته، وما يقدم من خدمات-أو ينوي تقديمها- وإنجازاته حتى وإن كانت “هلامية” لم تتشكل بعد؛ وتتحول برامج التواصل المؤسسي إلى مشروع للظهور الذاتي -وربما المقربين والمقربات- أمام عدسات الكاميرات والشاشات المرئية ووسائل التواصل (استقبل اجتمع ودع وقع تفقد ذهب رجع … ) يقودها رابطة من النفعيين (تعهيد) وكأنه مشهد تمثيلي لاستعراض المهارات الذاتية أمام جماهير المستفيدين!!
هذه الحالة لها سلبيات على العمل المؤسسي في القطاع العام بشكل عام؛ حيث كل شيء لا يعني الكثير عند الذات المتضخمة، ﻷنها تدعى الفهم في كل شيء وترى المخالفين ﻻ يفقهون ما يفقه، وتستشعر دائماً أن الآخرين إنما وجدوا لخدمتها ولتطبيق فقط ما تراه بمنظارها صحيحا وصواب، فتؤدي إلى بيئة عمل غير صحية موبوءة، يسودها التسييس التنظيمي، والنفاق المصلحي، والتدليس والترويج الخادع، والضجيج الوظيفي ، كما تؤدي إلى التنافر بين المستويات الإدارية المختلفة، والتنافس غير المحمود الذي ينعكس -حتماً- على أداء المنظمة والعلاقات التنظيمية الخاصة والعامة.
وتضخم “الأنا” لدى القياديين خاصة؛ يفشي في المنظمات ثقافة التفكير المصلحي الضيق، وحب التملك لما لا يملك، والتمنن بما يقدم من عمل هو في الأصل واجبا عليه، مع شبه انعدام في تطوير الكوادر البشرية، وتثقيفها وتدريبها على التعاون والتكامل (الداخلي والخارجي) لتحقيق الهدف الأعلى ضمن منظومة العمل الشاملة = المصلحة العامة!
إذا، فما هو الدواء لمن أصيب بهذا الداء؟
يكمن العلاج (الحل) لمن ابتلي بهذا الداء، باستشعار أن الموظف العام (رئيس ومرؤوس) أجير مكلف من ولي الأمر لخدمة الوطن والناس (جماهير المستفيدين)، وعمله هذا واجب دون منة، ويجب العمل على توطين النفس بعدم كثرة الحديث عن الذات (أنا) والتزام الصمت دون خدمة أو إنجاز حقيقي يستحق الذكر، وجعل العمل مؤسسي، والعمل الجماعي المشترك غاية الجميع، والتعلم تقاسم المعرفة، وإيقاف برامج النفخ الذاتي “الاستعراضية” وتوجيهها إلى نشر ثقافة “نحن” والحديث عن بصيغة الجمع (قامت الجهة، نفذت الهيئة، صنعت المؤسسة، وقع المركز… إلخ)، والتدرب على ذلك وتبنيه ونشره وإدمانه!
فذلِكُمُ العلاج، وذلِكُمُ الحل.
هذا والله تعالى هو الهادي الى سواء السبيل.