«آداب الرئيس والمرؤوس»

  • — الأربعاء أغسطس 09, 2023

قال رسول الله – ﷺ -: «العَامِلُ إذا استعمِلَ فأخَذ الحق، وأعطى الحق، لم يزَل كالمُجاهِدِ في سبيلِ الله حَتى يَرجِعَ إلى بَيتِه» فالعَامِلُ سواء كان رئيساً أم مرؤوسا له أجر عظيم إذا أخلص في عمله وصدق فيه؛ والمسؤولية عظيمة، والمناصب تكليف وأمانة، وهي يوم القيامة خزي وندامة، والجميع سيُسأل عن عمله وأمانته التي وكلت إليه وعن رعيته كيف عاملهم، فالكل راع ومسؤول عما استرعي عليه «…ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، وأن الله -عزوجل- سيحاسب على مِثْقَالَ الذَرَّةٍ إنْ خيرًا فخيرٌ وإنْ شَرًّا فشَرٌّ.

أولا : آداب الرئيس

يستمد الرئيس أو المسؤول سلطاته (صلاحياته) من النظام، لهذا ينبغي عليه أن يتحلى بالحكمة وحسن التصرف والتواضع ولا يكون متكبرا على من يرأسهم -الذين هم تحته في التنظيم-، ويتقي الله فيهم؛ فيحفظ حقوقهم، ولا يكلفهم من العمل ما لا يطيقون ويساعدهم، ويقدر من يستحق، ولا يستغل الموظفين ، وأن يحافظ على الأمانات ويؤدي الواجبات التي عليه، ويراقب الله في كل شيء يفعله ، وليعلم بأن المناصب لا تدوم، بل ولا العمر يبقى.

وفيما يلي ملخص للآداب التي يجب أن يتصف ويتحلى بها الرئيس، (ويشترك في بعضها المرؤوس) :

١ – الأمانة

الأَمانَةُ هي الوفاء، وهي ضد الخيانة؛ وهي كل ما يؤمن عليه من أموال وأعيان وحرم وأسرار فهو أمانة.

عن أبي موسى – رضي الله عنه – عن النبي – ﷺ – قال: «الخازِنُ المسلمُ الأمينُ الذي يُنفِذُ ما أُمِرَ به كاملًا مُوَفرًا طيبًا به نفسُه، فيدفعهُ إلى الذي أُمِرَ لهُ بهِ -أحدُ المتصدقَينِ».

٢ – البعد عن الحرام والتنزه عنه

الرئيس الأمين يتنزه عن الحرام، وأن لا يتخذ العمل مطية لنيل المصالح الخاصة بالتحايل أو النهب أو السلب، أو الغصب، و أخذ ممتلكات الدولة أو الجهة أو من تعمل عنده بغير حق، أو قبول الرشوة، ولا ينبغي له قبول هدايا العاملين معه، فإن ذلك غلول وسحت، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «مَن استعمَلنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقنَاهُ رِزقاً فما أخَذَ بَعدَ ذلِكَ فَهُوَ غلُولٌ”» ، وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «كلُّ جَسدٍ نَبَتَ من سُحتٍ، فالنارُ أولى بهِ».

قال الخطابي: “هدايا العمال سحت، وأنه ليس سبيلها سبيل سائر الهدايا المباحة، وإنما يهدى إليه للمحاباة، وليخفف عن المهدي، ويسوغ له بعض الواجب عليه، وهو خيانة منه، وبخس للحق الواجب عليه استيفاؤه لأهله” .

٣ – التواضع

الرئيس الناجح هو من يُظهر التواضع الذي يدل على خفض الجناح واللين، فلا يتكبر على أحد، ويستسلم للحق، ويتواضع للخلق، ويتصف بالانكسار لله سبحانه، فمن تواضع لله رفعه.

كن مستعدًا للاعتذار عند الخطأ، ولا تنظر لأحد نظرة احتقار، ولا تدع الكبر يدمر جانب الخير فيك، فتصبح في أعينهم لا تستحق الورق الذي توقع عليه، فالناس تبغض من ينظر لهم باحتقار واستعلاء، فإن الأرض المنخفضة هي التي تمسك الماء. فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «ما من آدمي إلا في رأسه حكمة بيد ملك، فإذا تواضع قيل للملك: ارفع حكمته، وإذا تكبر قيل للملك: دع حكمته».

٤ – حسن التصرف والقدرة على اتخاذ القرار الصائب

الرئيس الكيس هو الذي يحسن تصريف أمور عمله، وعنده القدرة على إصدار القرار الصائب، والوعي بالعوامل المؤثرة فيه والتعامل معها، والنتائج المحتملة من هذا القرار، بعد والاستشارة والاستخارة.

عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إن لله تعالى أقواما يختصهم بالنعم لمنافع العباد، ويقرها فيهم ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم».

٥ – التخطيط التنظيمي الجيد، وتوزيع العمل بما يخدم المصلحة العامة

الرئيس الناجح من يخطط جيداً ويضع كل شيء في مكانه اللائق به والمناسب له، وتوزيع الأعمال بما يناسب مرؤوسي؛ فلا يسند منصبًا إلا لمن هو أهل وكفؤ له، أما من يعجز عن القيام به فلا ينبغي إسناده إليه. عن أَبي ذر – رضي الله عنه – قال: قُلتُ: يَا رَسُولَ الله، أَلَا تَستعمِلُنِي؟ قال: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنكِبِي. ثم قال: “يَا أَبا ذرٍّ إنَّكَ ضَعِيف -وَإنهَا أَمَانَة- وَإنهَا، يَومَ القِيَامَةِ، خِزيٌّ وَنَدامَةٌ، إلا مَن أَخَذها بِحَقهَا، وَأَدَّى الذي عَلَيهِ فِيهَا”

٦ – العدل والإِنصاف

الرئيس الحكيم الناجح يتصف بالعدل والإنصاف في تعامله مع جميع العاملين معه، ومن أعظم الظلم بخس المرؤوسين حقوقهم والتمييز بينهم بغير حق؛ قال تعالى: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} [الأعراف: ٨٥] ، وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: ٩٠]، وقال سبحانه: {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: ٩].

وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “أتقوا الظلم, فإن الظلم ظلمات يوم القيامة” .

٧ – التحلي بالأخلاق الحسنة

الرئيس الذي يتحلى بالأخلاق الحسنة ويتصف الخلال الحميدة في قوله وفعله من شيم النفوس الشريفة، ويعظم في العيون، وتصدق فيه خطرات الظنون، ويفرح به كل عامل، فالرئيس الموفق هو الذي تعلو محياه البشاشة، وينشر الألفة، ويشكر على المعروف، ويضبط انفعالاته، ويرفق بمن معه من المرؤوسين.

٨ – العِفَّة في اللسان

بأن يكف الرئيس لسانه عن أعراض من معه، والعفة في النظر بعدم الخيانة، فالله يعلم خائنة الأعين، ومن يَخُنْ يَهُنُ، فلا يجمل بالرئيس أن يمد عينيه للحرام.

عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – أَنهُ كَانَ يَقُولُ: “اللهُم إِنِّي أَسألُكَ الهُدَى وَالتُّقَى، وَالعَفَافَ وَالغنَى”.

٩ – المشورة واحترام وتوقير ذوي الخبرة

الرئيس الحاذق يستفيد من ذوي الخبرة والاختصاص ممن أمضوا سنوات عمرهم في العمل، ومن التوقير لهم مشاركتهم بالرأي والمشورة فهم ذاكرة العمل، ويجب عدم التعالي عليهم وانتقاصهم، ومن الجور ونكران الجميل تجاهلهم وتسويد من دونهم للتخلص منهم، فالمستبد برأيه، والمنفرد بقراره، فالفوضى على بابه، والعشوائية بانتظاره.

والرئيس الناجح يشاور أهل التخصص، وينتفع بأصحاب الخبرة؛ فما خاب من استشار ولا ندم من استخار.

١٠ – القُدوَةُ الحسنة.

القدوة الحسنة أسوة لأتباعه يقودهم بالفعل والقول، ويتأثرون بعمله الجميل، ولفظه الحسن، فيحذون حذوه، فإن كان الصدق مطلوبًا من كل عامل، فإنه في القدوة أكثر طلبًا، وإن كان الجد مطلوبًا من كل مسلم، فإنه في القدوة أكثر حاجة؛ لأن الناس مجبولون على عدم الانتفاع بمن خالف قوله فعله، وكلما كان الرئيس قدوة، كان في العاملين معه أكثر تأثيراً؛ ليعرف العاملون معه صدق أقواله تتجسد في أفعاله فيتأثرون به، ولا شك أن الفعل إذا انضم إلى القول، كان أبلغ وأكثر تأثيراً من القول المجرد. وإن التناقض بين القول والعمل أكبر علامة فشل وسقوط. المسؤول، فالرئيس الذي يتحدث عن الأمانة وهو يسرق، والذي يطلب من العاملين معه الالتزام والانضباط وهو آخر من يحضر ، فهو يمحو بتصرفه عشرات الأقوال، وعلى هذا فقس.

١١ – قوة الشخصية دون العُجبِ

الرئيس قوي الشخصية هو الحازم في ضبط أمره بدون عُجب، والأخذ فيه بالثقة وجودة الرأي في الحذر، فلا يضعف في مواجهة المواقف، ولديه القدرة على التحكم في إرادته وإدارته؛ ولا يعني الحزم العنف وإصدار القرارات التعسفية، بل حزم مع الحق، وحكمة في التصرف مع الرفق.

قال صلاح الدين الصفدي: من ضيع الحزمَ لم يظفر بحاجته … ومن رمى بسهامِ العُجبِ لم يَنَلِ

١٢ – عدم الاستماع للوشاة

الرئيس الذكي لا يكون أذن شر يستمع للوشاة الذين ينقلون الكلام لا سيما الأقران في العمل، فلا ينقل العيب إلا معيب، ومن نم لك نم بك، وفاعل ذلك نمام، قتات. قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “أَلا أنبئكُم ما العَضْهُ؟ هِيَ النَّمِيمَةُ القَالَةُ بَينَ النَّاسِ” .

١٣ – قبول النصح

الرئيس الموفق من يقبل النصيحة، والمرء مهما سمت أخلاقه، فهو بحاجة إلى النصيحة، فالنصيحة هي الكلمة الطيبة الخالصة قولًا وعملًا، وبذل الجهد في إصلاح المنصوح، والرئيس العاقل من يقبل نصيحة الغير خاصة في تصحيح المسار؛ فكما ينصح غيره، فيجب عليه أن يقبل نصيحة الغير.

١٤ – عدم تصيد الأخطاء والبحث عن المساوئ

الرئيس الموفق ينصح العاملين معه بالحكمة، فإن رأى من مرؤوسيه تقصيرًا منهم، نصحهم سرًا ولم يفضحهم، وفرقٌ بين النصيحة والتعيير. والمسؤول العاقل من يصلح ويرشد، وإذا وجد خلل سده، أو أبصر النقص أكمله، فالكمال عزيز، والعاجز من يقصر نظره على الأخطاء ويقف عندها، فلا تبحث عن الأخطاء فقط، بل ارشد ووجه الى الإيجابيات تزل السقطات.

١٥ – عدم الإكثار من الاجتماعات

الناس بحاجة إلى عمل أكثر من حاجتهم إلى الكلام، فكثرة الاجتماعات بجداول الأعمال مملة، تبعث على السآمة، وتقتل الأوقات من غير جدوى، فأنجح الاجتماعات ما أعقبت فائدة الأعمال والنتائج.

١٦ – الشكر والثناء.

الإنسان أحاسيس ومشاعر، تؤثر فيه الكلمة الطيبة؛ يحتاج إلى الثناء الصادق، والشكر الجزيل، فعلى الرئيس الكيس الفطن شكر المرؤوسين المتميزين، فإن الناس لا يزالون جياعًا يشبعهم التقدير، وكم من موظف ترك عمله مع جودة أجره بسبب إغفال الرئيس مشاعره وأحاسيسه وما يقوم به من عمل، وليس من شيء يقتل الطموح مثل التأنيب والتجريح، وفرق بين التقدير والتملق، فالتقدير الصادق مقبول ومحمود، والتملق مرفوض ومذموم. شكر المرؤوسين على ما يقومون به من مكارم الأخلاق يعد أحد الحوافز المعنوية المؤثرة، ومن مميزات المسؤول الناجح؛ والرئيس البصير من يثني على العاملين معه، وينمي الإيجابيات ويذكرها ويدعو لهم؛ ليدفع بهم إلى الجد والعطاء،

ثانياً : آداب المرؤوس

المرؤوس مَنْ هو تحت سُلطة رئيس (مسؤول)، وعلاوة على آداب الرئيس السابق ذكرها والتي يشترك في بعضها المرؤوس، إلا أنه هناك آداب أخرى مهمة تتأكد للمرؤوسين، منها:

١ – الإتقان والصدق في العمل

على المرؤوس أن يُحْكم عمله بإتقان وإخلاص وصدق ارضاء لله، قاصدًا بذلك النفع للبلاد والعباد، ميسرًا لهم، باذلًا لهم العون في حدود نظام العمل ولوائحه، ما استطاع الى ذلك سبيل.

٢ – المحافظة على وقت العمل وعدم التغيب دون مسوغ

لكل عمل وقت محدد له بداية وله نهاية، والموظف يجب عليه المحافظة على وقت العمل من الضياع، بل يجب عليه العمل به بما يرضى ربه قبل كل شيء، فلا يؤخر عمل عن وقته دون مبرر سائغ. الموظف الموفق هو الذي يحافظ على عمله بالحضور، فلا يتحايل ولا يتغيب إلا بمسوغ شرعي أو نظامي. ولا يخرج قبل انتهاء وقت العمل فيتعطل العمل بخروجه، ولا أن يتأخر عن بدء العمل، ولا أن يخرج في أثناءه بدون إذن رئيسه.

٣ – مراقبة الله تعالى والجد في العمل

الجِد هو الاجتهاد، والموظف الموفق ليس عنده كسل أو ملل، همته عالية، ودأبه العمل بالمعروف، بل هو المبادر النشط، فالتثاقل والتراخي عما ينبغي مع القدرة مذمة، وعدم الانبعاث لفعل ما يجب عليه ملمة، بل يصنف في خانة الثقلاء الكسالى. والعاقلُ هو الذي يراقب ربه فيما خوَّله من عمل، فمن الأمانة أداء ما يجب عليه ، ويبذل جهده على حقوق الناس التي وضعت بين يديه، وليس أعظم سوء من رجل أسند إليه أمر من أمور الناس -حتى إن قل- فخان الأمانة.

٤ – لا تشغل غيرك عن تأدية عمله

بعض المرؤوسين كل على غيره، فلا هو بالذي يعمل، ويخلص في عمله، ولا هو بالذي يترك غيره يعمل، يشغل غيره عن تأدية واجبه، ولا يأتي بخير؛ فلا تشغل غيرك بالأحاديث الجانبية وتترك ما يجب عليك تأديته.

٥ – التحلي بالأخلاق الحسنة والعلاقة الحسنة مع الزملاء

الموظف العاقل من يبني علاقات حسنة مع غيرة من الزملاء في العمل، فيحلو في العيون، وترتاح له النفوس، فيزيد التعاون، ويحسن العمل. يكفي في التحلي بالأخلاق الحسنة أنها سبب لمحبة الله تعالى، ومحبة رسوله، وأنه حسن عند كل الناس، والنصوص في هذا الباب كثيرة متوافرة.

قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا”.

هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين


[مختصر بتصرف من كتاب موسوعة الأخلاق – خالد الخراز]